داردو سكافينو: الجهاديون ليسوا حفنة من الحمقى(١).
أجرت مجلة “إنفوباي” مقابلة مع الفيلسوف الأرجنتيني المقيم في فرنسا، داردو سكافينو، حول كتابه الجديد “حلم الشهداء”؛ الذي نال عنه جائزة “أناجراما”، عام 2018، وتطرّق الحديث فيه لملفّات عدّة، من بينها: الجهادية، ودور الولايات المتحدة كمحرّك في النزاعات، ومناهضة الرأسمالية عن طريق الأصولية، وموضوعات أخرى، وأبرز سكافينو؛ “أختلفُ كلّية مع الخطاب الذي ينزع أيّ منطق عن الفكر الجهادي”.
ويسلّط مؤلّف “حلم الشهداء” الضوء في كتابه على حرب تدور رحاها منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001، يشنّها شباب مسلم، ينتمي بعضهم للجيل الثاني من أسر وُلدت في أوروبا، لكنّهم انخرطوا في صفوف تنظيم “داعش”، وباتوا مستعدّين للتضحية بأرواحهم ضدّ ما يمكن أن يُطلق عليه “الغرب وسياساته الاقتصادية والعسكرية”، خاصة تلك التي تُطبّق منذ انهيار سور برلين، عام 1989.
سكافينو: الحلّ إزاء تصاعد وتيرة العنف ليس عسكرياً بل سياسي
وخلافاً للحروب العالمية؛ حيث أفضت المواجهة بين الدول ذات السيادة إلى سباق تسلّح محموم، فإن ّهذه الحرب على وجه التحديد تتّسم بقدر كبير من عدم التماثل، من حيث التكتيكات التي ينتهجها كلّ طرف من أطراف النزاع: الحزام الناسف في مواجهة الطائرة بدون طيار (درون) المُسيّرة عن بعد، والتي تحلّ بدلاً من الجندي في جبهة القتال، بهدف الحدّ من أيّة خسائر بشرية، إنّها كذلك حرب غير مُعلنة، رغم أنّها قابلة للاندلاع في أيّة نقطة بالعالم.
يقصّ علينا سكافينو رواية تجمع بين اللاخيال والدراسة التاريخية والنقد الثقافي والاقتصادي والاجتماعية، وهو منظور لا يُدرّس في المؤسسات الأكاديمية، لكنّه أتى بثماره حين كان يحاضر في جامعة بوردو، عندما وقعت هجمات مدريد، عام 2004، ونظّم بعض طلّابه وقفة لمدة دقيقة حداد خارج القاعة، رغم أنّ طلاباً آخرين، من أصول مغاربية، فضّلوا البقاء في مقاعدهم بداعي أنّه “حين يقتلوننا نحن، لا يقفون دقيقة حداد”.
بيد أنّ السؤال الذي لطالما طفا على السطح هو؛ مَن “نحن” هؤلاء الذين يشعرون بالتقليل من شأنهم على يد الثقافة الغربية؟ وكما هو واضح، فإنّ هذه طريقة لاستيعاب ما نطالعه في الصحف، تحت عنوان “الحرب ضد الإرهاب”، وهو التعبير الذي يتجنّبه سكافينو قاصداً، كما أنّ ذلك يعدّ مفتاحاً لاستكشاف “المنطق” الكائن وراء التحول نحو الأصولية الإسلاموية، وفي هذه المقابلة؛ يسترجع سكافينو كيف أنّ الغرب نفسه هو من كان يغذّي “الوحش”، الذي يحاول اليوم، بلا جدوى، مقاتلته، لوقف تمدّد الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفييتي البائد.
س. إلى أيّ من الحجج أو النقاط المشتركة في ظاهرة الإرهاب يتوجّه كتابكم الجديد؟
بشكل أساسي ضدّ بعض الأحكام المسبقة التي كانت لديّ أنا شخصياً قبل الدراسة؛ أحدها كان الرافد الديني للفكر الجهادي..، والهدف الأبعد المتمثّل في إقامة الخلافة، لكنّ الدوافع وراء انخراط الجهاديين في هذه الحركة؛ حيث يسافرون إلى سوريا أو العراق للقتال (رغم أنّ ذلك يحدث اليوم بدرجة أقل) وينفّذون هجمات، تنبع من أسباب سياسية أكثر منها دينية، الدليل على ذلك؛ أنّ أغلب هؤلاء لا يملكون أيّة خلفية دينية، بعبارة أخرى؛ ليسوا مؤمنين، ولا ينتمون لتيارات أصولية دينية، ولم يستطع أيّ منهم أن يتلو على القاضي أركان الإسلام الخمسة.
س. هل لذلك ترفض أفكار صامويل هنتنغتون حول “صراع الحضارات”؟
نعم؛ لأنّ فكرتي هي أنّ الصراع ليس بين حضارتين؛ بل بين طريقتين لتأويل العلاقة بين الفرد ومجتمعه. ترمز الدرون للنيوليبرالية التي ترى الحرية على أنّها عدم تضحية الفرد من أجل المجتمع، بينما ينظر الفكر الجهادي للحرية على أنّها تتضمن قدرة الفرد على التضحية بأهوائه الشخصية في سبيل المجتمع.
س. لماذا اخترتم صامويل هنتنغتون لدراسة هذا الصراع؟
لأنّ هنتنغتون يفترض أنّه عقب انتهاء صراع الأيديولوجيات، فسنكون بصدد صراع بين الثقافات، وأنّ كلّ ثقافة تعود بجذورها إلى دين، وما أحاول إظهاره في كتابي كيف أنّه لا وجود لثقافة إسلامية ولا غربية متجانسة، ينتمي الكثير من هؤلاء الشباب، الذين نفّذوا اعتداءات داخل أوروبا (حيث وُلدوا) إلى ثقافة غربية ومعاصرة تماماُ، فعلى سبيل المثال؛ يتذكّر المسلمون الفرنسيون، ليس الجنود الذين سقطوا في ميادين القتال، ولا هؤلاء الذين قدّموا أرواحهم في سبيل الله؛ بل المدنيون الأبرياء الذين لقوا حتفهم جراء القصف؛ أما الفرنسيون غير المسلمين فإنّهم يؤبنون ضحايا الهجمات، ومن هنا تظهر عبارة “حين يقتلوننا لا أحد يقف دقيقة حداد”؛ لأنّ لا أحد سيطلب إلى العدو رثاء ضحايانا.
س. لماذا ترون أنّ هجمات 11 سبتمبر كانت إيذاناً ببدء ما تسمّونه “الحرب العالمية الأولى”؟
لأنّه من هنا بدأت سلسلة من عمليات تجنيد الشباب الأوروبيين الذين انضمّوا للحركة، لكنّ ظاهرة الجهاد كانت هي ما أدّت إلى تحوّل الشباب نحو الإسلام، وليس الإسلام هو ما حوّلهم إلى جهاديين؛ كان الشباب هم من رفعوا راية التمرّد في وجه النظام الرأسمالي، وبدل سلوك مسار آبائهم بالاتجاه نحو اليسار، اختاروا الإسلام أيديولوجية جامعة.
س. ما المظاهر الغربية التي يتمرّد عليها الشباب؟
حسناً، تتلاقى الحركات الجهادية بعض الشيء مع قطاع من الحركات اليمينية المتشددة في الوقت الحالي، التي يرجع صعودها إلى منظّري الفكر الجهادي، يؤمن الجانبان بالتمرّد كطريقة للعودة إلى المنظومة الأخلاقية والدينية، التي دمّرتها الرأسمالية، إضافة إلى جميع الروابط المقدّسة.
س. من هم هؤلاء “الشهداء”؟ وما هو “الحلم” الذي يتحدّث عنه العنوان؟
العنوان مُستلهم من رواية “حلم الأبطال”، للكاتب الأرجنتيني، أدولفو بيوي كاساريس، لكنّ الحلم في هذه الحالة هو خطاب يجذب الشباب الجهاديين؛ ..، وهم هؤلاء الذين يثبتون ولاءهم لمعتقد ما بأفعالهم، ويقدمون حياتهم تضحية في سبيل قضية أو قيم أسمى تستحق الدفاع عنها، هذا الأمر شوهّته النيوليبرالية، وأضفت عليه أبعاداً سلبية؛ لذا فإنّ الغرب لا يؤّبن جندياً سقط في ميدان المعركة (نصب تذكاري للأبطال، مثلما حدث مع ضحايا الحربين العالميتين)؛ بل الضحايا الأبرياء، الذين تعرّضوا لنوع من العنف السياسي، لكن دون وجود قضية بعينها، وحتى عند وفاة أشخاص لطالما حملوا لواء الدفاع عن قضية ما، يكون هناك ميل للفصل بينهم وبين القضية؛ حيث يتحوّلون إلى ضحايا أبرياء، كما لو كانت البراءة تعني بالضرورة غياب القضايا التي تحرّك هؤلاء الأشخاص.
ترجمة علي نوار.
حفريات- موقع حزب الحداثة.