اصلاح ديني

أين الخلل في البنية العقلية الجهادية المعاصرة؟(٣).

رابعاً: حب الموت وكراهية الحياة

في الإطار المعرفي للمسلم المعاصر، يحتل الذم الشديد والمستمر للدنيا، مساحة كبيرة، ويقوم بتشكيل تصور الإنسان المسلم لدوره في هذه الحياة، وبالمقابل نجد نفس المساحة للمدح الدائم والاحتفاء بالآخرة، والحياة هي المقابل الموضوعي للدنيا، والموت هو المقابل الموضوعي للآخرة، ومن ثم أصبح الموت أفضل من الحياة، وهذا العطب في تقبل الحياة وحب الموت، جعل المسلمين ينصرفون عن إعمار الحياة، ويقبلون على وسائل الموت والتدمير، تشكُّل تصور لمسلم للحياة عبر آلاف الكلمات التي مدحت الموت في سبيل الله، ولم تمدح الحياة في سبيل الله!

ومن ثم تحول الموت إلى مطلب نظراً ليقين الإسلاموي من عائد المنفعة عليه من الموت في سبيل الله وفق تصوره الذي يطبقه على حالات للجهاد هي أبعد ما تكون عن التصور الديني الأصيل لمفهوم الجهاد الحقيقي، منها أن يغفر له تماماً من كل ذنوبه، مع الوعد أن يظل حياً لا يموت في قبره، ولا يعذَّب ويُيسّر عليه يوم الحساب، وأنّ له من الحور العين العشرات اللاتي يتزوجهن في الجنة، وأنّه سيشفع في سبعين من أهله وجبت لهم النار؛ فينقذهم منها، كل هذه المكافآت في عرض واحد وهو الموت شهيداً (أي الموت أثناء المعركة)، وطالما الإنسان طال عمره أم قصر فإنه ميّت؛ فالأولى أن يموت مجاهداً مدافعاً عن دين الله! فتقوم هذه الجماعات الإسلاموية بتوظيف هذه الحسنات الربانية للمجاهدين الحقيقيين لتقنع بها أتباعها في سبيل ما يسمونه هم جهادا شرعيا وتعالى الله عز وجل عن افترائهم علوا كبيرا، فكيف يكون قتل الآمنين جهادا !!

يجب إحداث حالة نقدية معرفية عقلانية مع المصطلحات التقليدية الموروثة البعيدة عن جوهر الإسلام

إذا كانت هذه المكونات الأربع هي التي تكوّن منظور الإسلاموي لنفسه وللكون وللآخر، على ما فيها من عطب، فلا شك أنّ حكم الإسلامويين سيكون مغايراً لما نظنه بديهياً، من هذه المكونات نكتشف مناطق الخلل في تفكير الإسلامويين ككل والجهاديين تحديداً، لكن العطب يمتدّ ليشمل أساليب التفكير كذلك؛ فالجهادي لا يميل إلى منطقة الأشياء والأحكام، بل يذمّ العقل والتعقل، ويميل إلى الاعتماد على الغيبيات وفقا لتصورهومفهومه الضيق.

لا يعتمد الجهادي في تفكيره على تحليل الخطاب ودلالاته، سواء كان النص المؤسس الأول “القرآن الكريم” أو النص الثاني “السنة النبوية الشريفة” ، أو النص الثالث “أقوال الفقهاء” أو النص الرابع “كتب التفسير”، إنما يتعامل معها بالتلقين والمصداقية، تمركُز الإسلاموي حول فكرة ماضوية ولا يميل للأفكار المستقبلية، يفتقد الاسلاموي للخيال والتخيل، ويعود هذا لضيق الإسلامويين بالأسئلة الناتجة عن إعمال العقل.

الحقيقة أنّ على الأمة أن تصارح نفسها بصدق، وأن تعترف أنّ الحديث الملتوي والمتلون لن يفيد بشيء، وبصراحة شديدة أقول: إنّ كثيراً من مكونات البنية العقلية الإسلاموية هي في الأساس نتيجة الخطاب الإسلامي التقليدي، وأحسب أنّ أول طريق لإصلاح هذا العطب، هو إحداث حالة نقدية معرفية عقلانية مع المصطلحات التقليدية الموروثة البعيدة عن جوهر الإسلام الحقيقي، وصناعة منظور إسلامي متجدد ومتفاعل مع دينه وعصره.

لطارق أبو السعد.

حفريات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate