اصلاح ديني

داردو سكافينو: الجهاديون ليسوا حفنة من الحمقى(٢).

س. رغم الاتجاه نحو غرس مفهوم “الضحية البريئة”، إلّا أنّ كتابكم يظهر كيف أنّ السياسة التي اتّبعتها الولايات المتحدة تجاه الدول العربية ساهمت بشكل أقوى من الدين في تشكيل الحركات الجهادية.

هذه هي الفرضية الرئيسة من وجهة نظري؛ لأنّني أؤمن بأنّ الحرب الباردة جعلتنا ننسى الحرب التي خاضتها دول الشمال ضدّ دول الجنوب، معركة بين الولايات المتحدة وبعض القوى الأوروبية من جانب، والحركات القومية في دول الجنوب ودول عدم الانحياز، كان الرئيس الأندونيسي السابق، سوكارنو، المدعوم من قبل الحزب الشيوعي أول الضحايا، بعد أن تعرّض لانقلاب عسكري بينما واجه أنصاره المذابح على يد حزب أصولي كانت الولايات المتحدة تدعمه، وهي المذابح التي نقلتها السينما في فيلم “عام العيش في خطر”، أما جماعة “الإخوان المسلمين”؛ التي تعد المعمل الأيديولوجي الأكبر للفكر الجهادي المعاصر حالياً، فقد كانت منظمة مدعومة من الولايات المتحدة في مصر لمناوءة نظام الرئيس الأسبق، جمال عبدالناصر، الذي كان أحد المشاركين في مؤتمر “باندونج” للدول الأعضاء في منظمة دول عدم الانحياز، لمواجهة الكولونيالية الجديدة، وحتى حركة حماس حصلت على الدعم لعرقلة حركات التحرر الوطني، مثل منظمة التحرير الفلسطينية.

هنتنغتون يفترض أنّه عقب انتهاء صراع الأيديولوجيات، فسنكون بصدد صراع بين الثقافات وأنّ كلّ ثقافة تعود بجذورها إلى دين

بمعنى أنّه؛ من أجل فهم الحركة الجهادية في الوقت الحالي، ينبغي أن نحلّل أولًا ما كان إستراتيجية الشمال في مواجهة الجنوب، منذ مؤتمر “باندونج”، عام 1955، وشروع الولايات المتحدة، منذ ذلك الحين، في دعم كافة المنظمات الدينية الأصولية الموجودة في الدول التي تتجه نحو الاشتراكية والعلمانية، لكنّ هذه السياسة يبدو أنّها ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا؛ حيث أسقطوا الرئيس العراقي الأسبق، صدام حسين، أولاً، ثم الرئيس الليبي معمر القذافي، ويحاولون تكرار الشيء نفسه مع بشار الأسد في سوريا.
هنا في فرنسا، على سبيل المثال، كشف لوران فابيوس، وزير الخارجية في حكومة الرئيس السابق، فرانسوا أولاند، دعمه لجبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا.

س. إذاً، في هذا السياق هل يمكن فهم التيار الجهادي حالياً كظاهرة ناتجة عمّا بعد الكولونيالية؛ أي إنّه يظهر بعد خروج القوى الاستعمارية من المناطق المحُتلة؟
نعم، بالتأكيد؛ لقد كان المخطط البعيد لسيد قطب، كبير منُظّري جماعة الإخوان المسلمين في مصر، يتمحور حول أخذ مكان اليسار القومي في الجامعات، ومناهضة القوى الإمبريالية وحركات التحرير الوطني العلمانية والاشتراكية، وإحلال الحركات الجهادية، وقد نجحوا في ذلك، للأسف، أحدثوا ثورة حقيقية في هذا الصدد.

س. يدفعنا ذلك للتفكير فيمن يحاولون إنشاء خلافة على أنّهم ليسوا حفنة من المخبولين؛ بل أناساً لديهم إستراتيجية سياسية على قدر كبير من الوضوح ويرسمون ملامحها من المنظور الجيوسياسي، منذ مرحلة الجامعة ربما؟
هذا حقيقي؛ إنّ منظري هذه الحركات يقتدون بلينين وتشي جيفارا؛ بل قرؤوا لغرامشي، واقتبسوا من هؤلاء المفكّرين اليساريين إستراتيجيتهم الرامية للوصول إلى انسجام ثقافي وسياسي…

س. الدوافع السياسية والاقتصادية للتيارات الجهادية واضحة بصورة كافية، لكن، في السياق نفسه، ومثلما تذكرون في كتابكم، ربما تكتسب الأصولية الإسلاموية طابعاً مدغدغاً للمشاعر.
ينتج ذلك عن النقطة التي تنكر فيها قطاعات واسعة من مجتمع إسلامي حدوث المحرقة النازية (هولوكوست)، على سبيل المثال، لكن حين يفحص المرء المسألة عن قرب سيكتشف أنّ هذا الإنكار منبعه إنكار مقابل يعانون منه بدورهم: جرائم الاستعمار مثلما حدث في الجزائر أو فظائع مرحلة ما بعد الاستعمار مثلما هو الحال في العراق؛ “إذا لم يعترفوا بضحايانا، فلن نعترف بضحاياهم كذلك”، وصل الأمر إلى الحدّ الذي دفع رسام الكاريكاتير الساخر، الفرنسي من أصل كاميروني، ديودونيه مبالا، الناجح للغاية، والذي بدأ يتعرّض للمقاضاة بتهمة العنصرية، أن ينتهي به الأمر إلى أن يتبنّى مواقف إنكارية مناهضة للسامية، تتشابه إلى درجة بعيدة مع آراء اليمين المتشدد؛ لذا لم يعد يجد قاعة تقبل عرض رسوماته.

لعلي نوار.

حفريات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate