الآثار الاجتماعية والنفسية للحرب على المرأة
مقدمة:
هنالك تأثير واضح على النساء فالتركيز على النساء والنوع لأنه وطالما كانت ظروف النساء تختلف اقتصادياً واجتماعياً عن ظروف الرجال. وهكذا فإن أي تغيير اجتماعي في معظم حالات الحروب تعاني النساء والأطفال، رغم أنهم لا يشتركون مباشرة في القتال’ من الموت والإصابة والاغتصاب والخطف والاعتداءات الجنسية والتفكك الأسري والنزوح وفقدان الملكية. ويعانون من الخوف والاضطرابات النفسية والإحساس بفقدان الأمل ويعيشون كنازحين في أوضاع تغيب عنها الحاجات والخدمات الأساسية والشريحة الأكثر تأثراً من السكان بهذه الأوضاع هم النساء والأطفال إذا تتحمل النساء عموماً مسئولية رعاية الأطفال والمسنين علاوة عن المعانة بسبب الحرب فيشهدن موت أطفالهن وأزواجهن وأقاربهن
وأن المتتبع المنصف لمجريات الحروب يجد أن النساء أصبحن ضحايا سهلة في حروب القرن العشرين وحتى مع بدايات القرن الحادي والعشرين، ومن ينظر إلى الدراسات الصادرة عن اليونيسيف سيجد أن أعداد كبيرة من النساء قتلن بأساليب بشعة ووحشية، فالمرأة تقتل أمام طفلها أو ذويها، أو تغتصب، كما حصل للمسلمات في البوسنة وكوسوفا، والمناطق التي توقد فيها الحروب يصبح السكان مستهدفين وبصفة خاصة النساء، مع أنهن أقل الناس تأثيراً فيها وانتفاعاً منها يتعرضن للرعب الذي يتعرض له المشاركون فيها فحينما تنفذ الإمدادات الغذائية أو تقل، تعاني النساء أشد المعاناة وعندما تتلوث مصادر المياه، فإنهن يكن أقل الفئات مقاومة لمخاطر الأمراض، وتترك الصدمات النفسية الناجمة عن تعرضهن للعنف وللأعمال الوحشية وغير الأخلاقية آثارها السيئة في نفوسهن طيلة حياتهن.
في هذا الاتجاه لعله من البديهي الإشارة هنا إلى أنه وعلى الرغم من وجود اتفاقيات دولية متعددة تهدف إلى حماية المرأة المستضعفة، فإن الإيذاء الوحشي للمدنيين وبخاصة النساء في النزاعات المسلحة لا يزال مستمراً، وأصبحت المرأة معرضة بوجه خاص للعنف والاستغلال الجنسي، في حيث أضحى السكان المدنيين عموماً والهياكل الأساسية المدنية غطاء تحتم به عمليات حركات التمرد وأهدافاً للانتقام، وضحايا للأعمال الوحشية الفوضوية والتي كثيراً ما تعقب انهيار سلطة الدولة ( البوسنة والهرسك، رواندا، الصرب، العراق، فلسطين، على سبيل المثال وليس الحصر ) وفي أشد الحالات تطرفاً يصبح الأبرياء هم الأهداف الرئيسية لممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
وقد حظيت المشكلات التي واجهتها النساء في حالات النزاعات المسلحة باهتمام متزايد في السنوات الأخيرة فقد نوقشت في المؤتمرات الدولية (المؤتمر العالمي الرابع للمرأة 1995 في بكين ومؤتمر “بكين + 5” وبكين+10 ) وكذلك في المحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان و غيرها من المؤتمرات و ورش العمل.
وقد أشارت لجنة الأمم المتحدة حول وضع المرأة، في تقريرها المقدم إلى الأمين العام أنه “يجري أحياناً على نحو منتظم تجاهل القانون الدولي الإنساني الذي يحظر الاعتداء على المدنيين بصفتهم تلك، كما أن حقوق الإنسان غالباً ما تُنتهك في حالات النزاعات المسلحة، مما يؤثر على السكان المدنيين، وخاصة النساء والأطفال وكبار السن والمعوقين”.
“رغم أن مجتمعات بأكملها تعاني من عواقب النزاع المسلح والإرهاب، فإن النساء والبنات يتأثرن بشكل خاص بسبب مركزهن في المجتمع وجنسهن”
وتعد النساء والأطفال أهدافا في الصراعات المسلحة لاسيما المعاصرة ويشكّلون غالبية الضحايا إجمالا . كما يشكل الأطفال والنساء أغلبية اللاجئين في العالم والغالبية من المشردين داخليا .
إذ تلاقي النساء والفتيات المدنيات – مثلهن مثل الرجال – حتفهن أثناء الصراع المسلح ويجبرن على النزوح ويتعرضن للإصابة ويفقدن موارد رزقهن. ولكنهن بعانيين أكثر من الرجال، فأثناء النزاعات المسلحة تتعرض النساء والفتيات لجميع أشكال العنف لاسيما العنف والاستغلال الجنسيين بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والحمل بالإكراه والاستعباد الجنسي والإكراه على ممارسة البغاء والاتجار بهن.
وبالنظر لفقدان الأسر والمجتمعات المحلية لرجالها وفتيانها بسبب انخراطهم في القوات المسلحة(أو الجماعات المسلحة) أو بسبب الاحتجاز أو الاختفاء أو القتل أو أعمال العنف الداخلي التي تعقب النزاعات ، تضطر النساء والفتيات إلى تحمل المزيد من المسؤوليات المتعلقة بتوفير الأمن والرفاه للأسرة، وكثيرا ما يحدث ذلك دون وجود ما يلزم من موارد أو دعم اجتماعي.
الآثار الاجتماعية للنزاعات المسلحة على المرأة:
قد تختفي الكثير من الأنشطة الإنسانية والثقافية والحضارية من جراء الحروب ، فيتأثر كل شيءويبدأفي التلون بلون الحرب.تضطر النساء للعمل أثناء الحروب لسد الثغرات التي تركها الرجال ممن ذهبوا للحرب أو قتلوا وبذلك يضاف عبء على كاهل النساء بجانب تربية الأبناء. تشكل الحروب خللاً في نسبة الرجال للنساء خصوصاً في الحروب التي تمتد على مدى فترة طويلة. قد يترتب على الحروب فساد اجتماعي خصوصاً إذا ما امتدت الحروب لفترات طويلة أو أعوام.
أوضحت النزاعات الأخيرة أن النساء يتم استهدافهن تحديدا لكونهن نساء، فيتعرضن للاعتداء والاغتصاب في بعض الأحيان من أجل إضعاف وتخويف وهزيمة فريق العدو الذي ينتمين إليه. إضافة إلى المعاناة التي تتعرض لها المرأة كنتيجة لفقد الزوج أو الابن أو تعرضها للسجن أو تحملها لعبئ الأسرة في حالة غياب المعيل والخوف من المجهول.
كذلك فان الحرب تجبر النساء على الاضطلاع بأدوار غير مألوفة وتقضي منهن تعزيز ما لديهن من مهارات للتغلب على الصعاب واكتساب مهارات جديدة..
ومحنة النساء أثناء الحرب لها وجوه عديدة، فهي تعني بالنسبة لهن الافتراق عن الأهل، وتزايد خطر العنف الجنسي والإصابات والحرمان والموت. يجدر القول أيضاً أن النساء لسن مجرد “ضحايا” يحتجن إلى المساعدة في النزاعات المسلحة. بل يتحلين بالشجاعة والمروة في زمن الحرب في امتلاكهن القدرة على البقاء والصمود والقيام بدور ربّات للأسرة – وهو الدور الذي لم يتم إعداد كثيرات منهن للقيام به، كما تزداد صعوبته نتيجة القيود الاجتماعية المفروضة عليهن.
وتكون النساء أكثر عرضة للتهميش والفقر والمعاناة الناجمة عن النزاع المسلح حيث بلغت نسبة الرجال المعتقلين في بعض النزاعات بلغت 96% ونسبتهم من المفقودين 90% ولكن النساء أكثر عرضة للعنف الجنسي ويجعل النزاع المسلح النساء يتحملن عبء السعي لتدبير المعاش اليومي لأسرهن وهناك مجموعات كبيرة من الأرامل والحوامل والمرضعات والأمهات وهذا هو الجانب الذي يجعل النساء أكثر عرضة للأذى بسبب الحروب والنزاعات المسلحة والتي تؤدي إلى تغيير الدور الاقتصادي والاجتماعي وتفكك الأسر والعمل في التسول والدعارة والقيام بأعمال شاقة ويؤديها عادة الرجال مثل الزراعة وتربية الماشية ورعايتها والهجرة من المدن لأجل العمل فيها كما تقل فرص الزواج وتزداد نسبة العازبات وتقل فرص المرأة في اكتساب مركز اقتصادي واجتماعي لان الزواج هو السبيل الوحيد أو الأكثر أهمية لتحقيق ذلك.
ومن بين التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للنزاعات المسلحة على النساء الآثار الصحية حيث تتفاقم المشكلات الصحية أثناء الحروب والنزاعات المسلح وتكون الأوضاع الصحية بمناطق النزاع غالباً في أوضاع صعبة حتى قبل نشوب النزاع المسلح وغالباً ما تكون النساء أكثر عرضة للإصابة بالأمراض الجنسية وتحتاج إلى رعاية صحية خاصة أثناء الحمل والولادة ولتنظيم الأسرة والحماية من العنف الجنسي والأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي والرعاية الطبية لدى حدوث مضاعفات الولادة وتمثل الملا ريا مشكلة رئيسية وكذلك أمراض سوء التغذية والأنيميا ونقص وزن الجنين وتزداد هذه المخاطر بصفة خاصة بين النساء في حملهن الأول وفضلاً عن مصاعب الحصول على خدمات طبية معينة في وقت الحرب فقد تواجه النساء مشكلات خطيرة في العناية الطبية العامة نتيجة التفرقة في المعاملة وربما تعرضت النساء للاستغلال فيتعرضن للابتزاز والإيذاء.
في تقرير منظمة العفو الدولية الصادر في عام 2002 عن المرأة والنزاعات والذي صدر في اليوم العالمي للمرأة جاء فيه :
( «تحمل الحروب والنزاعات هولا كبيرا بالنسبة إلى المرأة ولا تقتصر مخاوف المرأة على الدمار والاضطرابات والإصابات والموت، بل تمتد لتشمل خوفها من عمليات الاغتصاب والتعذيب والأذى الجسدي والجنسي والعبودية الجنسية أو الاقتصادية، والعلاقات او الزيجات الجبرية»، ويضيف التقرير إن 20 ألف إلى 50 ألف امرأة تعرضت للاغتصاب في البوسنة، كما أن ظاهرة العبودية الجنسية شائعة في الموزمبيق. وأيضا تضطر المرأة لإعالة أسرتها وأطفالها لغياب الرجل، حيث يقول التقرير (إن النساء في البوسنة واجهت صعوبة بالغة في إعادة بناء منازلهن لآن عملية بناء البيوت تعتبر نوعا من الطقوس الاجتماعية التي تخضع للتعاون المتبادل بين رجال القرية).. بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأسر التي تترأسها امرأة وهذا معناه زيادة نسبة الفقر.. ففي موزنبيق التي دامت فيها الحرب 22 سنة أودت بحياة مليون شخص وفي حرب لبنان عاش ثلث السكان تحت خط الفقر المطلق وتنقل لنا وكالات الأنباء صور معاناة النساء الباحثات عن أولادهن وأزواجهن في رحلة ربما تطال العمر كله.. وربما تكون النهاية مؤلمة أكثر وأكثر.. )
والحرب تفرز تغيرات اجتماعية بعيدة المدى فالمرأة التي تعيل أسرة كبيرة يتعثر حظها في الزواج وتشكيل أسرة.. وأيضا تقل نسبة الذكور إلى حد بعيد الأمر الذي يهدد البنية الاجتماعية للمجتمعات وقد تولد عادات جديدة ونظرات ورؤوس اجتماعية ربما لم تكن موجودة سابقا.
وتشكل الإعاقات لفرد من الأسرة أثرا باقيا مدى الحياة فالشخص المعاق بحاجة إلى عناية ورعاية خاصة كما انه قد لا يستطيع العودة إلى دائرة الحياة والعمل وبالتالي فلا بد من سد الحاجة الاقتصادية.. ويمكن استقراء تدهور الحالة الاقتصادية للفلسطينيين بعد الانتفاضة حيث ازدادت البطالة إضافة إلى الغلاء ففي فلسطين منذ أيلول 2000 كان هناك 40 ألف جريح منهم 5 آلاف أصيب بالعجز المطلق.
إن آثار النزاعات المسلحة والحروب على المرأة لا تقف عند حد إلحاق الضرر المادي بجسدها أو قتلها بل تتجاوز ذلك إلى هدم مساكن الأسر وتدمير ممتلكاتها فضلا عن تعريض البنى التحتية كالماء والكهرباء والصرف الصحي للتدمير.
وخلال مدة النزاعات المسلحة أكدت جميع الدراسات أن (82%) من النساء قمن بدور الأم والأب معا وان (36،5%) منهن كان يقع على عاتقهن حل مشاكل الأسرة. وفي دراسات أخرى ظهر أن معدلات الطلاق في زمن النزاعات قد ارتفع لاسيما في اسر الأزواج الذين يمارسون مهنا عسكرية وان (45%) من ربات البيوت اضطررن للعمل خارج المنزل بسبب انشغال الزوج بالنزاعات وان (33%) من حالات الطلاق قد وقعت بسبب القلق والتوتر الناجم من النزاعات وان ظروف الحروب كانت سببا لذلك.
من جانب آخر كان لتلك الحروب والنزاعات اثر مباشر على الأسرة وعلى المرأة بسبب وقوع الرجال في الأسر فقد أظهرت الدراسات إن أسر أسرى النزاعات والحروب يتعرضون للتفكك فمنهم من طلّقوا زوجاتهم بعد عودتهم من الأسر ومنهم من انفصلوا عنهن ومنهم من يعيش معهن على غير وفاق وهذا يرجع إلى أن تغيرا مهما طرأ على تصور المرأة لذاتها بسبب غياب الزوج لمدة طويلة والذي أدى لقيامها بدورين مزدوجين اعتادت عليهما بحيث يصعب عليها التخلي عنهما.
إن دراسات معمقة عن آثار الحروب على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية على المرأة كبيرة جدا وتصبح المهام اليومية التي تضطلع بها المرأة كمصدر لتوفير الرزق والرعاية بالغة الصعوبة والخطورة لا سيما على ضوء تقلص الخدمات العامة والسلع المنزلية وانحسار فرص الحصول عليها. والدور الذي تقوم به المرأة فيما يتعلق بتأمين الأمن الغذائي وتوفير المياه والطاقة اللازمين لاستعمال الأسرة ، والمسؤوليات التي تتحملها في مجال الرعاية الصحية – على الصعيدين الحضري والريفي – قد يعرّضها أيضا لمخاطر حياتية وجسدية بسبب الألغام أو تبادل الاطلاقات النارية أو أعمال العنف المختلفة التي ترافق النزاعات المسلحة أو تعقبها أو تتعرض للإيذاء الجنسي.
ويمكن رؤية الآثار المتباينة للصراع المسلح ومواطن ضعف المرأة والفتاة على وجه التحديد في جميع مراحل التهجير بما في ذلك مرحلة النزوح الأولية والحماية والمساعدة في مخيمات اللاجئين والنازحين وإعادة التوطين وإعادة الإدماج.
وبناءً على ما ذكر، فإن الآثار الاجتماعية الناتجة عن النزاعات المسلحة يمكن تلخيصها:
• تكون النساء أكثر عرضة للتهميش والفقر والمعاناة.
• تغيير في الأدوار التقليدية للنساء وتضطر المرأة لإعالة أسرتها وأطفالها وكبار السن لغياب الرجال في العائلة و يقع على عاتق النساء حل جميع مشاكل الأسرة وتتولى مسؤولية كسب العيش وقد تعتني بالأرض والماشية وتعمل بالصناعة وبغيرها من الأعمال لكسب المال وقد تترك المرأة أطفالها بمفردهم .
• قلة فرص الزواج وتشكيل أسرة.. وبالتالي زيادة عدد النساء العازبات والوحيدات .
• تقل نسبة الذكور إلى حد كبير الأمر الذي يهدد البنية الاجتماعية للمجتمعات.
• زيادة أعداد الأرامل مما يؤدي أيضا إلى تعيير الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في البيت والمجتمع المحلي كما يغير من بنية الأسرة ويؤثر على الأمن الشخصي للمرأة وقدرتها بالحصول على السلع والخدمات وينال من حقوقها الارثية وفي حال انقطاع صلتها مع أهل الزوج قد لا يسمح لها بالاحتفاظ بالأطفال وقد تجبر على الزواج بشقيق الزوج وفي حال رفضها تنبذها الأسرة (هذا ما يحدث بالفعل لدى القبائل في جنوب السودان).
• ارتفاع معدلات الطلاق وتفكك الأسر وجنوح الأطفال واختفائهم وتعرضهم للاتجار والبيع والعمل بالدعارة وتزويج الفتيات بسن مبكرة جدا.
• تعرض النساء للاغتصاب والتعذيب والأذى الجسدي والجنسي والعبودية الجنسية أو الاقتصادية، والعلاقات أو الزيجات الجبرية ولجميع أشكال العنف لاسيما العنف والاستغلال الجنسيين بما في ذلك التعذيب والاغتصاب والحمل بالإكراه والاستعباد الجنسي والإكراه على ممارسة البغاء والاتجار بهن.الأمر الذي يلحق بهن العار الاجتماعي والخوف من تلويث شرف العائلة وربما الخوف من القتل والهروب وعدم الرغبة في العودة لبلادهن بعد انتهاء النزاع…
• زيادة معاناة النساء الباحثات عن أولادهن وأزواجهن بعد انتهاء النزاع ربما لمدة طويلة وقد تكون النهاية مؤلمة أكثر.
• تعرض النساء للإصابة بالأمراض الجنسية وغياب الرعاية الصحية خاصة أثناء الحمل والولادة ولتنظيم الأسرة ونقص والرعاية الطبية لدى حدوث مضاعفات الولادة و أمراض سوء التغذية والأنيميا ونقص وزن الجنين.
الآثار النفسية للنزاعات المسلحة على النساء:
الآثار النفسية للنزاعات المسلحة على المرأة هي التي تنتج عن فقدان المقومات الأساسية لعيش المرأة في مجتمعها، في ظروف تضمن لها التوافق النفسي، ومستوى الصحة النفسية المطلوب، وذلك بسبب التهديد، أو القتل، وفقدان معالم الحياة الاجتماعية؛ التي يتشبث بها الإنسان لتجديد ذاته، وتحديث هويته.
وبناءً على ما ذكر، فإن الآثار النفسية الناتجة عن النزاعات المسلحة هي :
الاضطرابات النفسية التي تصيبها، مثل: حالات القلق، والهذيان، وحالات الذهان، واضطرابات ذهنية، وإدراكية، وانفعالية وغيرها؛ أو التعرض للقصور الجسدي أو العقلي، أو لكليهما، مهما كان سن الضحايا ، ومستواهن العقلي؛ فالمراهقة في مثل هذه الظروف قد تفقد أهلها فتتعرض للتحرش والاعتداء الجنسي، وتنخرط بالدعارة ؛ وكذا الطفل الذي يفقد والديه، ومدرسته، ورفقاءه.
كما الصدمات والتوترات النفسية، واضطرابات التوتر ا لحاد، وتوتر ما بعد الصدمة، وغيرها من الحالات النفسية المرضية، ووفق ما ورد في موسوعة : “تشخيص وإحصاء الاضطرابات النفسية فإن اضطرابات التوتر التي تنتج عن ظروف الاحتلال والاعتداء IV يتم تشخيصها عند:
ــ ” الشخص الذي عاش، أو جرَّب، أو واجه، حدثاً، أو أحداثاً نتج عنها الموت، أو تهديد بالموت، أو جروح خطيرة، أو تهديد كيانه الجسدي، أو الكيان الجسدي للآخرين..”.
ــ ” الشخص الذي يحس بالخوف الشديد، والذعر، والإحساس بانعدام وجود المساعدة؛ وعند الأطفال يظهر بدل هذا سلوك غير منظم و مضطرب”.
ورد في تقرير للمجلس التنفيذي للمنظمة العالمية للصحة الصادر نهاية سنة 2001 ما يلي :
” تقع النزاعات المسلحة، خلال سنة 2000، في المرتبة الحادية عشرة من سلم العنف المؤدي إلى الموت في العالم”.
وذكر هذا التقرير: ” أن ملايين الوفيات، والأعطاب الجسدية، والنفسية للعنف تترك نتائج سلبية على الصحة وعلى نفسية ضحاياه ومرتكبيه وشهود العيان على أنواع العنف”.
وإن الاضطرابات النفسية التي تظهر عند المدنيين أيام الحروب، والنزاعات، كثيرة، ومتشابهة من بلد إلى آخر، ونلاحظ مجموعات أعراض نفسية هي:
ــ حالات عصابية كثيرة جداً، تترجم بسلوكات الخمول، وحالات نفسية بدنية.
ــ الحالات الانفعالية المرضية التي توجد في وضعيات الكوارث.
ــ الصدمات والتوترات.
وقد ورد في أحد تقارير “أطباء بلا حدود” (لغاية يوليو 2002) أنّ 408 ضحايا يتراوح عمرهن بين 6 أشهر و69 سنة استفدن من خدمات مستشفى ماكيليكيلي بسبب هتك العرض، سواء من المدنيين أو العسكريين، في إطار برنامج رعاية السيدات اللواتي تعرضن للعنف الجنسي.
وإضافة إلى الخطورة الكبرى للصدمات المرتبطة بهتك العرض، تضاف أزمات اجتماعية، ونفسية أخرى منها: الحمل نتيجة هتك العرض الذي تبلغ نسبته 31.% حسب نفس التقرير أعلاه. كما ونشير إلى تبعات العنف النفسية المرضية وتبعات العنف الجنسي الاجتماعية والاقتصادية (مصاريف إعالة مولود العنف الجنسي وإعالة الأسر في حالة وفاة الأزواج).
وإضافة لذلك : حالات اضطراب التوتر الحاد. ــ حالات اضطراب التوتر ما بعد الصدمة ــ حالات نفسية مرضية أخرى. واضطراب التوتر الحاد وفق ما ورد في موسوعة “تشخيص وإحصاء الاضطرابات النفسية”، تعريف التوتر الحاد بكونه:
أولاً : حالة الفرد الذي تعرض لحادث صدمة تتميز بخاصيتين:
1. يكون الفرد قد عايش، أو شاهد، أو واجه حدثاً، أو أحداثاً تتعلق بالموت، أو التهديد بالموت أو جروح خطيرة، أو تهديد كيانه الجسدي أو الكيان الجسدي للآخرين.
2. رد فعل الفرد يكون الخوف الشديد، واستحالة تلقي المساعدة، والرعب.
ثانياً : أثناء أو بعد حدوث الصدمة، تنتاب الفرد على الأقل ثلاثة أعراض انفصامية منها: غياب الاستجابة، ونقص معرفة محيطه، وانفصام الشخصية، وفقدان ذاكرة انفصامي.
ثالثاً: استعادة حادث الصدمة، ولو على الأقل مرة واحدة على شكل صور، أو أحلام.
رابعاً : إفراط تجنب المثيرات المرتبطة بالصدمة.
خامساً : إفراط القلق.
سادساً : تصدع العلاقات الاجتماعية والمهنية وغيرها.
سابعاً : يظل الاضطراب على الأقل يومين، وعلى الأكثر 4 أسابيع، داخل أسابيع حادث الصدمة.
ثامناً : الاضطراب لا يكون سببه تأثير مباشر لمواد، أو حالة صحية.
ويظهر اضطراب التوتر الحاد عند 70% من الأفراد أثناء حدوث الصدمة أو خلال الشهر الذي يليها، وتتميز ردود الأفعال الناتجة عن الصدمة باضطرابات نفسية مختلفة منها: القلق، وحالات انفصامية وسلوكية لها انعكاسات مهمة على وظائف وقدرات الفرد وأثناء هذا الشهر، يرجع 30 %فقط من الأفراد إلى حالتهم العادية.
في لرصد أوضاع العائلات العراقية في سورية نفذه المكتب المركزي للإحصاء عام 2010
مسح عينة من العائلات العراقية المقيمة في سورية و خلص إلى مجموعة من النتائج و المؤشرات،
تؤكد النتائج أن نسبة الأسر العراقية المسجلة لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين بلغت نحو 95.2%، كما أن نسبة الأسر التي حضر جميع أفرادها إلى سورية بلغت 80.9%.
وحول الأوضاع النفسية للعراقيين الموجودين في سورية
فإن نتائج المسح الصحي لناحية الصحة النفسية والآثار النفسية للحرب في العراق على العراقيين تشير إلى: أن59.9% ينتابهم شعور بالخزن، 52.1% ينتابهم شعور باليأس من المستقبل، 46.6% يعانون من صعوبة النوم أو البقاء نائماً، 46.1% يشعرون بالوحدة، 43.3% يشعرون بالتوتر، و 43.9% ينتابهم شعور بأن كل شيء يحتاج إلى جهد…
وفيما يخص المؤشرات التي خلص إليها المسح الصحي حيال أوضاع الأسر العراقية، تشير النتائج إلى أن 18% من الأفراد العراقيين في سورية يعانون من مرض مزمن تم تشخصيه طبياً، و 5.9% يعانون من إعاقة، و 19.5% نسبة من يدخنون بين الأفراد البالغين 15 سنة فأكثر من العمر.
وحول الخصائص الخاصة بسيدات العينة فإن النتائج توضح أن نسبة السيدات العراقيات المقيمات في سورية و الأميات تصل لنحو 5.9%، فيما تبلغ نسبة من يقرأن الصحف و المجلات يومياً 10.9%، ومن يشاهدن التلفزيون يومياً 93.8%، و 14.8% يستخدمن الانترنت. وحول واقع الزواج فإن 90.7% من سيدات العينة متزوجات، 6% أرامل، و 2.1% مطلقات.
وفي موضوع الصحة الإنجابية فإن نسبة من يذهبن عادة إلى مؤسسة صحية عامة لتلقي رعاية صحية عند الحاجة تبلغ 32.5%، ونسبة من يذهبن عادة إلى مؤسسة صحية خاصة لتلقي الرعاية الصحية عند الحاجة 55.8%.
كما ظهر أن نسبة الأطفال في عمر 12-23 شهراً و الذين لديهم بطاقات لقاحات تبلغ 95.5%، و نسبة الذين تمت رؤية بطاقاتهم 51.5%….
الخاتمة:
إن الحماية العامة والخاصة التي يحق للنساء التمتع بها يجب أن تصبح حقيقة واقعية ولا بد من بذل جهود متواصلة لتعزيز المعرفة بالالتزامات التي يفرضها القانون الدولي ودعم الامتثال لها بين أوسع جمهور ممكن وباستخدام جميع الوسائل المتاحة لا بد من إشراك الجميع في تحمل مسئولية تحسين الوضع الصعب الذي تعيشه النساء في زمن الحرب ولا بد أيضاً من إشراك النساء أشراكا أوثق وأوسع في جميع التدابير التي تتخذ لصالحه.
المقترحات :
– تقديم برامج تدريبية للأمهات في كيفية التعامل مع الأطفال وأفراد الأسرة في الظروف الصعبة.
– تقديم برامج تدريبية للأمهات والزوجات للتعامل مع المعاقين والجرحى.
– تقديم برامج تأهيلية وتشغيلية وإغاثية للنساء وخاصة للاتى يعلين أسرة ولزوجات الشهداء والأسرى.
– إنشاء مراكز للإرشاد والدعم النفسي الاجتماعي والقانوني للأسرة وتجهيزها بما يلزم في كل منطقة من المناطق التي تتواجد فيها النساء بهدف تقديم الدعم النفسي والعلاج للنساء والأطفال.
– إنشاء دور إيواء متخصصة بالناجين من الحروب والعنف من النساء والأطفال في كافة المدن التي يحتمل أن يصلها هؤلاء
-تقديم الأنشطة والبرامج المجتمعية المتعلقة بتطوير القدرات والإمكانات والمهارات الحياتية للنساء.
– توفير فرص عمل للنساء اللاتى سيعملن على إعالة أسرهن أثناء و بعد الحرب.
لدعد موسى.
الحوار المتمدن- موقع حزب الحداثة.