اصلاح ديني

بناء الأجيال.. هل ندرك حقاً أنّ الزمن تغير؟(١)

بناء الأجيال ورعاية المجتمع مهمة لا تقل أهمية وخطورة لأي دولة عن حماية الحدود وتوفير الأمن، فحماية الأجيال من الأفكار المتطرفة وتأهيلهم للمستقبل يحمي المجتمع من السقوط في براثن الإرهاب والجهل والتخلف والمرض، فالشباب هُم عماد أيِّ أُمَّة وسر النَّهضةِ فيها، وهُم بناةُ حضارتِها وخَطُّ الدِّفاعِ الأوَّلِ والأخيرِ عنها، والمجتمع الذي لا يهتم بالشباب وتجاهل طاقته وقدراته هائلة مصيره الضعف والتصدع والانهيار، وتحويلهم إلى طاقة عكسية مدمرة، المجتمع الناضج هو من يتعرف على قدرات الشباب ويُنَمِّيها، وإذا نجح يكون قد امتلك أحد أهم نقاط القوة والقدرة على التغيير ليصبح من أقوى المُجتمعات على الإطلاق.

 فالشباب، وهم عماد المجتمعات، أولى بالرعاية البدينة والفكرية والأحق بتفريغ الجهود لبنائهم، والعالم العربي يمتلك ثروة بشرية شبابية عظيمة، فالشباب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و29 سنة يمثلون أكثر من 150 مليوناً؛ أي ما نسبته 37% من إجمالي السكان، هذه النسبة تعني بأنّ لدينا فرصة حقيقية لريادة المستقبل بهذه الطاقة الشبابية الهائلة فقط لو أحسنا تكوينها ورعايتها.

 حماية الأجيال من الأفكار المتطرفة وتأهيلهم للمستقبل يحمي المجتمع من السقوط في براثن الجهل والتخلف والمرض

إنّ خطورة ترك الأجيال القادمة بدون رعاية تجعلهم فريسة سهلة للإرهاب والتطرف والعبثية والعدمية والفوضى، ويبدد طاقاتهم وطاقات المجتمع في معالجتهم، والأسلم بذل الجهد والإنفاق في بناء الأجيال؛ فهو استثمار مضمون وعاجل وخيار استراتيجي لا يمكن تجاهله. لكن المهمة ليست سهلة؛ فالأمر يحتاج إلى تغيير كثير من القيم السائدة في المجتمع مثل الماضوية التي تدفع البعض أن يخاف الولوج للمستقبل ويفضل البقاء في الماضي.

لهذا ستكون أُولى خطوات بناء الأجيال المستقبلية هي التخلص من التصور الذهني القديم عما يجب أن يكونوا عليه، وهي أهم خطوة على الإطلاق، فمن يقوم ببناء الأجيال لو لم يدرك أن ثمة اختلافاً كبيراً بين سمات الجيل القادم والأجيال السابقة، ستكون كل الجهود بمثابة صناعة سجن كبير يضع فيه أجيال لم تخلق لزماننا، وسيدفعهم هذا للتمرد على كل قيمة وأي قيمة، مما يعرض المجتمعات لتهديدات داخلية أشد خطورة من التهديدات الخارجية.


 ثاني خطوة؛ تحديد وسائل بناء الأجيال القادمة؛ فلم تعد الأسرة الأولية هي المسؤولة عن بناء أجيالنا، لا لضعف فيها بل لتعدد مدخلات الأفكار والقيم للجيل، والتي ترسم إلى حد كبير رؤيته وقيمه، ومنها وسائل الإعلامالمتعددة والمختلفة من تلفاز أو سينما أو مسرح، أو من الفضاء الإلكتروني والعالم الافتراضي وأدوات السوشيال ميديا التي أصبحت أهم الأدوات في بناء الأجيال التالية.

ثالث خطوة؛ التعرف إلى سمات وملامح الأجيال القادمة، فهم يمتازون بملامح وسمات العولمة وما بعدها، وهم أكثر انفتاحاً على ثقافات الآخر، وأكثر قدرة على تقبل المختلفين، وهم أكثر استخداماً للتكنولوجيا واعتماداً عليها والتعامل مع مستجداتها وتوظيفها في حياتهم اليومية، وفي نفس الوقت هم أكثر عرضة للتمرد ورفض الوصاية وجرأة في إبداء الآراء ضد الراشدين والآبائيين، كل هذا يجب وضعه في الاعتبار عند بناء الأجيال التالية، لتجنب الصدام بهم وإلا فالانفجار وشيك وشديد.

رابع خطوة؛ التعرف إلى حاجات الأجيال المستقبلية، رغم تعدد الحاجات الإنسانية إلا أنّ أكثر ما يحتاجه الجيل الجديد المزيد من مساحة الحرية للتعبير عن أنفسهم، يليها حاجتهم الى التقدير والشعور بالنجاح، وحاجتهم للشعور بالأمان والحماية.

ولتوفير هذه الحاجات علينا مساعدتهم على اكتشاف ذاتهم وطاقاتهم الكامنة، وإعطاؤهم الثقة في قدراتهم على اتخاذ قراراتهم المصيرية، مع تحملهم المسؤوليات والنتائج المترتبة على اختياراتهم، فلو أعطيناهم الفرصة لكان أفضل وأكثر أماناً للمجتمع.

لطارق أبو السعد.

حفريات موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate