حداثة و ديمقراطية

كتاب دور المثقف في التحولات التاريخية(١).

يُبرز محرّر الكتاب مراد دياني في تقديمه للكتاب أنّ مفهوم “المثقف” لم يفتأ يثير أسئلةً عديدة بشأن معناه، ومحدّداته، ووظيفته في مجتمعه، ولا سيّما في مرحلة تحوّلات هذا المجتمع؛ على غرار التحوّلات الجارية اليوم في البلاد العربية على قدمٍ وساق، بوتائر وسيروراتٍ مختلفة، وباحتمالاتٍ وصيرورات متنوّعة. ويؤكّد دياني أنّ هذه المرحلة هي مرحلة تحوّلٍ تاريخي كلّي جديدة بكلّ ما تكتسيه الكلمة من معانٍ، وإن كانت لا تزال في أطوار انتقالية، ولم تستقرّ مآلاتها بعدُ. ما هو أكيدٌ في مرحلة التحوّل التاريخية هذه أنّ دور المثقف قد كان – ولا يزال – مركزيًّا، وفي الآن ذاته ملتبسًا وغير واضحٍ تمامًا، ولا سيّما لجهة أنْ ليس ثمّة من مفهومٍ واضح للمصطلح. ليخلص إلى أنّ مرحلة التغيير الجارية اليوم تُعيد من جديد إثارة السؤال المتعلّق بأدوار المثقفين العرب في تاريخهم الراهن، وشروط هذه العملية وإمكانياتها واحتمالاتها المستقبلية؛ من أجل معرفة واقع أدوارهم الجديدة في مجتمعات تتغيّر، ومجابهة إشكالات الراهن العربي، ومحاولة استكشاف آفاقه.

نمط نقدي

في كلمة افتتاحية عنوانها مقاربات نقدية للرائج عن المثقف، يميز عزمي بشارة بين المثقف وبين الخبير والمتعلّم، وبين المثقف والمثقف الديني. يقول بشارة: “إن سلف المثقف؛ بمعنى الوظيفة العمومية التي تكتسب شرعيتها من مكانة متعلقة بالعمل في مجالات الإشارات والمعاني والرموز، كما في العلم والثقافة، ليس الشاعر والأديب وكاتب السلطان، بل هو نمط نقدي من علماء الدين أسس له تقليد يقوم على اجتماع المعارف والسلطة الأخلاقية، ويتلخص بـ’أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر‘، في مقابل تقليد آخر يتلخص بطاعة ولي الأمر، وشرعنة ما يقوم به من ظلم، والتمسك بالوضع السائد؛ وهو ما تعبر عنه مقولة: ’سلطان غشوم خير من فتنة تدوم‘”.

يعرض بشارة التبلور التاريخي لظاهرة المثقف، مع الإنتليجنسيا الروسية والإنتيلكتويل الفرنسي والأكاديمي المتخصصّ والمثقف العضوي الغرامشي والمثقف النقدي والمثقفين المغتربين والمنفيين داخليًا أو خارجيًا.

يقول بشارة: “لا يوجد معنى واضح لمقولة المثقف النقدي، فهذا تعبير غير مفهوم؛ فالنظرية الاجتماعية بطبيعتها نقدية، بمعنى أنها تحليلية، ويفترض أن تكون نقدية للأيديولوجيا عمومًا”، مؤكدًا أن الانتماء الثقافي شرط المثقف، “فلا مثقف من دون ثقافة. كما أن لا وجود لمثقف عالمي إلا كنفي مجرد، أو كاستغلال لثقافة مهيمنة يبرز المثقف العالمي بسبب هيمنتها، لا بسبب هيمنته هو”.

تحولات المثقف

يتألف القسم الأول، المثقف العربي وأدواره المتجددة: جدلية التحوّلات، من ثلاثة فصول. في الفصل الأول، عن المثقفين وتحولات الهيجمونيا، يعرض بنسالم حميش ما يمر به المثقّف العربي من تحولات، وتحديدًا تحولات الهيجمونيا، أي أنظمة الاستبداد والغَلَبة ببحسب ابن خلدون، فيرصد طبائع الهيجمونيا ووظائفها المتحوّلة وإرادة الهيمنة والقوة الكامنة خلفها، ونماذج مثقفين واجهوا الهيجمونيا (فرانز فانون وألبير كامو وإدوارد سعيد وإيمانويل تود). يقول: “إن عبارات ملطفة أو توريات من قبيل ’بلدان في طريق النمو‘، أو ’نامية‘ لا تستطيع إخفاء الخلط الواسع الانتشار في الرأي العام الغربي بين التخلف المادي – البنيوي، والتخلف الذهني والفكري. بناءً على ذلك، يلزم أن نبذل جهدًا كبيرًا لئلا يبقى وجودنا الثقافي ملحقًا بكبواتنا في قطاعات التأهيل الاقتصادي والتكنولوجي”.

يقف حسن طارق في الفصل الثاني، المثقف والثورة والجدل المُلتبس: مُحاولة في التوصيف الثقافي لحدث الثورة، عند التوصيف الثقافي لحدث الثورة الذي جعل المثقّف يعيد صوغ الأسئلة الأساسية المتعلّقة بالحرية والعدالة والكرامة والدولة والديمقراطية والدين. يقول: “إن ثنائية الأيديولوجيا والديمقراطية، أو الهوية والمواطنة، شكلت إحدى مُمكنات التوصيف الثقافي لحدث الثورة، كما جسدت في الآن نفسه خلفية للتدافعات التي صنعها حَراك المثقفين تفاعلًا مع زمن الثورة ومابعدها، وهو الحراك الذي يكثفه الصراع بين أنموذجين من المواقف والمواقع والحُجج لكُل من المثقف الهوياتي والمثقف الديمقراطي”، وفي سياق التوتر بين رهان تأصيل فكرة الحرية، وبين تثبيت منطق الهوية، ستحمل المعارك الفكرية المقبلة صراعًا حاسمًا في شأن تحديد ما المقصود تحديدًا بمفهوم “ثورة 2011”.

في الفصل الثالث، دور المثقف العربي في التغييرات التاريخية: المثقف والمجال الثقافي، يعيد يوسف الشويري تبيئة الفعل الثقافي ضمن شبكة العلاقات الاجتماعية المعقّدة والمتحركة التي يطبعها التنافس. يقول إن الربيع العربي أعاد تحديد الدور الجديد الذي يضطلع به المثقف، بفئاته وأصنافه، “ووضعنا بعد طول جدل لا طائل تحته في موقعنا الصحيح، إذ غدت الديمقراطية، بمعناها الأرقى والأشد التصاقًا بثقافة العصر وحداثته، جزءًا من ثقافتنا وتراثنا الحي وحياتنا اليومية”.

المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات- موقع حزب الحداثة .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate