في غياب السؤال النظري لدى الإسلام السياسي(٢).
يقول حلّاق مبيّناً طبيعة تصوّر الخطابات الإسلاميّة للدولة بكلام مهمّ: “تفترضُ الخطابات الإسلاميّة الحديثة أنّ الدولة الحديثة أداة حكمٍ محايدة، يمكن استخدامها في تنفيذ وظائف معيّنة طبقاً لخيارات قادتها وقرارتهم. كما تفترض أنّ بمقدور القادة أن يحوّلوا آلة حكم الدّولة، حين لا تُستخدَم للقمع، إلى ممثّل لإرادة الشعب، محدّدين بذلك ما ستكون عليه الدّولة […] هكذا، تنظرُ الخطابات الإسلاميّة إلىالدولةع الحديثة كما نظر أرسطو والأرسطيّون إلى المنطق، أي كتقنية محايدة أو كأداة توجّه التفكير السليم في ما يخصّ أي موضوع أو مشكلةٍ في العالم”. (حلّاق، الدولة المستحيلة، 275-276). وهذا يشهد له فعلاً الممارسة السياسيّة لدى الإسلاميين، حيث ينظرون إلى الدولة كوعاء للأيديولوجيا، وأن الدولة يُمكن استخدامها في أيّة أهداف، فإذا حصلوا على الدّولة سيملأونها بالأيديولوجيّة الإسلاميّة التي يتبنّونها.
ويترتّب على هذه النّظرة عند الإسلاميين، وهي من الإرث الإصلاحيّ الفاسد لديهم، تفريقهم الدّائم بين الوسائل والفلسفات (الغايات) الكامنة داخل المفاهيم الحديثة؛ فتغدو الدّولة آلية وفلسفة، وتغدو الدّولة شكلاً، ويغدو الاقتصاد من مفهوم جوهريّ يشدّ بنية النظام العالميّ إلى إنتاج عمليّات مصرفيّة بأسماء جديدة لا أكثر. هذه الثنائية الإصلاحيّة الفاسدة بين الوسيلة والفلسفة هي ما تُنتج هذه الخطابات المشوّهة لدى الإسلاميين، الخطابات الإصلاحيّة التي تنطوي على توفيقيّات معطوبة، ولا تستطيع أن تبلور لنفسها خطاباً عن “الشّرط الحديث”، إنّما تُدمج ضمن تصوّرات إصلاحيّة انشطاريّة لا أكثر.
وتُلاحظ الدكتورة هبة رؤوف عزت في كتابها “الخيال السياسيّ للإسلاميين” بعد تحليلها المهمّ لكتابات الإسلاميين في أواخر التسعينيّات ومطلع الألفيّة في المجلة المسمّاة “المنار الجديد” -وهو اسم يتقاطع مع مجلّة “المنار” القديمة لمحمد رشيد رضا، مما يضمر امتداداً إصلاحيّاً بوعيٍ أو بغير وعيٍ-، أنّه: “لا يجد القارئ كلاماً “في” نظريّة الدولة وضرورة مراجعة مركزيّتها لدى الحركة الإسلاميّة في تطويرها رؤاها وخطابها…” (هبة، الخيال السياسيّ، ص.55).
إنّ السؤال اليوم عن فكر سياسيّ لدى الإسلاميين سؤال أساسيّ ومهم، وربّما التلفيقيّة الإصلاحيّة الواقعون هم فيها هي السبب في أن ينتجوا هذه الخطابات المشوهة وهذا التشوّش المفاهيميّ عن الدولة والديمقراطيّة والحكم. وبلغةٍ أخرى، لن يفلح الإسلاميون بخطاب إصلاحيّ مُلبرل عن الذات والدين والدولة، فالناتج عن ذلك هو الديباجات الليبراليّة المؤطّرة برؤى إسلاميّة دون معنى. وبذلك، سيكون الخطاب وقتيًّا وظرفيّاً؛ لأنّه محكوم بما يستجدّ لا بشاغلٍ نظريّ حقيقيّ.
إذا كان الإسلاميّون فقد سفّهوا من سؤال “النظر” من أجل سؤال “العمل”، واعتمدوا على نظرات إصلاحيّة غير راديكاليّة نظريّاً وعمليّاً؛ فإنّ سؤال النّظر والنظريّة ينبغي أن يعاد إلى مكانته التي يستحقّها، فـ”عملهم” سيظلّ مشوشاً ما لم يكن له من دعامة نظريّة، كما علّمتنا النظريّة ومن قبل النظريّة الواقع الذي نحياه، والذي يؤكّد ذلك.
لكريم محمد.
حفريات- موقع حزب الحداثة.