المرأة

عن الأجندة النسوية المشتركة(٣).

رؤيتي لمشروع الأجندة النسوية المشتركة

لم أفكر طويلاً حين دعيت إلى مناقشة الأجندة النسوية المشتركة، لأن لدي تعصّب إيجابي مسبق لكل عمل جماعي يطمح إلى بناء الجسور. فقد توصلت عبر التجربة والمراقبة إلى أن العمل السوري عموماً، والنسوي على وجه الخصوص، يحتاج إلى لملمة الشمل. توجد مبادرات كثيرة، إلا أن هذا التشرذم لا ينمّ عن وضع ديمقراطي أو حرية كما هو التعدد في البلدان المستقرة. أميل للاعتقاد أن كثيراً من تلك المبادرات انفصالية أكثر من كونها مجرد صغيرة أو محلية أو مستقلة. لذلك أجد فكرة الأجندة النسوية المشتركة صحية بالعموم، لأننا بأمس الحاجة إلى مظلة تجمعنا كنسويات منتميات في العصر نفسه إلى تطلعات الموجات النسوية الأولى والثانية والثالثة والرابعة جنباً إلى جنب. من الأهمية بمكان أن نعلم أن ما يجمعنا كنسويات أكبر بكثير مما يفرّقنا.  

ها هي الأجندة النسوية المشتركة قد وصلت أخيراً إلى العلن، وكل ما تحتاجه الآن هو أن تصبح ملكنا. أن نتملكها يعني أن نطّلع عليها بدقة، ونناقشها بصدق، وننقدها بحرص، ونروّج لها عند الضرورة، وألا نتجاهلها عمداً، أو ننبذها كما لو أنها لم تكن. الأجندة النسوية المشتركة خطت خطوتها الأولى – بحضورنا أو عدمه –، ولا أعتقد أننا سنكون في السنوات القادمة قادرات على إنتاج مثيلتها، إلا إذا كنا مصرّات على اختراع العجلة كل مرة من جديد.

ما زالت الأجندة في طور التشكل كأداة نسوية، وعلى الأرجح أنها سوف تبقى كذلك طالما الشغل قائم على قدم وساق ولم يتحقق العدل والمساواة بين الجنسين. هذا يعني أن المجال ما زال مفتوحاً للجميع للإدلاء بدلوهنّ. وأدعو المعنيات بفعل ذلك بالطريقة التي يرينها مناسبة. وفي محاولة جدية مني لتملك هذا العمل والتحول إلى جزء فعّال فيه، سوف أطرح بعض الأفكار الإضافية التي خطرت على بالي أثناء اطلاعي على منشور الأجندة، أو التقطتُها من المشاركات والمشاركين في المؤتمر، على أمل أن تجد طريقها مع الوقت إلى الحوار العام وتدخل في الصياغة المؤقتة للأجندة النسوية المشتركة.

ما افتقدته في الأجندة النسوية المشتركة هو التوجه إلى أنفسنا، إلى النسويات فرادى ومنظمات. تبدو الأجندة كما لو صِيغت بالدرجة الأولى بنيّة الضغط في المفاوضات العسيرة التي تخوضها النساء السوريات مع جميع الأطراف المجتمعية والسياسية، وبغية مدّ الجسور مع الفاعلات والفاعلين خارج الحركة النسوية، ولكني لم ألمس أن ثمة تفكير جدي قد حصل بخصوص بناء التحالفات بين النسويات الفاعلات والمنظمات النسوية. كيف تخلو الأجندة النسوية المشتركة من كلمات كـ«الأختية» أو «التضامن النسوي»؟ كذلك، غير واضح من خلال الأجندة كيف سنشتغل على أنفسنا كي نغدو قادرات على تحقيق ما نصبو إليه؟ كيف سيتحسن التواصل فيما بيننا؟ كلّ ما ورد في الأجندة موجه إلى البيئة الخارجية فقط، إلى الرجال والحكومات وصناع القرار. نعرف جيداً ما نريده من العالم، ولكن ماذا نريد من أنفسنا؟ هل نحن على قدر المسؤولية يا ترى؟ هل لدينا الموارد البشرية الكافية لحمل ذلك الجبل الثقيل الذي اسمه الأجندة النسوية المشتركة على أكتافنا؟ وإن كانت الموارد والمهارات موجودة فعلاً، ألن يقف سوء التواصل فيما بيننا عقبة أمام تنفيذ ولو جزء بسيط من لائحة التوصيات العريضة التي تضمنتها الأجندة؟ لعل الحياة علمتنا الكثير، ولكنها جعلتنا كذلك في غاية الهشاشة، لا نتقبّل النقد بسهولة، وننهار عند سوء فهمنا، أو نصبّ غيظنا على رؤوس الأخريات، أو نتجاهل مبادراتهنّ، أو نُقصيهنّ عن مبادراتنا، أو نختار أن نعمل وحيدات، أو ننسحب شيئاً فشيئاً وننعزل. برأيي، لا يمكن للأجندة النسوية المشتركة أن تؤخذ على محمل الجد طالما الساحة النسوية تعاني من هذه الآفات، وطالما العمل النسوي أشبه بالتلمّس في الظلام. صحيح أننا لسنا وحدنا المُلامات، بل كذلك الظروف التي أنهكتنا وشتتتنا. ولكننا مسؤولات عن إيجاد حلول لهذا الوضع الاستثنائي. لذلك أقترح أن نضيف إلى الأجندة محوراً خاصاً بالتواصل مع الذات وبعضنا بعضاً. هناك برامج كثيرة لتحسين فهم احتياجاتنا غير المباشرة وتعلّم مهارات التواصل اللاعنفي واقعياً وافتراضياً. يا ليت المنظمات النسوية تجعلها من ضمن خططها الاستراتيجية، والفائدة سوف تعود عليها بكل تأكيد. كذلك من الأهمية بمكان أن يتم التسهيل لحوارات عامة وورشات عمل حول آليات وتطبيقات التضامن النسوي.

لن أكتفي بطرح انطباعاتي ورؤيتي، بل سأورد كذلك بعض النقاط التي ذكرتها الزميلات والزملاء أثناء المؤتمر أو بين الكواليس من دون الوقوف عندها مطولاً. هدفي هو إثارة النقاش بيننا حول الأجندة النسوية المشتركة كي لا تبقى حبراً على ورق: 

«لماذا لم تتضمن الأجندة محوراً خاصاً بالتعليم؟»؛

«لماذا لم تشمل الأجندة مجتمع الميم عين؟»؛«هل بإمكاننا تطبيق قرار 13251 بمعزل عن المسألة السياسية ومن دون انتقال سياسي؟»؛ 

«كيف سيتم تكثيف التشبيك مع الداخل السوري؟»؛ 

«لماذا لم تتوجه الأجندة بشكل واضح وصريح إلى الرجال في المجتمع السوري؟»؛

«لماذا لا نسمع سوى عن المشاريع الممولة؟ أين العمل النسوي التطوعي؟»؛ 

«تركز الأجندة على تغيير البنى الفوقية، هذا مهم ولكنه لا يكفي، نحتاج أيضاً إلى العمل النسوي المباشر الذي ينطلق من البنى التحتية!»    

«ماذا عن العنف السيبراني، لماذا لم تتطرق الأجندة له؟»؛

«ما الضمان أن جزءاً صغيراً سوف يتحقق من هذه الأجندة؟ ألا يعقل أن تعمل الأجندة كعملية تخدير لا أكثر»؛ 

«كل هذه التوصيات؟! ولكن هل نحن قادرات على فتح دار إيواء واحدة للنساء المعنفّات؟»؛     

«أليس هذا ما نقوله في كل مرة نلتقي فيها منذ عشر سنوات، ولم يحصل شيء حتى الآن؟»؛ 

«أخشى أن نحسَب أننا فعلنا كل ما علينا بوضع هذه الأجندة وانتهى الأمر!». 

وقبل أن أختم بودي الإشارة إلى السؤال الأكبر الذي تستفزه الأجندة النسوية المشتركة لدي: إلى أي درجة سوف تكون الأجندة ملزمة للنسويات السوريات والمنظمات النسوية السورية نفسها؟ هذا السؤال نحتاج أن نطرحه على أنفسنا. من الأهمية بمكان أن نعرف ماذا ستغيّر هذه الأجندة النسوية المشتركة في خططنا وعملنا الفردي والمنظماتي. إن لم نحاول جدياً تملّك هذا العمل، فسوف يضيع كل ذلك الاستثمار المادي والمعنوي الهائل. ألن يهمس ضميرنا حينها: كان غيرنا أحق منّا به!؟!

1.صدر قرار مجلس الأمن 1325 عام 2000، وهو أول قرار يعالج الأثر الفريد للنزاع المسلح على المرأة. هدفه الحثّ على مراعاة المنظور الجنساني في رصد تجارب النساء واحتياجاتهن أثناء النزاع وبعده، وإشراك النساء في جميع مستويات صنع القرار، والمفاوضات من أجل وقف الحرب، وحفظ الأمن وإحلال السلام، ومنع نشوب النزاعات. تطبيق قرار 1325 ليس مرهوناً بالإدارة الدولية فقط، وإنما بقدرة المنظمات النسوية على الضغط وكسب المناصرة وتفعيله بما يخدم قضايا المرأة.

لرحاب منى شاكر.

الجمهورية- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate