اصلاح ديني

التنظيمات الجهادية في المغرب العربي.. صراع محتدم(٤).

تونس

وصل التهديد الإرهابي على الأراضي التونسية ذروته عام 2015 باعتداءين ضخمين ضربا أهدافاً سياحية في العاصمة تونس ومدينة سوسة، راح ضحيتهما 60 ضحية، و21 سائحاً، وشرطي في الباردو، و38 سائحاً على شواطئ سوسة، منهم 30 بريطانياً، في شهري آذار (مارس)، وحزيران (يونيو)، على الترتيب.

أُدين 15 شخصاً مقبوض عليهم بتهمة الضلوع في هذين الهجومين، في التاسع من شباط (فبراير) الماضي، بتهم تتراوح بين الحكم المؤبد وستة أشهر، بينما أطلق سراح 27 متهماً في قضية استغرقت عاماً كاملاً، ما يدل على شدة تعقيدها، وكانت البلاد قد شهدت في 24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015، اعتداء آخر جهادياً نفّذه انتحاري، وأودى بحياة 12 من أفراد الحرس الجمهوري في قلب العاصمة، وكذلك كان الجهاديون قد سيطروا، في آذار (مارس) 2016، ولعدة أيام على مدينة بن فردان القريبة من الحدود الليبية، في عملية راح ضحيتها 50 شخصاً، على الأقل.

ورغم أنّ العنف الجهادي في هذه البلاد، التي ما تزال رهن حالة الطوارئ التي تجدّد بشكل دوري، لم يصل إلى معدّلاته التي كان قد وصل إليها في 2015، وهو العام الذي وصل فيه العنف لذروته، إلا أنّ هناك مؤشرات تدل على استمرار الخطر.

ففي أول تشرين الثاني (نوفمبر) 2017؛ تعرّض شرطيان مكلّفان بتأمين مدخل البرلمان في تونس العاصمة لهجوم من قبل جهادي مسلّح بسكّين وعانى أحدهما إصابات خطيرة في العنق، وذلك في اليوم التالي لظهور المتحدّث باسم قوات الحرس الوطني، خليفة الشيباني على قناة “نسمة تي في” التلفزيونية، ليقدم تقريراً حول الحرب ضد الإرهاب عن الفترة بين أول كانون الثاني (يناير)، ونهاية أيلول (سبتمبر) من ذلك العام، وهو التقرير الذي تكرر فيه، وفي أكثر من موضع، اسم مجموعة “عقبة بن نافع”، الموالية لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية، وورد فيه نجاح أجهزة الأمن في إحباط 522 عملية إرهابية، والقبض على 694 إرهابياً (من بينهم جزائريون)، ومصادرة أسلحة آلية وقنابل ومنزلية الصنع، والأهم من ذلك تركيز جهود مكافحة الإرهاب على المناطق الحدودية الواقعة على الحدود مع الجزائر، مثل جبل الشعانبي، والكاف، وجندوبة، والقصرين.

وإضافة إلى الاعتداء بسلاح أبيض قبالة البرلمان، فجّرت امرأة نفسها أمام المسرح البلدي، في قلب العاصمة، يوم 28 تشرين الأول (أكتوبر) 2018، بجوار مجموعة من الشرطيين؛ لتتسبّب في إصابة 10 جرحى، علاوة على هجوم آخر وقع في الثامن من تموز (يوليو) الماضي، قرب الحدود الجزائرية، بمنطقة عين سلطان، وأودى بحياة ستة من عناصر قوات الحرس الوطني، وإصابة ثلاثة آخرين، وبنفس أسلوب الهجوم الذي راح ضحيته جنود جزائريين في سكيكدة، يوم 30 تموز (يوليو) الماضي.

وتتضمّن جهود الدولة التونسية لمكافحة الإرهاب إجراءات للوقاية والتعامل تحظى بدعم دولي من فاعلين، مثل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وإسبانيا، ومن أبرز صوره؛ التدريب في مجال العمليات الخاصة، وتفكيك العبوات المتفجرة والأمان الرقمي، وإدارة الموارد الاقتصادية.

كما نتج عن الحاجة إلى تأمين الحدود التونسية مع ليبيا، وبصورة أعمّ، تعزيز الأمن في تونس، في الآونة الأخيرة مظاهر أخرى من التعاون الثنائي بين تونس ودول أخرى، على رأسها ألمانيا والولايات المتحدة، والأخيرة أنشأت صندوقاً بـ 20 مليون دولار، لتزويد تلك الحدود بمعدات تقنية للتأمين، مثل: مستشعرات وكاميرات لتعزيز السياج الذي بدأت الحكومة التونسية بنائه في 2015، ويتضمن عدة وسائل دفاعية لتأمين الحدود مع الجارة ليبيا، التي تشهد أجواءً من الاضطراب والفوضى نتيجة وجود ميليشيات متناحرة علاوة على عناصر جهادية.

بيد أنّه لا يمكن إسقاط حقيقة وجود عدد كبير من المقاتلين التونسيين الذين انخرطوا في جبهات القتال، في كلّ من ليبيا وسوريا والعراق (خمسة آلاف مقاتل وفق مجموعة العمل بمجلس الأمن الدولي بينما تؤكّد الحكومة التونسية أنّها منعت سفر 18 ألف شاب تقل أعمارهم عن 30 عاماً)، الذين بدأت أسرهم في العودة إلى البلاد، وتقدّر أعدادهم بـ 100 امرأة، و200 طفل، على الأقل، وهو الواقع الذي يقلق السلطات والشعب التونسي بشدة.

جدير بالذكر؛ أن منفّذ الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين، يوم 19 كانون الأول (ديسمبر) عام 2016 كان تونسياً قتل 12 شخصاً، وفي العام نفسه؛ أكّد وزير الداخلية التونسي الهادي المجدوب؛ أنّ 800 مقاتل تونسي عادوا إلى البلاد.

لكن من الضروري أن نبرز في تونس، مثلما هو الحال في الجزائر، ليس فقط الحراك الجهادي بل أيضاً تطوّر القوى والأوساط الإسلامية، مثل: حركة (النهضة) التي تنخرط في السياسة، ويصل الأمر بها للمشاركة في الحكومة، ومن حيث مستجدات الأوضاع في البلد المغاربي؛ فإنّ إعلان الخلاف بين حزب “نداء تونس” الحاكم، والحزب الإسلامي، بداية الخريف الماضي، كان إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من عدم الاستقرار السياسي المتوقّع، وذكر هذه النقطة أمر مهم؛ سيما أنّ “النهضة” تحظى بشعبية كبيرة خاصة على مستوى البلديات، وهو نفس الحال في المغرب، وهو ما كشفت عنه الانتخابات البلدية، التي أجريت في السادس من أيار (مايو) 2018؛ حين سيطرت “النهضة” على 155 من إجمالي 350 بلدية على مستوى البلاد، في مؤشر قد يعني إمكانية فوز الحركة الإسلامية بالانتخابات العامة المقبلة.

لعلي نوار.

حفريات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate