المرأة

المرأة بين مطرقة التقاليد وسندان التنميط (١).

إنه من الضرورة بمكان الرجوع إلى واقع المرأة في المجتمعات العربية ما قبل انتفاضات شعوبها التي انطلقت شرارتها أواخر عام 2010؛ وذلك في محاولة لإجراء استقراء وتحليل اجتماعي لوضعها، آملين أن تتجاوز تلك المجتمعات كل القيم السلبية والاستبدادية والتخلص من الارتهان إلى تقاليد بالية، التي أدت إلى تخلف المرأة وخضوعها هي وشريكها الرجل، منتظرين أن تلد تلك المجتمعات مولودها الجديد المعافى، السليم، بعد مخاضات عسيرة وجولات من الانتكاسات والإنعاشات، لازالت آثارها وتداعياتها تعصف بسماء تلك المجتمعات مداً وجزراً.

مبدئيا،ً يمكن أن نعزو وضع المرأة العربية المتدني في مجتمعاتنا إلى البنية الأبوية القائمة على علاقات السلطة والخضوع، والتي تحمل القيم نفسها في المجتمعات الإنسانية كافة. كما بات من المعلوم أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين السلطات الاستبدادية؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية… التي يرزح الرجل تحتها وبين مجموع ما يخضع له الرجل وما يخص المرأة وحدها دون الرجل. فالرجل مقهور، خاضع لأشكال من الاستعباد والذل والاغتراب في المجتمع التسلطي، حيث تبدأ التراتبية الطبقية في مجتمعاتنا من سيطرة الأقلية المهيمنة على السلطة السياسية المستبدة أو من تشويهات دينية متفشية بين إفراط وتفريط، والمرأة مقهورة أيضاً خاضعة للرجل المقهور نفسه، ولتلك السلطة القاهرة لكليهما.

أضف إلى ذلك الانقسامات الطبقية، بحسب الوضع الاقتصادي والولاء الطائفي وغياب القيم الإيجابية من عدل ومساواة وإعطاء كل ذي حق 

حقه، ما أثَّر بشكل كبير على وضع المرأة، فسلب منها إنسانيتها وحاضرها ومستقبلها في أن تلعب دوراً رائداً في المجتمع.

إن المشكلة الجوهرية في قضية المرأة في المجتمعات العربية، تكمن في أنه تم استبعاد النساء عن أي نشاط يمكن أن يحمل مدلولاً فاعلاً، أو حتى أي تأثير في صنع القرارات، والتي من الممكن أن تركز على تشكيل الوعي جذرياً حيال المسائل المتعلقة بالمرأة. ولازال مجتمعنا العربي خاضعاً لنظام معقد، تتسم علاقاته بالتسلطية والمحسوبية في كافة مؤسساته، كما ينسحب ذلك على أية مؤسسة أو منظمة أو جمعية تُعنى بقضايا المرأة كونها ليست سوى شكل من أشكال النظام القائم، والتي غالباً ما تتسم بالطابع الخيري الطوعي.

وفي اعتقادنا، إن المرأة العربية منذ عصور قريبة، لعبت دوراً كبيراً في تكريس هذه النمطية والمنظومة الفكرية السائدة وتوريثها، فكانت حاضنة للأفكار والمفاهيم التسلطية نفسها؛ فهي إما حاملة لها وناقلة لها بشكل أمين، دون محاولة لمراجعتها أو الوقوف عندها، أو حاملة لها راسخة في آلية تفكيرها ونمط سلوكها.

وقد يصادف أن تحارب المرأة تلك الأفكار وتنقدها، محاولة تجاوزها دوماً، لكنه غالباً ما يكون التجاوز سطحياً، علاوة على أنها في الغالب تقف عند المحاولة فقط، لا تنتقل أبداً إلى التغيير الفعلي على صعيد الأفكار أو السلوكيات. وقد يشترك في هذه الرؤية بعض دعاة التحرر والمساواة الإنسانية من النساء، حيث إنهن لم يخرجن عن الإمعان في ترسيخ استبدادية الثقافة والمجتمع، وشيئاً فشيئاً أبعدت النساء أنفسهن عن كل ما يتعلق بالأنوثة وعالمها، وتمثَّلن هذه الثقافة السلطوية بامتياز.

وإن شئنا التدرج في وضع المرأة في المجتمعات العربية منذ وعيها بوجودها، فإن أول ما يتبادر إلى ذهن العاقل اللبيب، حينما يبحث عن جذر مشكلة تدني وضع المرأة أنه يتمثل في اثنين: 1- العادات والتقاليد البالية التي لبست لبوس الدين لإضفاء هالة من القداسة، فأصابت المجتمع العربي بأمراض لن يُشفى منها ما لم ندرك خطورتها وأثرها على أفراد المجتمع عامة والمرأة خاصة. و2- تنميط صورة المرأة العربية.

ولاً: التقاليد والمرأة

أغلب المفاهيم المتداولة في الثقافة العربية هي نتاج العقلية الاجتماعية الشعبية الغريبة تماماً عن 

لنصوص الدينية، التي عادة ما يلصقونها بها، والمرتبطة بظروف المكان والزمان والخاضعة لتغيراتهما.

وقد شكلت هذه المفاهيم مجموعة من الممارسات والسلوكيات التي اتخذت بعداً قيمياً دينياً طبقت على المرأة فقط، ومن بينها: الفضيلة، (أو الشرف)، التي ارتبطت بالدرجة الأولى “بجسد المرأة”. فسيطرت فكرة امتلاك الرجل للمرأة، وجعلها ملكاً من ممتلكاته الثمينة الخاصة، دون الالتفات بتاتاً إلى أن فضيلة المرأة نفسها أو شرفها يتمثل أيضاً في والدها وزوجها وولدها…

إن مسألة الشرف في المجتمعات العربية وصلت إلى حد التطرف، حيث تم التعامل معها قانونياً على أنها مسألة تخص رجال العائلة، فقتل فتاة، موضع الشك، على يد أحد أفراد عائلتها جريمة يُغض الطرف عنها، وغالباً ما تلقى أحكاماً قانونية مخففة جداً.

يمكننا القول، إن الأب أو الأخ أو حتى الأم ليسوا بالضرورة أعداءً للمرأة ولقضيتها، بل إن العدو الحقيقي لها هو حركة المجتمع ككل، بقيمه السلبية وتقاليده وتخلفه، فحجم التقاليد والقيود المسيطرة وكيفية ممارسة الرقابة التي يفرضها المجتمع تعمل كلها على إلغاء أية مساحة من الحرية أو الحد الأدنى من التفكير النقدي العقلاني، فتتحكم بالعلاقات وترسم طبيعتها بين إناث المجتمع وذكوره، بالتالي تجعلهم متخلفين وخاضعين لعلاقات السيد والعبد بنسب متفاوتة.

أضف إلى ذلك، تفشي النفاق الاجتماعي في مجتمعاتنا، كما يحدث في مفهوم العفة المرتبط بالمرأة، والتي أسرت عقول مجتمعاتنا العربية؛ فالعفة المنشودة التي عَزلت النساء بحُجُب بعيداً عن عالم الرجال، ما هي في غالبيتها إلا عفة زائفة تخفي وراءها الكثير.

لقد دأب المجتمع العربي، بنسائه ورجاله على المحافظة على شرف الفتاة. فالفتاة تظهر العفة والبراءة والفضيلة، إلا أنها تخوض مغامرات عاطفية عديدة دون خوف على مستقبلها في الحصول على الزوج الذي يفضلها عذراء، وعمليات رأب غشاء البكارة حاضرة جدّاً، في مجتمعاتنا، وإن كانت تتم بالسر. بالطبع، يعود لجوء الفتاة إلى هذا التحايل، كونها لا تجرؤ على البوح بوجود هكذا علاقات، لأن ذلك يسيء إلى سمعتها، بالتالي يحرمها من الحصول على حياة زوجية مستقرة. أما الشاب، فلا يعيبه ذلك على الإطلاق! ولا يلتصق به مفهوم العفة! حتى أن أهل الفتاة نفسها لا يشكل عندهم فرقاً إذا ما تقدم شاب ماضيه مليء بالمغامرات لخطبة ابنتهم، وغالباً لا يُرفض لسبب كهذا. فهو رجل لا يعيبه شيء، وليس لديه عذرية يحافظ عليها!

تشهد المجتمعات العربية كذلك، تفشي ظاهرة السحر والشعوذة تحت غطاء الدين؛ إذ نجد أشخاصاً يدّعون المشيخة والدروشة والقيام بالمعجزات والكرامات وامتلاك 

لقدرات الخارقة، إلى حد أنهم استطاعوا سلب عقول العديد من الناس وإرادتهم وأموالهم وحتى زوجاتهم.

وما هذا إلا دليل على مدى تمسك العقول بالخرافات ومجافاتها للمنطق، بل والهروب من مواجهة الواقع الذي لم يعد يُطاق. ويكثر ذلك في صفوف النساء خاصة، بحكم عجزهنّ وإقصائهنّ عن ممارسة العقلانية، فيلجأن إلى التعويذات والبحث عن الملاذ، وحل المشكلات في الارتهان إلى الماورائيات المشوهة إلى درجة أنها تحظى باعتراف وقبول اجتماعي وقانوني.

لشيرين محمود دقوري.

مؤسسة مؤمنون بلاحدود – موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate