حداثة و ديمقراطية

الطغاة يتنكرون في ثوب الديمقراطية 2

وبالطبع فإن الإصرار على الديمقراطية الحقة ليس هو الاختبار الوحيد لالتزام المجتمع الدولي
بحقوق الإنسان. فمن الأهمية بمكان أيضاً رد الفعل إزاء الفظائع الجماعية في أماكن مثل شرقي تشاد
وكولومبيا وشرقي الكونغو ومنطقة أوغادين في أثيوبيا، والعراق، والصومال، وسريلانكا ومنطقة
دارفور بالسودان، وكذلك المجتمعات المُغلقة أو المُتعرضة لقمعٍ بالغ مثل بورما والصين وكوبا
وأرتريا وليبيا وكوريا الشمالية والسعودية وفيتنام. وهذه المواقف الهامة المستوجبة للرد العاجل تتم
مناقشتها باستفاضة في هذا التقرير. لكن يجب ألا يقتصر الاهتمام بحقوق الإنسان على هذه الحالات
المتطرفة، بل أيضاً على الحكومات التي قد تكون أكثر انفتاحاً بقليل لكنها ما زالت تستخدم
الإجراءات القمعية لمنع أي تحدٍ لحُكمِها. وتسهُل مهمتهم هذه حين يُسمح بأن تحل التلميحات البسيطة
بالديمقراطية محل الاحترام لكل حقوق الإنسان مُجتمعة.
ولتفادي هذه اللعبة، ولمنع إساءة استخدام “الديمقراطية” كبديل بائس للمعايير الحقوقية الدقيقة، فثمة
حاجة ماسة وعاجلة إلى رد كامل معنى الديمقراطية كمفهوم إليها. ولا يعني هذا القول بوضع تعريف
ضيق محدد للحُكم. فالديمقراطية المشروعة لها أشكال كثيرة، وتشمل نظم مبنية على التمثيل النسبي،
ونظم فيها الرئيس قوي، وأخرى تدور حول رئيس وزراء نافذ السلطة، وأخرى تمنح النفوذ بالأساس
للسلطة التنفيذية، وتلك التي تُفضل تمتع السلطة التشريعية بالسلطات الأقوى. إلا أن كل النظم
الديمقراطية المُستحقة لاسمها هذا تجمعها صفات مشتركة؛ وتشمل الانتخابات التنافسية الدورية التي
تُنظم بشكل حر وعلى قدر كبير من الشفافية مع فرز دقيق للأصوات، وتخوضها أحزاب سياسية
فعالة ويراقبها إعلام مستقل ومنظمات مجتمع مدني تمنح المواطنين – بمن فيهم الأقليات – طيفاً
واسعاً من الفرص للتجمع والتحزب مع الآخرين لكي تُسمع أصواتهم، وفي ظل نظام قانوني يضمن
أن لا أحد فوق القانون، وخاصة المسؤولين الحكوميين جميعاً.
وفي عام 2007 أظهرت الديمقراطية استمرارها في الازدهار في أماكن مثل سيراليون وجامايكا
وبولندا وأستراليا، وهي جميعاً بلدان يتم فيها تداول السلطة وتصل أحزاب المعارضة فيها إلى السلطة
بعد انتخابات تُعتبر على أوسع نطاق انتخابات حرة وعادلة. وفي تركيا حين شن الجيش انقلاب
البريد الإلكتروني المزعوم في محاولة لمنع الحكومة الإسلامية المعتدلة المُنتخبة بشكل ديمقراطي،
من تعيين أحد مسؤوليها، وهو رئيسها عبد االله غُل، طالبت الحكومة بانتخابات عامة مبكرة، وتلقت
تأييداً قوياً لسلطتها وقامت بتعيين غُل على أية حال. وثبت أن رغبة الشعب التركي في الديمقراطية
هي رغبة قوية.
لكن طغاة كثيرون يتلهفون على إضفاء الشرعية على أنفسهم بثمن زهيد. إذا أمكنهم عقد انتخابات
مزيفة والإفلات بهذا؛ فسوف يفعلون. وقدرتهم على هذا تعتمد في جزء كبير منها على يقظة النظم
الديمقراطية القائمة في الإصرار على الديمقراطية بكافة أبعادها، بما في ذلك احترام طيف واسع من
حقوق الإنسان وسيادة القانون. والالتزام من حيث المبدأ بالديمقراطية ليس سهلاً. فقد يعني هذا

ممارسة الضغوط على الأصدقاء من الطغاة أو الترويج لحقوق تُفضِل حتى النظم الديمقراطية القائمة
الراسخة ألا تركز عليها وتروجها. لكن الالتزام بالمبدأ هذا مطلوب إذا كانت ثمّة رغبة في أن يخدم
الترويج للديمقراطية كمصدر للضغوط الحقيقية من أجل احترام حقوق الإنسان، بدلاً من كونها –
الديمقراطية – وسيلة لتفادي الالتزام بالمعايير الدولية بواسطة اللجوء لبديل أجوف لا يحمل غير
المظاهر.
ولاسترداد المعنى القوي للديمقراطية، والمحوري في قضية حقوق الإنسان، وإن كان في الوقت نفسه
عرضة للتلاعب به باعتباره بديل زائف وإن كان متقناً؛ فيجب إيلاء الانتباه الأكبر للخدع الماهرة
التي يتقنها من ينتقصون من قيمة الديمقراطية. وفيما يلي ملخص للتوجهات الحديثة التي تلجأ إليها
الحكومات لانتهاك حقوق الإنسان لإفساد الديمقراطية، أو التباهي بالديمقراطية لتفادي الحوار حول
حقوق الإنسان.
والحفاظ على الديمقراطية يتطلب أيضاً تجنب بعض الوقعات التي قوضت من الجهود المبذولة حديثاً
للدفاع عنها. وكما هو موضح أدناه، فالكثير من النظم الديمقراطية القائمة سقطت ضحية لنزعات
اللجوء إلى “الشخص الديمقراطي” بدلاً من المبادئ الديمقراطية، لقبول التقسيم الزائف القائل بأن
البديل الوحيد للطاغية الذي أعرفه هو الطاغية الذي أخشاه، للزعم بأن الديمقراطية يمكن أن تزدهر
حتى لو تم فصلها عن حقوق الإنسان التي تضفي عليها معناها، أو تشكيل المطالبات اللصيقة
بالديمقراطية الحقة حسب القيمة الإستراتيجية للشخص المُتظاهر بالديمقراطية. وهذه النزعات يجب
أن تُقاوم إذا أردنا لترويج الديمقراطية أن يحقق مبلغه كقوة إيجابية دافعة لحقوق الإنسان.

ألعاب خطابية
يبدأ استخدام الزعماء السلطويين المُراوغ للديمقراطية عادةً بألعاب كلامية وإشارات خطابية بأيديهم
توحي بأن القيود التي تقوض الديمقراطية هي في الحقيقة ضرورية لإنقاذها. في باكستان على سبيل
المثال فرض مُشرف “حكم الطوارئ” لتفادي أن تحكم المحكمة العليا المستقلة حينها بعدم قانونية
انتخابه كرئيس بينما ما زال على رأس الجيش. وعلى الرغم من هذا الدافع الشخصي للغاية، فقد زعم
بأن الانقلاب ضروري “لحفظ الانتقال الديمقراطي”. وعلى النحو نفسه في بنغلاديش، حظرت
الحكومة التي قام بتعيينها الجيش كل الأنشطة السياسية والنقابية وقيدت من حريات الصحافة، وكل
هذا باسم التحضير لانتخابات وطنية تتمتع بالمصداقية.
وحاول طغاة قمعيون كثيرون إعادة تعريف الديمقراطية بإدخال نعت مدمر على التعريف أو وصف
متناقض. فالرئيس فلاديمير بوتين، وهو يشُل الديمقراطية بإغلاقه لكل مراكز التأثير المنافسة في
روسيا، أصبح مناصراً لـ”الديمقراطية السيادية”، مما يعني أن الديمقراطية هي ما تريد السلطة لها
أن تعني. ومع قبض الحكومة البورمية على الرهبان المتظاهرين والمعارضين الذين تعرضوا للقمع

العنيف، فقد تحدثت عن الحاجة لـ”ديمقراطية مُنضبطة”. وروجت الصين منذ فترة طويلة
لـ”الديمقراطية الاشتراكية”، مما يعني مركزية من أعلى لأسفل تُلغي آراء الأقلية.
وبرر مُشرف في باكستان “حكم الطوارئ” باعتباره “ديمقراطية حقيقية” موضحاً: “نريد
ديمقراطية… نريد حقوق إنسان… نريد حريات مدنية… لكننا سنفعل هذا بطريقتنا”. ويستخدم معمر
القذافي الزعيم الليبي مصطلح “الديمقراطية التشاركية” لتبرير إلغاء الأحزاب السياسية المستقلة على
أساس من أن الشعب لا يحتاج لوسطاء لأنه يشارك مباشرة في الحكم عبر الاجتماعات الجماهيرية
التي تنظمها الحكومة. وفي الطبعة الكوبية للمفهوم نفسه، فإنه يجب أن توافق الهيئات الجماعية التي
تهيمن على عملها الحكومة، على المرشحين، ويحد الدستور كثيراً من المنظمات السياسية باستثناء
الحزب الشيوعي.
تزوير الانتخابات
تزوير الانتخابات المألوف هو من الطرق الأكثر انتشاراً لتفادي ما تحمله الديمقراطية من عدم يقين
وتقلب. وبالإضافة إلى حالة كازاختسان المذكورة أعلاه، فإن نيجيريا وتشاد من الأمثلة الحديثة في
هذا الصدد.
في نيجيريا، التي تواجه انتقال السلطة لأول مرة من زعيم مدني إلى مدني آخر، وهذا لأول مرة منذ
استقلال البلاد في عام 1960 ،لجأ حزب الشعب الديمقراطي الحاكم إلى التزوير على نطاق واسع
لضمان أن ينجح مرشحه أومارو يار عدوا الذي سيخلف أولوسيجان أوباسانجو رئيساً للبلاد، في
انتخابات أبريل/نيسان 2007 .وفي جهد مبذول لإضفاء بعض الشرعية، أطلق يار عدوا – مما
يُحسب له – عملية للإصلاح الانتخابي، وسمح للمحاكم بإبطال بعض انتصارات حزبه بالتزوير،
واستمر في مواجهة المراجعة القضائية لانتخاباته التي يشوبها التزوير. لكن لم تتم ملاحقة أحد جراء
التزوير البيّن في مراكز الاقتراع وشراء الأصوات والترهيب السياسي الذي كان محورياً في
“انتخاباته”، فمال الشعب النيجيري لفقدان الثقة في أنه سيحول شعاراته الإصلاحية إلى واقع
ديمقراطي جديد.
وفي تشاد استولى الرئيس إدريس ديبي على السلطة في عام 1990 وأضفى على حكمه دمغة
الديمقراطية بعقده لثلاث انتخابات رئاسية مزورة. وفي عام 2005 ألغى حكماً قانونياً يمنعه من
السعي للترشح لفترة رئاسة ثالثة لمدة خمسة أعوام، بأن عدل الدستور في استفتاء تشوبه مخالفات
كثيرة. ولدى توقع التزوير رفضت جماعات المعارضة تقديم مرشحين في انتخابات 2006
الرئاسية، وتركت ديبي يتغلب بسهولة على أربعة مرشحين ضعفاء ضمنهم اثنين من وزراء
الحكومة. ورفضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إرسال مراقبين، فيما شابت عملية الاقتراع

نسبة مشاركة ضعيفة من الناخبين، وتصويت لأشخاص تحت السن القانونية، وتصويت الأشخاص
أنفسهم أكثر من مرة.

لكينيث روث.

HUMAN RIGHTS WATCH- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate