المرأة

حقوق المرأة عند المفكر “قاسم أمين” (٤).

  • تعديل الأنماط السلوكية والقضاء على التمييز الجنسي:

تدعو المادة (5) من الاتفاقية إلى تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف القضاء على فكرة دونية أحد الجنسين وكفالة التفهم السليم للأمومة بوصفها وظيفة اجتماعية والاعتراف بالمسؤلية المشتركة للوالدين في تنشئتة أطفالهم.

ونجد صدى ذلك في أفكار قاسم أمين الذي يرى أن التقدم نحو المساواة يتطلب إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية وثقافية والتصدي لأفكار والممارسات التي تفضي إلى إقصاء المرأة وتهميشها ومكافحة التوزيع النمطي للأدوار بين الرجل والمرأة في الحياة الداخلية والخارجية. وإلغاء فكرة تفوق الرجل وتميزه وغير ذلك من تصنيفات نمطية وأحكام تقوم على أساس جندري.

أما بالنسبة إلى المادة (6) من هذه الاتفاقية  والتي تنص على ” أن تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير اللازمة بما في ذلك والتشريعي فيها المكافحة لجميع أشكال الاتجار بالمرأة واستغلالها”. ونلاحظ أن قاسم أمين حدد ثلاثة أنواع من الأعمال التي يقوم بها أي إنسان وهي: الأعمال التي يحفظ المرء بها حياته، والأعمال التي تفيد العائلة، والأعمال التي تفيد الوجود الاجتماعي. ويرى أنه من خلال التربية الصحيحة يستطيع الفرد سواء كان رجلا أو امرأة أن يقوم بتلك الأعمال ومراعاة التراتب الطبيعي. ولكي يتم الحفاظ على المرأة وحمايتها من الاتجار بها أو استغلالها فلابد من تربية عقلها وتهذيب أخلاقها.

ومن الجدير بالذكر أن قاسم أمين عمل على توسيع مفهوم “الاستغلال والاتجار والاسترقاق”؛ فالرق يعني “ليس هو الإنسان الذي يباح الاتجار به فقط وإنما هو كل من لم يملك قيادة فكره وإرادته وعمله ملكا تاماً. كما أن أشكال الاستعباد متنوعة ومختلفة باختلاف الطبقات الاجتماعية ومن مظاهر ذلك على سبيل المثال: تقبيل المرأة يد الرجل، عدم جلوس النساء مع الرجال لمشاركتهم تناول الطعام، حبس المرأة في البيت، وتزويجها من رجل لا تعرفه ومن غير أن يكون لها رأي فيه.  وبالتالي نلاحظ أن المرأة لا تعيش بنفسها ولنفسها وإنما تعيش بالرجل وللرجل. ولكي يتم القضاء على هذا النوع من الاستعباد فلابد من تمزيق الحجاب ومحو آثاره.

ومن العوامل الأساسية التي تؤدي إلى تعرض المرأة لكافة أشكال الاستبداد – من وجهة نظر قاسم أمين- هي الجهل والفقر والاستبداد. فلابد من خلع الحجاب حتى تستطيع المرأة أن تؤدي عملها وتشبع احتياجتها، فكثير من النساء لا يجدن من يعولهن.

ويطالب قاسم أمين في إطار مطالبته بتحرير المرأة بأن يتم توسيع القاعدة الفقهية والتي مؤداها “الضرورات تبيح المحظورات” ومن ثم إباحة كشف الوجه والخروج من البيت ومزاولة أعمال الرجال والاختلاط بهم  والحصول على تعليم يؤهلها إلى العمل.

الخاتمة:

لقد عرضنا في هذه الورقة أهم الأفكار التي تناولها قاسم أمين عن حقوق المرأة في كتابيه “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”. ونلاحظ أنه لم يتطرق إلى تحرير المرأة فقط بل نادى بتحرير العقول أيضا، كما أنه وصف الداء والدواء في وقت واحد، وذلك عندما وضح أن السبب الرئيسي في انحطاط حال الأمة هو واقع المرأة المؤسف التي كانت تعيشه، حيث كان يتم التعامل معها باحتقار شديد على اعتبار أنها ليست إنسانة وإنما هي مجرد شيء ملحق بالرجل ووجودها مرتبط بوجود الرجل، وبالتالي طالب قاسم أمين بضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في كافة المجالات. من الجدير بالذكر أن قاسم أمين تعرض للكثير من الانتقادات فيما يتعلق بمسألة الحجاب وأنه يدعو إلى الفجور، ولكن من خلال قرأتنا الدقيقة لكتابيه نلاحظ أنه يتحدث عن الحجاب بمعناه الواسع “ستر المرأة عن المجتمع كله” وأن تبقى محبوسة في البيت.

وفي هذا السياق نلاحظ أن قاسم أمين عند حديثه عن حقوق المرأة ربط بين الحقوق والواجبات، فلكي تحصل المرأة على كامل حقوقها لابد أن تؤدي ما عليها من الالتزامات ومسؤوليات تجاه عائلتها ومجتمعها. كما قمنا بالربط بين ما طالب به قاسم أمين وما جاء باتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز والتي صدقت عليها بموجب قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد ثمان عقود من إصدار كتابي قاسم أمين.

وأخيرا، على الرغم من مرور أكثر من قرن على إصدار كتابي قاسم أمين وإصدار العديد من الاتفاقيات التي تؤكد على حقوق المرأة القضاء على كافة أشكال التمييز ضدها فمازالت هناك العديد من الانتهاكات ضد حقوق المرأة في كثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء، حيث تتعرض النساء للاغتصاب والزواج القسري والتحرش فضلا عن العنف والتمييز السلبي.

لزينب حسني عزالدين.

المركز الديمقراطي العربي- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate