المرأة

حقوق المرأة عند المفكر “قاسم أمين”(١)

المقدمة:

يعتبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي شكل في القرن الماضي أفضل نص من ناحية قوة تأثيره في هذا المجال، وتعد حقوق المرأة أكبر تحد في هذا المجال؛ فلا يمكن إنكار إنجازات الحركة النسوية على المستوى العالمي والتي حققت تقدماً بحقوق المرأة على الرغم من كل الإخفاقات والواقع المرير الذي تعاني منه المرأة  في العالم. ومن الضروري أن تكافح الحركة النسوية بشكل خاص والمرأة بشكل عام من أجل الاعتراف بالمرأة كإنسانة كاملة وبحقوقها الإنسانية الأساسية وكمواطنة كاملة الأهلية. وعلى الرغم من تحسن أوضاع المرأة في  نواح كثيرة إلا أن البنية المجتمعية والثقافية والقانونية والاجتماعية السائدة والأحكام المسبقة التي غالباً تأخذ شكل القداسة ما زالت تمييز ضدهن.

من الجدير بالذكر أن حقوق المرأة تطورت بشكل كبير في العديد من الاتفاقيات الدولية؛ فتطورت من مفهوم “المساواة بين الجنسين” مرورا بـ”إلغاء التمييز ضد المرأة” وصولا لـ “مناهضة العنف المسلط على المرأة”. إن التمييز ضد المرأة يعاد إنتاجه من خلال المنظومة القيمية السائدة في المجتمع والتي تشمل الثقافة والفكر الديني السائد فضلا عن الخطاب الذكوري والذي يعتبر أبشع أنواع العنف المادي والرمزي ضد المرأة، وبالتالي يؤدي التمييز ضد المرأة إلى تهميش دورها وتنامي ظاهرة العنف الجندري ومن ثم لا تعتبر هذه القضية نسوية فقط بل مجتمعية أيضا نظرا لارتباطها بنهوض وتقدم المجتمع في كافة المجالات بالإضافة إلى كونها إحدى أهداف الإنمائية للألفية.

وانطلاقا مما سبق سيتم التركيز في هذه الورقة البحثية على حقوق المرأة عند المفكر المصري “قاسم أمين”،  وذلك من خلال عرض أهم أفكاره الذي تناولها في كتابي “تحرير المرأة” و”المرأة الجديدة”، وبالنسبة  لأهم القضايا التي تطرق إليها قاسم أمين هي: توضيح أسباب انحطاط الأمة والمرأة، كما قارن بين وضع المرأة المصرية والمرأة الغربية في تلك الفترة، فضلا عن تناوله لقضايا أخرى مثل: الحجاب، والزواج والطلاق وتعدد الزوجات، وحق المرأة في العمل. وسنتناول في نهاية هذه الورقة العلاقة بين ما طالب به قاسم أمين وبين ما جاء في اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة  “السيداو“(1979)

أولا: التعريف بالمفكر والسياق الاجتماعي الذي نشأ فيه:     

ولد المفكر المصري “قاسم أمين” في الأسكندرية عام 1863  وتوفي عام 1908، وكانت شخصيته وأفكاره نتاجاً لتأثره  بالبيئة المصرية سواء كانت الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية، وكذلك تأثر بالبيئة الفرنسية الذي عاش فيها لمدة 4 سنوات، والجدير بالذكر أنه حاول التوفيق بين البيئتين. نشأ قاسم أمين في فترة كانت تعاني فيها مصر من آثار هزيمتها السياسية على يد الاحتلال البريطاني عام 1882 وبالتالي زيادة النفوذ البريطاني بشكل كبير في الشؤون السياسية الداخلية للبلاد، كما تم إعلان الحماية البريطانية على مصر في عام 1914. ولقد شهدت البلاد في تلك الفترة نهضة معنوية وحركات تطالب بالتجديد سواء على المستوى الديني أو السياسي أو الثقافي، ومن رواد تلك الحركات جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وسعد زغلول…إلخ.  

عندما درس قاسم أمين في كلية الحقوق اقترب من مدرسة جمال الدين الأفغاني الفكرية والتي ازدهرت في مصر. وكان  شعار مشروع الأفغانى الإصلاحي يتمحور حول ” الإسلام في مواجهة الاستعمار في الخارج والقهر في الداخل” و”مصر للمصريين” ؛ لذلك كان الأب الروحي للحزب الوطني المصري.   كذلك التقى قاسم أمين بالشيخ محمد عبده وأصبح مترجمه الخاص حين نُفي إلى باريس. هكذا، توجه قاسم أمين إلى أوروبا وهو متأثر بهذه البنية الفكرية المصرية ورموزها ودعوتها الإصلاحية الاجتماعية والدينية. وفي فرنسا كان لا بد لقاسم أمين من أن يتأثر بفكر ثورتها الكبرى، وكذلك بثورات 1830 – 1848 – 1870 ومبادئها خاصة مبدأ الحرية.

تعتبر أفكار قاسم أمين الذي تناولها في كتابي “تحرير المرأة” -الذي نشر عام 1899 – و”المرأة الجديدة” -الذي نشر عام 1900 – مصدر إلهام الحركة النسوية في العالم العربي؛ لذلك يطلق عليه “أبو الحركة النسوية العربية”، وكانت أفكاره سابقة على الحركة النسوية التي ظهرت في عشرينات القرن الماضي. كما تعرضت أفكاره في بعض الأحيان إلى الانتقادات من قبل علماء الدين والصحفيون والكتاب داخل مصر وخارجها.  

ثانياً: واقع المرأة المصرية في عصره ومقارنتها بحال المرأة الغربية:

في البداية تحدث قاسم أمين عن حال المرأة عبر التاريخ؛ فكانت تعامل المرأة في بداية تكوين المجتمع الإنساني معاملة الرقيق، وفي عهد الرومان واليونان كانت تحت سلطة أبيها ثم زوجها ثم من بعده أكبر أولادها بالإضافة إلى أن رئيس العائلة كان لديه حق الملكية المطلقة بمعنى أن يتصرف فيها –المرأة- كيفما يشاء بالبيع أو الهبة أو الموت، وبالعودة إلى عصر ما قبل الإسلام كان العرب لهم الحق في قتل بناتهم فضلا عن أن الرجل كان له الحق في أن يستمتع بالنساء دون أي قيود شرعية.

ثم تطرق قاسم أمين إلى وضع المرأة في الدول الغربية وقال: “أن الدول حققت قدرا كبيرا من التمدن عندما قاموا برفع الانحطاط السابق التي تعرضت له المرأة مما أدى إلى تحقيق التقدم في كافة الميادين. فالمرأة الغربية شعرت بأنها تستحق أن تكون مستقلة وأن تنال حريتها، ونظرا لكونها إنسان طالبت بكل حق من حقوق الإنسان.

ويضيف المفكر أن الغرب كان يرى المرأة مثلما نراها في مجتمعتنا العربية ناقصات عقل ودين فضلا عن أن علماءهم وفلاسفتهم وشعرائهم رأوا أنه من العبث تعليمهن وتربيتهن، ولكن عندما انتقد الباحثين هذا الانحطاط في دور المرأة أدركوا أن طبيعتها العقلية والأدبية تترقى مثلما الرجل وشعروا بأنها إنسان ولها الحق في التمتع بحريتها. ومنذ ذلك الحين والمرأة الغربية دخلت مرحلة جديدة نالت فيها حق تلو الآخر وعملت على تثقيف عقلها وتهذيب أخلاقها، كما شاركت الرجل في كافة المجالات مثل: ( سماع الوعاظ في الكنيسة، حضور منتديات الأدب، مشاركتها لطلب العلم…إلخ)، وبالتالي أصبحت المرأة شقيقة الرجل وشريكة للزوج ومربية للأولاد ومهذبة النوع. ويكمن هدف قاسم أمين في وصول المرأة المصرية إلى ما وصلت إليه المرأة الغربية لكي تعيش حياة سعيدة.

ويؤكد قاسم أمين على وجود تلازم بين الحالة السياسية  والحالة الأسرية في كل دولة، فعلى سبيل المثال في بلاد الشرق نجد أن الرجل يحط من منزلة المرأة ويعاملها معاملة الرقيق؛ فذلك – من وجهة نظر المفكر- نابع من الحالة السياسية المستبدة السائدة في البلاد والتي تجعل الرجل في رق الحاكم، على العكس من ذلك في البلاد الغربية  نجد أن حكومتها قائمة على مبادئ الحرية واحترام حقوق الإنسان مما أدى إلى ارتفاع شأن المرأة .

ففي عصر الذي عاش فيه قاسم أمين،  كان وضع المرأة مؤسفا للغاية سواء كانت كزوجة أو أم أو ابنة، فلم تكن لديها أي اعتبار أو رأي فهي خاضعة للرجل لأنه رجل ولأنها امرأة؛ فالرجل له الحرية والعلم والعقل والأمر والنهي في حين أن المرأة لها الرق والجهل والبله والطاعة والصبر، إذاً الرجل له كل شيء في الوجود.  ويوضح قاسم أمين أبرز مظاهر احتقار الرجل بالمرأة وهي: حق الرجل في أن يملأ بيته بالجواري والزوجات المتعددات، وحقه في أن يطلق زوجته بلا سبب، وأن يجلس بمفرده على مائدة الطعام ثم تأتي المرأة سواء كانت زوجة أو أم أو أخت وتأكل من ما فضل منه، أن يعين لها محافظا على عرضها يصاحبها أينما توجهت، أن يسجنها في المنزل ويفتخر بأنها لا تخرج من البيت إلا وهي محمولة على  النعش وإعلان الرجل أن النساء لسن محلا للثقة والأمانة. 

واستطرد قاسم أمين قائلا أن كل الأديان السماوية أكدت على المساواة بين الرجل والمرأة، ومنحوا للمرأة حريتها واستقلالها فضلا عن حقوقها، كما أكدوا على أن كفاءة المرأة مساوية لكفاءة الرجل في جميع الأحوال المدنية (بيع وشراء وهبة ووصية) دون أن يتوقف تصرفها على إذن أبيها أو زوجها. وبالتركيز على الشريعة الإسلامية نجد أنها أكدت على المساواة بين الرجل والمرأة حتى في مسألة التحلل من عقدة الزواج ولكنها ميزت الرجل عن المرأة في مسألة تعدد الزوجات. وينتقد قاسم أمين ما يتردد حول انحطاط وضع المرأة المسلمة وعلاقة ذلك بالإسلام، مؤكدا أن الشريعة الإسلامية  أكسبت المرأة مقاما رفيعا في الهيئة الاجتماعية. ويرجع سبب انحطاط المرأة إلى انتشار وتغلب الأخلاق السيئة التي ورثناها من الأمم الموجودة قبل الإسلام فضلا عن وجود الحكومات المستبدة؛ فلقد مضت قرون على الدول الإسلامية وهي خاضعة للحكم الاستبدادي وإساءة تعامل الحكومات لشعوبها والتلاعب بالدين في أغلب الأزمنة. 

لزينب حسني عز الدين.

مؤسسة مؤمنون بلا حدود- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate