اللاجئون؛ بين آثار الحرب ومشكلات الاندماج!
يشهد العالم تحولا جذريا في مفهوم الهجرة، بسبب موجة اللاجئين إلى أوروبا خصوصا ألمانيا، التي استقبلت خلال الخمسة عشر أشهر الماضية أكثر من مليون لاجئ معظمهم من السوريين، هذه الموجة من اللاجئين أفرزت مجموعة كبيرة من الظواهر الاجتماعية والإنسانية، سواء من خلال علاقة اللاجئين ببعضهم البعض، أو من خلال علاقتهم بالمجتمع الجديد الذي له ثقافته الخاصة والمختلفة.
وتبقى المشاكل والظواهر المرتبطة باللاجئين مختلفة، كما أنها متشابكة وأيضا معقدة، لكنها تلتقي في مشترك المعاناة بسبب الهوة بين الثقافتين.
الصدمة الثقافة والنفسية
كل إنسان يحمل حمولة ثقافية معينة تختلف عن الحمولة الثقافية للآخر، الذي قد ينتمي إلى بلد مختلف أو إلى منطقة أخرى داخل البلد نفسه، بالنسبة إلى اللاجئين السوريين، فهم أمام إشكالية تقبل ثقافة الغرب؛ أو لنقل إنهم يعيشون صدمة ثقافية تشكل عائقا أمام تعايشهم مع المجتمع الغربي، وتصعّب مسألة اندماجهم فيه؛ فمن جهة هم في صراع ومقارنة بين ما تعودوا عليه في بلدهم الأصلي؛ الذي هو في الأصل مجتمع عربي له خصوصيته وبنيته الثقافية والدينية، وبين البنية الثقافية للبلد المضيف المختلفة جذريا من جهة أخرى، خصوصا فيما يتعلق بالحريات الشخصية أو العلاقات الاجتماعية كالرابط الأسري مثلا.
الصدمة الثقافية والنفسية تبدأ عند اللاجئين السوريين منذ بداية رحلة الهروب من سوريا إلى ألمانيا مرورا بدول أوروبية متعددة: منها اليونان، صربيا، سويسرا مثلا. يقول عالم الاجتماع الألماني “روبرت شيلاه”: “كل اللاجئين القادمين من الدول العربية يحملون التصور نفسه عن الدول الأوربية، فهي بلاد الحريات، الكرامة الإنسانية والمساواة، إلا أن ما عاشوه خلال رحلة الهروب، زلزل تصوراتهم، حيث عانوا بشكل كبير جدا في مجموعة من الدول، دون أن ننسى أن الكثير منهم قد تعرض للضرب، السجن، النهب وأيضا للاغتصاب، ولم يكن بمقدورهم الحديث عن ذلك، أو تقديم شكوى أو حتى الإبلاغ عنه. فالصدمة بدأت إذن مبكرة لتنضاف إليها صدمات أخرى ثقافية واجتماعية في ألمانيا، منها على الخصوص الفروق بين الثقافتين العربية والألمانية”.
إن كان عالم الاجتماع “روبرت شيلاه” يرى أن الصدمة تبدأ انطلاقا من بداية رحلة الهروب من الحرب مرورا بمجموعة دول، فإن الكثير من اللاجئين يرون أن الصدمة الأكثر قسوة، هي التي يعيشونها في ألمانيا، حيث يبدون تذمرهم سواء من مسألة العلاقة بين الوالدين وأبنائهم أو علاقة الزوج بزوجته مثلا؛ فعلاقة الوالدين بأبنائهم تنتهي بشكل مباشر عند سن الرشد، لتصبح علاقة مناسباتية ترتبط بمواعيد وأعياد دينية كالاحتفال بأعياد المسيح مثلا، في حين أن الدين الإسلامي منح الوالدين مرتبة عظيمة تقوم على البر بهما والارتباط بهما بشكل قوي، لدرجة أنه يمكن للشخص أن يمنح والديه حق البت في مستقبله واتخاذ قرارات مهمة، تقول “روزا”؛ وهي لاجئة سورية من مدينة “القامشلي”: “تفاجأت بمستوى البرودة التي تطبع العلاقات الإنسانية في دولة يقال إنها عظيمة، صعب أن أتخيل أن ابني سيغادر البيت في سن الثامنة عشر مثلا، أو حتى أن يتزوج دون أن يأخذ رأيي في اختياره، نحن نلد ونسهر على أبنائنا ليهتموا بنا في كبرنا، لا ليرموننا إلى دور العجزة”، وتضيف: حين كنت أرى الأوربيين في التلفزة يهتمون بأبنائهم الصغار، يلعبون معهم، كنت أندهش من هذه العلاقة التي تربط بين الوالدين وأبنائهم، لكن حين أتيت إلى ألمانيا، عرفت أن تلك العلاقة محدودة ومرتبطة بزمن معين. وتخرج “روزا” بنتيجة: “لا أفضل أن يتعلم ابني هذه الثقافة التي قد تفرقنا، أنا أحس بخوف أكبر من خوفي من الحرب”.
تعد علاقة الزوج بزوجته أيضا من الأمور التي تدفع الكثير من اللاجئين إلى طرح تساؤلات متشابكة، فتلك العلاقة حسب الكثيرين لا تقوم على الاحترام، وتسيئ بشكل مباشر إلى المرأة تحت شعار “تساوي الجنسين”؛ فالمرأة مجبرة على العمل مثلها مثل الرجل، مجبرة أيضا على أن تساهم في مصاريف البيت والأولاد، بل يمكنها أن تشتغل في مهن يدوية تقتصر حسب رأيهم على الرجال فقط مثل الصباغة أو البناء. في حين أن المرأة في الدول العربية لها قيمتها ومرتبتها، لأنها غير مجبرة على العمل ولا على تقاسم مصاريف البيت، لأن الإسلام أعزها ومنحها مرتبة عالية.
في المقابل، يرى المجتمع الغربي أن الوافدين الجدد خصوصا من سوريا، يحملون ثقافة غريبة تقوم على مبدأ التبعية والخضوع؛ ففي الوقت الذي تتم فيه تربية الطفل الغربي أو الألماني مثلا على مبدأ الاستقلالية والاعتماد على النفس، تتم تربية الطفل العربي المسلم على مبدأ الخضوع والاستسلام، وتربى البنت على أنها في المستقبل زوجة لا غير.
تقول “إيرينا مولار” وهي أستاذة ألمانية تقوم برعاية ومرافقة اللاجئين بشكل تطوعي خلال أوقات فراغها: “علاقة الأبناء بالوالدين في الثقافة العربية تختلف عن علاقتنا بأبنائنا”، وتستغرب قائلة: “هذه علاقة تواكل”، وتؤكد مولار أنها حريصة على تأدية رسالة: “نعلمهم الاستقرار منذ الصغر من خلال الاعتماد على النفس”. أما فيما يخص علاقة الزوج بزوجته عند معظم الذين تعرفت عليهم “مولار”، فهي تعتقد أن هذه العلاقات لا تقوم على مبدأ المشورة، فالمرأة، كما تقول، “لا استقلالية لها سواء من الجانب الشخصي أو المادي، نحن نشتغل لنؤسس مستقبلا متوازنا في العائلة، ليس هناك ضعيف أو قوي، أما الثقافة العربية فتقوم على مبدأ الضعيف والقوي…”.
من المهم جدا انفتاح الطرفين معا على بعضهما، لأن سوء فهم الآخر وتأويل مفاهيم ترتبط بثقافته بشكل خاطئ مثلا، قد تخلق مشاكل كثيرة تجعل مسألة التعايش مستحيلة؛ فالاندماج لا يمكن أن يتحقق بمعزل عن الآخر، أو داخل دائرة واحدة مثلا، فمن البديهي أن يتم خلق مساحة للحوار والتعارف، من المهم جدا العمل على تغيير الصورة التي يحملها كل طرف، ومن المهم جدا أن يكون المهاجر أو اللاجئ هو المبادر بالانفتاح.
لناديا يقين.
مؤسسة مؤمنون بال حدود – موقع حزب الحداثة.