المرأة والظلم الاجتماعي في مجتمعاتنا(٢)
المرأة والعنف القيمي:
العنف القيمي، هو العنف المبني على أسس قيمية، والمقر عرفيا. ويتم هذا النوع من العنف داخل
الوحدات القرابية الأصغر خاصة، كالعائلة والأسرة والبيت أو العشيرة. وتتمثل أنواع العنف في أساليب
وأنماط متفاوتة منها، الثأر الذي يعد نوعا من القصاص أو الانتقام أو المعاملة بالمثل. وهناك نوع لآخر
يتمثل في “التأديب” الذي يمارسه الآباء على الأبناء أو الأخوة الأكبر على الأصغر سنا أو الرجال على
النساء. كذالك يشمل جرائم ما يسمى بغسل العار، والشرف وغيرها.
وتحضى مثل هذه الأنواع من العنف بدعم معنوي ومادي أحيانا من قبل أعضاء نفس الوحدة القرابية أو المجتمع المحلي.
سلطة الأخ الأكبر:
تعد سلطة الأخ الأكبر جزء من السلطة الأبوية خاصة والسلطة الذكورية عامة، والتي تعد هذه بدورها معالم هامة في الثقافة الشرقية عامة والعربية خاصة. وهذه السمات من شأنها أن تلعب دورا كبيرا في إعاقة المرأة عن أداء دورها في مسيرة التنمية الاجتماعية التي ينشدها. وتنقلب المعادلة هنا فتصبح المرأة هدفا للتنمية الاجتماعية تنشغل به البرامج التنموية، وتبقى المرأة الحلقة المفقودة في هذه العملية، بدلا من أن تلعب هي الدور الفعال فيها.
وتعد سلطة الأخ الأكبر
توصيف سلطة الأخ الأكبر:
يمكن توضيح معالم سلطة الأخ الأكبر بالصور المتعددة التي تظهر بها هذه السلطة داخل الأسرة العربية خاصة، وتتجلى هذه الصور بالتالي:
– تسيير أمور البيت بغياب الأب، خاصة عند وفاته أو سفره أو هجرته أو غير ذلك.
– تقرير ميزانية البيت والتحكم في الالتزامات الاقتصادية للأسرة.
– الاستيلاء على دخل الإخوة وخاصة الأخوات من عملهن في أحيان كثيرة.
– الاستيلاء أو التصرف على حصة الأخوات من الإرث.
– تقرير مصير الأخوات من ناحية الزواج والدراسة وغيرها.
– التدخل في حياة الأخوات حتى بعد زواجهن.
– تحديد علاقات الأسرة بالأقرباء والجيران والأصدقاء.
وهذه السلطة هي امتداد لسلطة الأب التي تمارس داخل البيت، حيث يفرض الأب هذه السلطة بتعسف كبير في غالب الأحيان، ودون استشارة الزوجة أو الأبناء، وإذا ما حدث ذلك فانه على سبيل المشورة دون الأخذ بها. أو تشجيع الإبن الأكبر مثلا وإشراكه في هذا النوع من العلاقات أو المشاكل لأجل إكسابه الخبرة حتى يكون سندا له وجاهزا لخلافته في حالة غيابه عن الأسرة كما في الحالات المذكورة أعلاه.
وتتسم سلطة الأخ الأكبر بالقسوة عادة من أجل إثبات رجولته وفرض سطوته على الأسرة وخاصة الأخوات منها. وهذا ناتج عن ضغوط نفسية عليه نابعة من تحديات خلافة والده وإثبات ذاته أمامه وأمام أسرته والمنطقة أيضا.
كما وتحصل في أغلب الأحيان تجاوزات كبيرة تفوق سلطة الأب وهذا ناتج عن قلة خبرة الأخ وقلة
عاطفته مقارنة بالأب مثلا. وهذا هو جزء من الإرهاب الحقيقي الذي يحصل داخل الأسرة، وتكون
ضحيته في الغالب النساء داخل الأسرة.
وقد تمتد سياسة الحزم والقسوة هذه إلى الأم وزوجة الأب في الأسرة من قبل الإبن، ويحدث هذا عادة
في المجتمعات البدوية والريفية.
إن سلطة الأخ الأكبر هي جزء من نسق السلطة الأبوية (الباترياركية) في مجتمعاتنا العربية
الإسلامية، وصورة من صور الظلم الاجتماعي تجاه المرأة.
لماذا دور المرأة؟
هناك جانبان للإجابة على هذا السؤال. الأول يتعلق بدور المرأة بصورة عامة باعتبارها “نصف المجتمع” كما يقال، وبالتالي فلا بد للنصف أن يكون فاعلا وغير معطل. والثاني، هو ناجم عن طبيعة المجتمعات الإسلامية المحافظة التي تقتضي العزل بين الجنسين في غالب الأحيان، وهذا يعني أن لا بد للمرأة من أن تتعامل مع المرأة باعتبارها “بنت جنسها”، خاصة في المسائل الدينية والطبية التي تقتضي الصراحة والوضوح والتعامل المباشر مع مشاكلها وواقعها. وعليه فان حضور المرأة في مثل هذه المجالات وبصورة فاعلة كطبيبة ينضج البحث العلمي ويطوره. مثلما هو في جانب الثقافة الدينية، سيرفع من درجة وعي المرأة وييسر حياتها ويوجهها لأمور دينها ودنياها. والحال كذلك في مجال التعليم، حيث تحضر المرأة كمعلمة وأستاذة، حيثما اقتضى الأمر، وهو ما من شأنه أن يوسع دائرة التعليم ويرفع درجة الوعي وتطور المجتمعات الإسلامية، ويزيد من حظوظ المرأة بالتالي من الإبداع العلمي والثقافي والحضاري، وتحسين صورتها في المجتمع عامة، وإثبات ذاتها.
وهذه العملية مترابطة أيضا مع مفهوم الظلم الاجتماعي الذي أشرنا إليه، حيث سيتم تحسين صورة المرأة ويرفع عنها هذه البصمة النمطية، والأحكام والقوالب الجاهزة التي تقيدها.
خلاصة:
لقد اتخذت ممارسات الاضطهاد ضد المرأة أشكالا عدة لعل أهمها: استخدام العنف ضدها في غالب الأحيان، وسيادة السلطة الذكورية ابتداء من سلطة الأب وليس انتهاء بسلطة الأخ الأكبر، وعدم الثقة بقدرتها في القيادة والعمل والعلم والتربية وتنشئة الأجيال، وإجبارها على الزواج خلافا لرغبتها، وغيرها من الممارسات السلبية خاصة في مجتمعاتنا الشرقية.
إن المرأة للأسف بعيون الكثيرين من أصحاب النظرة القاصرة، أو ممن اعتادوا على هذه المعاملة السيئة وأخطرهم من يقومون بهذا النوع من الظلم الاجتماعي ويعتقدون أنهم على حق، أنها في نظرهم مجرد وسيلة للإمتاع وإشباع الرغبة الجنسية، ومستخدم في البيت ووعاء للإنجاب فحسب. لقد كان من نتاج هذا التفكير وهذه الممارسات أن تعطل دور المرأة إلى حد كبير في المساهمة في تنمية المجتمع، وترك فراغا كبيرا لا يستطيع الرجل قط ملأه.
وأما علاج هذه المشكلة المستعصية فيحتاج إلى وقت طويل، وجهود كبيرة يساهم فيها المثقف، والمتعلم ورجل الدين الواعي، الذي يعيد صياغة وتأويل هذه النصوص، التي يساء فهمها وتوظيفها باستمرار. كما تساهم فيها المؤسسات الحكومية والأهلية من خلال زيادة فرص التعليم وشموليته والزاميته تصل إلى مراحل عمرية ودراسية أفضل مما هي عليه الآن. وكذلك تخصيص ضمانات اجتماعية واقتصادية وقانونية للمرأة تقوي من موقفها الاجتماعي وتدعمه. كما أن على المرأة المسلمة المتعلمة خاصة أن تعي مسؤوليتها وتقوم بدورها من أجل تغيير هذه الصور النمطية عن المرأة. ولتنهض بالتالي المرأة المسلمة بدورها في تنمية وتطوير الثقافة والحضارة والعلوم.
لحميد الهاشمي.
الحوار المتمدن – موقع حزب الحداثة.