الصراع الجيوسياسي للنفط والغاز في الشرق الاوسط
عام 2010 نشرت ادارة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة تقريراً عن ثروة الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط تضمن التقديرات في المنطقة الممتدة من جنوب تركيا شرقاً وحتى المياه الاقليمية المصرية غرباً.
والتقديرات المنشورة لمساحة توازي 83 الف كيلومتر مربع في المياه الاقليمية في البلدان المعنية، منها 22 الف كيلومتر مربع خاصة بلبنان. وتحتوي هذه المساحة تحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 1,7 مليار برميل من المكثفات اي المنتجات النفطية السائلة الخفيفة.
وضع مستشار طاقوي لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون تقريراً حول استغلال هذه الموارد هدف الى تطوير تنسيق الانتاج بين مصر واسرائيل وقبرص ولبنان وسوريا، ومد خطوط للغاز الى تركيا حيث تنجز مصانع لتسييل الغاز وتصديره كما لتغطية قسم من حاجاتها من الغاز بدل الغاز الروسي. وكان من الواضح ان التوجه الاميركي يهدف الى تقويض قدرة روسيا على تطوير علاقاتها الغازية مع تركيا من أجل الوصول الى أسواق أوروبا حيث روسيا تغذي دول غرب اوروبا وشرقها بـ40 في المئة من حاجاتها من الغاز.
كذلك كان من الواضح ان الاميركيين اعتمدوا على دراسات لعلماء الجيولوجيا الاسرائيليين والبرهان ساطع من اكتشاف اسرائيل أهم حقلين لانتاج الغاز لديها: حقل تامار Tamar عام 2009 بطاقة 10 تريليون قدم مكعب وحقل Leviathan، أي العملاق، الذي اكتشف عام 2010 بطاقة تقدر بـ18 تريليون قدم مكعب.
ان اكتشاف أي حقل للغاز يستوجب انقضاء سنة أو سنتين على الاقل على بدء أعمال الحفر والتنقيب، ومن ثم فإن تطوير الاكتشافات لانتاج الغاز ووضعه قيد الاستعمال يستوجب أربعاً الى خمس سنوات اضافية. لذا فإن اسرائيل كانت واثقة من توافر المخزون قبل التقرير الاميركي، واسبقية اسرائيل في تحقيق الاكتشافات وفرت لها فرصة بالتعاون مع الاميركيين لتولي دور محوري في تطوير الغاز والنفط في شرق المتوسط، سواء على الصعيد التقني أو الاستثماري.
لكن التوجهات الاميركية – الاسرائيلية باتت معرضة للفشل على أكثر من صعيد نتيجة التطورات السياسية والعسكرية والاكتشافات التي تحققت في المياه الاقليمية المصرية كما الالتزامات التي وقعتها سوريا مع روسيا في كانون الاول 2013.
الاتفاق الروسي – السوري لا يمكن ان ينقضه أي حكم قد يقوم في سوريا، وهذ الاتفاق يوفر لروسيا حرية اقامة مرافئ بحرية على الشواطئ السورية وحرية انجاز المطارات حيث يقر الروس بوجود حاجة اليها، وحينئذٍ تفرغ القرى المجاورة من سكانها. أضف أن البحث والتنقيب عن النفط والغاز في المياه الاقليمية السورية محصوران بالشركات الروسية، ومن تختارهم هذه الشركات لمشاركتها، واخيراً في حال الاختلاف بين مواطنين سوريين طبيعيين أو معنويين (اي الشركات) وأفرقاء روس، تقضي محاكم روسية بين الطرفين روسية.
وفضلاً عن حصر المياه الاقليمية السورية بالشركات الروسية، توصل بوتين مع اردوغان، بعد قطيعة استمرت 10 أشهر، الى اتفاق على مد خط انابيب للغاز من روسيا الى تركيا عبر البحر الاسود الامر الذي يعزز موقع روسيا في تركيا كما يمنحها امكان مد خطوط الى اليونان وايطاليا. ومعروف ان ايطاليا تعتمد عل الغاز الروسي الى حد بعيد.
الاكتشافات في المياه الاقليمية المصرية حققتها شركة ايني ENI الايطالية التي نجحت في استقطاب شركة نفطية ايطالية ملحوظة لتأمين ستة مليارات دولار للتعجيل في انتاج الحقلين المكتشفين بطاقة 30 تريليون قدم مكعب من الغاز، وسيحتاج التطوير سيحتاج الى ثلاث أو أربع سنوات. أما مصر فتحتاج الى كميات كبيرة من الغاز لتأمين انتاجها الكهربائي الذي طور على اساس استعمال الغاز، وكانت موارده موفورة في مصر التي انجزت مصانع مع شركات اجنبية متعددة لتسييل الغاز لكن المصانع توقفت عن الانتاج لسوء ادارة موارد الغاز في مصر خلال فترات سابقة، وكل احتياطات الحقلين الجديدين ستخصص للحاجات المصرية.
وتركيا المحاصرة بمواقف سياسية اوروبية مناهضة لنهج اردوغان باتت في حاجة ماسة الى توثيق علاقاتها مع روسيا اولاً والتبادل التجاري والسياحي (وخصوصاً من روسيا الى تركيا) يوازي 100 مليار دولار سنوياً قابلة للمضاعفة، ومن ثم مع اسرائيل وقد انتهت المقاطعة بين البلدين وصار الديبلوماسي التبادل قريباً.
التأثير الاميركي على تركيا انخفضت وطأته لان تركيا تمثل القوة العسكرية الثانية في حلف شمال الاطلسي وقاعدة انجيرليك بالغة الاهمية للأميركيين، وهم لا يريدون توتير العلاقات مع تركيا نظراً الى مصالحهم الاستراتيجية، وتالياً لا يستطيعون كبح التعاون التركي-الروسي بالنسبة الى تسليمات الغاز، ولعل أفضل دليل تبدت ملامحه للمواقف الاميركية يتمثل في الموافقة مبدئياً على طلب استرداد غولن من الولايات المتحدة، وان يكن التفسير الاميركي غطي بالقول إن الاسترداد لا يعود الى تهمة ضلوعه في الحركة الانقلابية الاخيرة في تركيا. في المقابل، أعلن الاميركيون نيتهم اسقاط أي طائرات – روسية أو سورية – تتعرض للاكراد الذين حققوا امتداداً جغرافياً وادارياً في الشمال الشرقي والغربي لسوريا، الامر الذي يناقض الاهداف التركية.
المشروع الاميركي للهيمنة على استغلال موارد الغاز والمكثفات في الحوض الشرقي للمتوسط اصبح في خبر كان. وفي المقابل تجلى التوجه الروسي-السعودي الى التعاون على تثبيت أسعار النفط، وهذا الامر سيتضح في اجتماع دول “أوبيك” في الجزائر . وقد أبدت ايران استعدادها للتعاون مع البلدين وخصوصاً بعدما توثقت علاقاتها مع روسيا وصار هنالك توجه الى تعاون موسع بين البلدين في مجال انتاج وتصدير الغاز الطبيعي والمسيل وتصديره، وايران في حاجة، كما روسيا والسعودية، الى سعر للنفط يرتفع وهذه النتيجة قد تتحقق، لان دخل كل من السعودية وروسيا يرتفع يومياً وايران التي تستهلك القسم الاكبر من انتاجها النفطي لحاجاتها الداخلية تصير في وضع أفضل لتحفيز الشركات الاجنبية على تطوير مواردها الضخمة من النفط والغاز.
لمروان اسكندر.
النهار- موقع حزب الحداثة.