اصلاح ديني

أين الخلل في البنية العقلية الجهادية المعاصرة؟(٢).

وهنا عطب آخر في البنية العقلية الجهادية، وهو ربط العمليات الإرهابية بالمفهوم الديني للجهاد، والجهاد في المصطلح القرآني المؤسس أمر نبيل، يختلف عن مفهوم القتال، هذا العطب يشارك فيه الخطاب الديني الرسمي والشعبي أحيانا، فالكل اصطلح على التعبير عن القتال بالجهاد، وبالتالي أعطى القتال خصائص الجهاد ونبله وديمومته، لهذا اعتبر الجهاديون أنّ الجهاد بمعنى القتال فريضة ماضية إلى يوم الدين؛ أي على المسلمين الاستمرار في القتال إلى يوم الدين، وهذا أمر مجافٍ للحقيقة.

ثالثاً: نظرية تآمر العالم على الإسلام والمسلمين

يؤمن المسلمون، ومعهم الإسلامويون، أنّ العالم كله يتآمر على الإسلام والمسلمين، وأنّ الأمم يتداعون على المسلمين ليأكلوهم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، منطلقين من حديث مروي عن الرسول الكريم: “توشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت”.

من أعطاب البنية العقلية الجهادية ربط العمليات الإرهابية بالمفهوم الديني للجهاد

تنبثق من هذا التصور فكرة أخرى هي تحديد من هو العدو؟ هل هم المسلمون الذين يعلنون أنّهم لا يوافقون على استنساخ الفترة المقدسة للإسلام حرفيا، ويرون أنّ من حقهم صنع نموذج إسلامي لأنفسهم؟ أم هم الحكام الذين لا يأمرون الناس باتباع الدين بالحذافير كما يتصورها الجهاديون الإسلامويون؟ أم أنّ العدو هي الدول الغربية والشرقية التي “تتآمر” على الإسلام بالطبيعة؟ أم هم شعوب هذه الدول؟ أم هم غير المسلمين في الدول التي غالبيتها مسلمون لكنها لا تطبّق تعاليم الدين كما يتصورونها؟ كل هؤلاء معرّضون للاستهداف كل حسب مكانه من المؤامرة على الإسلام.

هذا العطب يشارك فيه جزئياً علماء الإسلام الكلاسيكي الرسمي فخطاب عداء العالم للمسلمين، وأنّ الجميع يحسدوننا على الإسلام، هذا الخطاب هو أحد مكونات خطاب فقهاء الإسلام الرسمي، صحيح أنّه يقف عند هذه المرحلة، وأن الإسلامويين هم من يستكمل هذا التصور لمداه، وينتهي الحديث بذم الدنيا وحب الموت.

لطارق أبو السعد.

حفريات – موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate