الديمقراطية بين التنظير والممارسة.
بقدر البساطة التي تظهر على كلمة الديمقراطية وبالرغم من كثرة تداولها بين الناس، وبالرغم من أن غالبية دول العالم اليوم تزعم بأنها دول ديمقراطية، بالرغم من كل ذلك فمفهوم الديمقراطية هو من أكثر المفاهيم المتداولة إثارة للجدل بين علماء السياسة وبين الناس العاديين. هذا اللبس يتجلى سواء على مستوى تحديد المفهوم وعلى مستوى الممارسة، وتصبح الديمقراطية أكثر إثارة للجدل عندما يتعلق الأمر بدول العالم الثالث حديثة العهد بالديمقراطية. وحتى نقارب الموضوع بحد معقول من الموضوعية فسنتناول تعريف المفهوم أولاً ثم تطوره فكراً وممارسة في بلاده نشأته الأولى، وبعد ذلك نبحث في حال الديمقراطية المعاصرة وفي مجتمعاتنا العربية، فكراً وممارسة.
-هل هناك نظرية متكاملة للديمقراطية؟-
النظرية التقليدية للديمقراطية-
مقاربة مفاهيمية للنظرية التقليدية للديمقراطية
من المعلوم أن المصطلحات في العلوم الاجتماعية حمالة أوجه، حيث يأخذ المصطلح الواحد معان مختلفة ليس فقط ما بين المجتمعات وبعضها البعض بل داخل المجتمع الواحد، لأنها مصطلحات تعبر عن أوضاع اجتماعية، هذه الأخيرة هي في حالة تحول أفقياً وعمودياً، أفقياً من مجتمع إلى مجتمع وعمودياً من حقبة زمنية إلى أخرى. والديمقراطية من هذه المصطلحات ،الذي وإن حافظ على ثباته لغة فإنه عرف تحولا وتبدلا اصطلاحا وتبيئة، ومع ذلك فأن الاستئناس بالرجوع إلى أصول الديمقراطية لغة واصطلاح يساعدنا على تعزيز أطروحتنا حول كون الديمقراطية مبادئ عامة وتراث إنساني قابل لإعادة إنتاجه محلياً.
وعليه، فإننا لا نبغي من هذه المقاربة حول الديمقراطية إجراء رصد تاريخي أو حصر مفاهيمي على اعتبار أن الديمقراطية من المفاهيم التي لا تعرف الجمود، بل سر نجاحها وإبداعها أنها تجدد نفسها باستمرار فهي من “المصطلحات والكلمات التي ليست جامدة الدلالة حيث تأخذ معانيها من تطور مدلولاتها ولو استمرت هي نفس الكلمة التي تستعمل في الموضوع، فالبحث عن أصلها إذن لا يعني التشبث بمدلولها الأصلي ولكنه يعني فقط تحديد الوجهة التي نبعت منها أحياناً”
لم تنتج الديمقراطية لنفسها تعريفاً دقيقاً صالحاً لكل زمان ومكان بقدر ما أنها أنتجت مجموعة من المبادئ والأسس والقواعد والآليات توصف بكونها ديمقراطية لحمولتها الخاصة سواء وجدت تلك المبادئ كلها أو البعض منها، ولكونها تصف شكل من نظم الحكم تختلف إيجابيا عن أشكال الحكم الأخرى التي لم تصمد أمام المنافسة عبر تاريخ طويل من عمر البشرية.
ومجمل المبادئ الديمقراطية التي يتم التعامل بها أو التفكير حولها حالياً ما هي إلا نتيجة لتراكم نضالات شعبية ونخبوية، ممارساتية وفكرية تمتد لعهود قديمة انطلقت من دولة المدينة الأثينية – أو إلى ما قبلها – لتمر بفكرة العقد الاجتماعي ثم السيادة الشعبية…لتصل إلى ما وصلت إليه في الديمقراطيات الغربية المعاصرة.
فإذا كان مفهوم الديمقراطية كلاسيكيا يعني حكم الشعب بالشعب لصالح الشعب، قد تناسب في فترة معينة مع التربة التي ولد فيها هذا المفهوم – أي المجتمع الأثيني – فإن التطورات التاريخية والتحولات المعرفية قد عملت على تهميش هذا المفهوم الكلاسيكي وجعلته يحس بالاغتراب داخل المجتمعات الحديثة.
الموسوعة الجزائًرية للدراسات السياسية و الديمقراطية- موقع حزب الحداثة.