اصلاح ديني

داردو سكافينو: الجهاديون ليسوا حفنة من الحمقى(٣).

س. هناك تصعيد للعنف الرمزي جنباً إلى جنب مع زيادة جرعة العنف المادي والواقعي الذي تحدثه الهجمات الإرهابية.

بالطبع، بدأ الأمر بزيادة وتيرة العنف الرمزي في أعقاب سقوط سور برلين؛ هذه هي تجربتي التي كوّنتها من وجودي في فرنسا، مع مطلع حقبة التسعينيات؛ أنشأنا مجالس كان يشارك فيها الشباب العرب الذين كانوا ماركسيين لهم صلات بحركات في العالم الثالث، هؤلاء الفتية أنفسهم هم من اتجهوا إلى الأصولية الإسلاموية.

س. ومن ثمّ يحدث تمجيد الموت والحرب بهدف بثّ الرعب، وكذلك كي يصبحوا أبطالاً في مجتمعاتهم؟

نعم، إنّه نوع من النرجسية الإعلامية الذي يحوّل الجهاديين أنفسهم إلى رواية ملحمية؛ حيث يلعبون دور البطولة، وكيف أنّهم يهزمون الشيطان الغربي، حالة قاسم في مستهلّ الكتاب تعبّر عن ذلك المفهوم بدقّة، يوجد نوع من الخيال البطولي الذي يدفع هؤلاء الشباب للقيام بتصرّفات غير حقيقية، الأمر أشبه بالعيش داخل أجواء لعبة لكنّها حقيقية، هناك أيضاً التقني المرفّه الذي يوجّه طائرة بدون طيار عن طريق شاشة في الولايات المتحدة، ويطلق النار، محدثاً قدراً كبيراً من الخسائر البشرية، ثم يذهب لاحقاً لاحتساء الجعة داخل الحانة القريبة، بينما يدّعي الجهادي أنّه بطل لعبة الفيديو هذه.

س. لكنّ هناك بعداً واقعياً للغاية يحدث، على سبيل المثال، في سوريا والعراق؛ حيث ذهب هؤلاء الشباب الجهاديون، إلى أين يتجه النزاع اليوم في التوقيت الذي تعرّض فيه تنظيم داعش للهزيمة العسكرية في هذه المناطق؟
حسناً، هذه هي النقطة الأهم في الوقت الحالي على صفحات الجرائد؛ لأنّ سوريا والعراق تطالبان فرنسا اليوم بأن تسترد الشباب السجناء على أراضيها؛ لأنّهم مواطنون أوروبيون وأغلبهم من الفرنسيين، ويردّ عليهم الأوروبيون بأنّ هؤلاء الشباب ارتكبوا جرائم خارج أوروبا، ولا يمكن محاكمتهم هناك، الجدل الأكبر الدائر حالياً هو استعادة هؤلاء الجهاديين أم لا، إنّه جدل يشمل أبناء هؤلاء الجهاديين، الذين هم مواطنون فرنسيون أيضاً.

س. رغم هذه الهزيمة العسكرية ما تزال تقع هجمات كبيرة…

إنّها فترات زمنية مختلفة، جاء وقت دعا فيه منظّرو تنظيم داعش إلى الذهاب والقتال هناك،..، لكن فيما بعد، قال أبو مصعب السوري، في “دعوة للمقاومة الإسلامية العالمية”، عام 2005: إنّه يجب تغيير الإستراتيجية وشنّ اعتداءات في أوروبا، بالإمكانات المتاحة بهدف تدميرها من الداخل، وهو ما جعل الحركة ذات طابع شبكي؛ أي إنّه لا وجود لهيكل قيادي رئيس، واليوم ينشر التنظيم قائمة بأهدافه كي ينتقي كل فرد هدفه من بينها.

س. كيف تتوقّعون أن تكون ردّة الفعل تجاه كتابكم في أوروبا، سيما أنّه يضفي لمسة من المنطق على أيديولوجيا يبدو أنّها تفتقر له؟
أعتقد أنّه لا وجود لعدم المنطقية على الإطلاق، يمتلك الجميع نوعاً منها، ورغم أنّ الأمر يبدو لي مرعباً، لكن من الواضح أنّ الخطاب الجهادي يتضمّن منطقاً ما، بالضبط مثلما كان خطاب الفاشية، خاصة أنّ الأمر حدث تاريخياً، مثلما تبنّى أشخاص على قدر عالٍ من الثقافة ذلك الخطاب، مثل هايديجر.
لا أتّفق نهائياً مع الخطاب المنتشر، الذي ينزع كلّ منطقية عن الفكر الجهادي، فكرة أنّ هذا الخطاب يبقى صدى داخل المجتمع؛ فذلك لأنّه يتضمّن شيئاً من المنطق هو الآخر، لكنّ الأصولي ليس أحمق..

س. يخلق كتابكم نوعاً من الحيرة في هذا الصدد: يمكن للمرء أن يأخذ صفّ هؤلاء الشباب المقموعين الذين يعيشون في الضواحي الفرنسية…

نعم، مقموعون أم لا؛ لأنّهم يشغلون مكاناً في المجتمع لم يصل له آباؤهم؛ بمعنى أنّ هناك صراعاً عالمياً، مثال على ذلك؛ حقبة السبعينيات حين شجّع اليمين الفرنسي على أسلمة مسلمي فرنسا؛ لأنّ هذه كانت طريقة لوقف شعبية اليسار بين المسلمين، في المقابل؛ فإنّ اليمين يتبنّى الآن الخطاب العلماني، طرأت على الموقف الدولي تغييرات تصل في صورة تأثيرات على الحياة اليومية في الأحياء المهمّشة.

س. هل يمكن الحديث عن “أسلمة” للضواحي الفرنسية؟

حسناً، اللكنة المستخدمة في هذه الضواحي هي العربية، الأمر أشبه بالحديث بلكنة بوليفية في الأرجنتين، رغم أنّهم ليسوا كذلك، تغيّر الوضع عام 2005 مع نشوب موجة الانتفاضات في أحياء الضواحي، والتي كانت أعنف بكثير من حركة (السترات الصفراء) اليوم، والتي بدأت كاحتجاجات شعبية من الفقراء ضدّ الأغنياء، لكن نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية وقتئذ، تغاضى عن القراءة الدقيقة للموقف، وفضّل تحقيق مكاسب سياسية، الأمر الذي جعل الصورة تبدو كما لو كانت ثورة للمسلمين ضدّ الفرنسيين، كانت هذه القراءة الخاطئة ثمينة وذات نفع كبير بالنسبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية فيما بعد، هناك ارتباط وثيق الصلة بين الفكر الجهادي واليمين المتشدّد؛ لأنّ انتصار الأخير سيسمح بمزيد من تهميش الشباب المسلمين، وبالتالي اتجاههم للأصولية.

لعلي النوار.

حفريات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate