ملامح أزمة المدرسة العربية فى العلوم السياسية.
أن تخصص العلوم السياسية هو التخصص الأكثر حاجة إلى بيئة أكاديمية حرة تمامًا، وموضوعاته لا يمكن التطور في تدريسها من دون توافر بيئة بحثية حرة، ونظرًا إلى ضيق هامش الحريات في الوطن العربي وتباين مستوياته من دولة عربية إلى أخرى، فإن ذلك يفسر إلى حد ما تباين الخطط الدراسية من ناحية، وتعثر تطور المعرفة السياسية في الجامعات العربية من ناحية أخرى، واقتصار البحوث السياسية العربية على موضوعات من وجهة نظر السلطة السياسية أو النظام الاقليمى العربى (غير حساسة)، ويتناول هذا المحور من الورقة تحليل أزمة المدرسة العربية فى العلوم السياسية: أسبابها وآثارها، واستعراض عدد من أزمات العلم فى الواقع الراهن من خلال التركيز على جوانب المدخلات: القائمون بالتدريس، المقررات الدراسية، الدارسون، والمخرجات: البعد الإنسانى الذى يتمثل فى الجماعة العلمية (الأكاديمي والبحثية)، والبعد المعرفى الخاص بالموضوعات والمنهجية البحثية، والبعد المؤسسى الذى يشير إلى مراكز الفكر والبحث. وذلك على النحو التالى:
1. تخلو الخطط الدراسية من دالة لها، فالخطط الدراسية لا تخدم هدفًا محددًا، بل هي أسيرة تجاذبات بين خلفيات مختلفة للقائمين بالتدريس؛ إذ يعيد كل مدرّس إنتاج النمط الذي درّسه في الجامعات (عربية أو أجنبية)، وهوما يؤدي علميًا إلى جعل الخطة “كشكولًا “.
2. تباين المراجع التي يحال إليها الطلاب الدارسين أو يستند إليها أساتذة الأقسام؛ فمثلًا من النادر أن تجد مرجعًا باللغة الإنجليزية في مكتبات جامعات المغرب العربي، وتخلو مكتبات المشرق العربي، باستثناء لبنان، من مراجع باللغة الفرنسية، وهو ما يجعل الطلاب، والمدرسين إلى حد ما، يتبنون مضامين فكرية أو منهجيات معدة لمجتمعات معينة.
3. عدم تمویل الأبحاث خاصةً للشباب، وعدم إتاحة الأدبیات العلمیة خاصةً فى الموضوعات الجدیدة، وقلة البحوث المیدانیة.
4. إن التیار الرئیسى لدراسة علم السیاسة كان یتبني في الفترة الأخیرة الاتجاهات التقلیدیة التى تنظر إلى علم السیاسة بصفته منفصلا عًن العلوم الآخرى، برغم أن فى أحیان كثیرة هناك فواعل تلوح فى الأفق السیاسى ولا ینُظر إلى أهمیتها فى التأثیر على الواقع السیاسى بدعوى أنها لیست فواعل سیاسیة فى المقام الأول مع أنها تؤثر بقوة.
5. تأثير تعدد روافد الفكر العربى من تيارات إسلامية وقومية ويسارية وليبرالية على توجهات وايديولوجيات أعضاء الجماعة العلمية (الأكاديمية والبحثية) العربية فى العلوم السياسية، كما تعانى هذه الجماعة من عدم التماسك.
6. انعكاس عوامل السياق السياسى وظروف البيئة المحيطة وقضية مصدر التمويل وجلب الموارد على الأداء المؤسسى لمراكز البحوث، وطبيعة توجهات وسياسات النشر وتحديدالموضوعات البحثية لديها.
7. تغيب المقررات والمساقات أو الأطروحات الجامعية الخاصة بالجانب السياسي للقارة الأفريقية في أغلب الجامعات العربية (مع وضع أفضل إلى حد ما في الجامعات المصرية والعراقية)، فمثلًا لا يوجد في الجامعات الأردنية كلها أي متخصص بالشؤون السياسية الأفريقية.
8. يلاحَظ قلة المقررات والمساقات أو المتخصصين في دراسات الصين أو اليابان أو أميركا اللاتينية أو كندا.
9. قيام مبادرات من علماء وباحثين فى العلوم السياسية لبناء علم سياسى عربى أو إسلامى، إلا أنها ما زالت محدودة وتكاد تكون فى معظمها محاولات فردية تفتقد أبعاد المؤسسية، والتلمذة بين أجيال الباحثين، والاستدامة.
10. يوجد ندرة فىالدراسات المستقبلية في العلوم السياسية فى الجامعات العربية تدريسًا في مستوى البكالوريوس أو الماجستير أو الدكتوراه، كما أن حقل الدراسات المستقبلية لم يتطور رغم أن الموضوع أصبح تخصصًا علميًا منذ عام 1975 في الولايات المتحدة الأمريكية، ولم يتم بناء نموذج لتخصص معرفي عربى أو إسلامى أو حتى تحديد الهدف من هذا التخصص فى العلوم السياسية، حيث لا بد أن تخصص فى العلوم السياسية أن يخدم تحديد ومعالجة المشكلات ذات الطابع الاستراتيجي للمجتمع والأمة بشكل رئيس.
لمحمد عبد الهادي .
المركز العربي للبحوث و الدراسات- موقع حزب الحداثة.