حداثة و ديمقراطية

الطغاة يتنكرون في ثوب الديمقراطية 1.

نادراً ما كانت الديمقراطية مؤيدة بقوة هكذا وفي الوقت نفسه تُنتهك كثيراً هكذا، نادراً ما تم الترويج
لها بهذه الكثرة وفي الوقت نفسه تتعرض لعدم احترام واسع على هذا النحو… هامة للغاية لكنها
مخيبة للآمال للغاية. واليوم أصبحت الشرعية لا تستقيم دون الديمقراطية. وحكومات قليلة تلك التي
تريد أن تبدو غير ديمقراطية. إلا أن أوراق اعتماد المُدعين لم تكن على نفس درجة تزايد شعبية
الديمقراطية. فهذه الأيام، حتى الطغاة يسعون للحصول على الوضع الذي يضمنه لقب الديمقراطية.
مصممون على ألا يدعوا الحقائق المجردة تقف في طريقهم، فأجادوا تمام الإجادة فن الشعارات
الديمقراطية التي لها أقل العلاقة بممارسات الحُكم.
لماذا بخلاف هذا قد يختار حاآم قاسٍ كرئيس أوزبكستان إسلام كريموف أن يعقد انتخابات؟ لماذا
يهتم؟كريموف يرأس حكومة قامت بسجن زُهاء 7000 شخص لأسباب سياسية ودينية، وتقوم
بتعذيب المحتجزين بشكل منهجي، وفي عام 2005 ذبحت مئات المُعارضين في أنديجان. إنه ليس
من الديمقراطيين ولا يواجه خصوم حقيقيين ينافسونه على الحُكم. حتى الحظر الدستوري على فترة
الرئاسة بحد أقصى 37 عاماً لم يقف عائقاً في طريقه.
إلا أن هذا الرئيس القاسي يجد الفائدة في تنظيم مسرحية انتخابية بغرض إضفاء الشرعية على حُكمه.
وكذلك فعل – من بين آخرين – روبرت موغابي في زيمبابوي، وبرويز مشرف في باكستان،
وحسني مبارك في مصر، وميليس زيناوي في أثيوبيا، وفلاديمير بوتين في روسيا.

حتى الصين دخلت اللعبة. في خطبة في أكتوبر/تشرين الأول 2007 أمام مؤتمر الحزب الشيوعي،
استخدم الرئيس هو لينتاو كلمة “ديمقراطية” أكثر من 60 مرة أثناء مطالبته بمزيد منها داخل
الحزب. إلا أن هذا لم يردعه عن منع الأحزاب السياسية المستقلة، ولا من عرقلة الجهود القانونية
المشروعة لصيانة الحقوق الأساسية، ولا من إغلاق منظمات مجتمع مدني لا حصر لها، ولا المنافذ
الإعلامية ولا مواقع الإنترنت، آما لا توجد انتخابات وطنية. فما الذي يفكر فيه إذن؟ وقد سمح
الحزب لـ 221 مرشحاً بالتسابق على 204 مقاعد للعضوية في لجنته المركزية.
إن التقنيات التي يستخدمها هؤلاء الأوتوقراطيون لترويض تقلب الديمقراطية المُقلق هي تقنيات
مبتكرة بالأساس. فالتحدي الذي يواجهونه هو أن يبدو مظهرهم وكأنهم يعتنقون المبادئ الديمقراطية

بينما هم يتفادون أية مخاطرة بالخضوع لتفضيلات الجماهير. والتزوير في الانتخابات والعنف
السياسي والرقابة على الصحافة وقمع المجتمع المدني، بل وحتى الحكم العسكري، تم استخدامها
جميعاً كوسائل لتقييد التحول الديمقراطي الحقيقي الذي يؤدي إلى أن يقول العامة قولهم في الحكومة.
وجزء من السبب في أن الطغاة قد يأملون في الإفلات بمثل هذه الحيل هو أن “الديمقراطية” تعتبر –
على النقيض من حقوق الإنسان – بلا أي تعريف قانوني قائم. ومفهوم الديمقراطية يعكس الرؤية
القوية بأن أفضل طريقة لاختيار الحكومة وتوجيه مسارها هي إيداع السلطة المطلقة في يد من
يخضعون لحكمها. وهذا شيء بعيد كل البعد عن كونه النظام السياسي الكامل، إذ توجد مخاطر تتمثل
في لا مبالاة الأغلبية تجاه الأقليات وتعرضها لتأثير مفرط من قِبل عناصر قوية، لكنها، وكما هي
معروفة، أقل أشكال الحكومات سوءاً، حسب قول وينستون تشرشل، وهي جزء هام من فكرة حقوق
الإنسان. إلا أنه لا توجد اتفاقية دولية عن الديمقراطية، ولا معاهدة تم التصديق عليها من أطراف
كثيرة لتأكيد أن على الحكومة محاولة استحقاق لقب الحكومة الديمقراطية. ومعنى الديمقراطية يختلف
بالأساس من شخص لآخر، كلٌ كما يراه.
وعلى النقيض فإن القانون الدولي لحقوق الإنسان يمنح كل المواطنين الحق في “المشاركة في
مجريات الحياة العامة، بشكل مباشر أو عبر ممثلين مُختارين بشكل حر” و”التصويت” في
“انتخابات دورية سليمة” في ظل “حق اقتراع عام وعلى قدم المساواة” و”اقتراع سري” بغرض
“ضمان التعبير الحر عن إرادة الناخبين”. كما يمنح طيفاً من الحقوق المتصلة التي يجب أن تُرى
على أنها لصيقة بالديمقراطية القوية الفعالة، بما في ذلك الحقوق التي تحمي المجتمع المدني لكي يبقى
قوياً ومتنوعاً والصحافة الحرة النشيطة، وحقوق المدافعين عن مصالح الأقليات، والحقوق التي
تضمن التزام المسؤولين الحكوميين بسيادة القانون. والطبيعة المحددة والمُلزمة قانوناً لحقوق الإنسان
هي نقطة قوتها الجوهرية. لكن حين ينجح الأوتوقراطيون في أن يُبعدوا عنهم الانتقاد جراء انتهاك
هذه الحقوق بالتظاهر بكونهم من الديمقراطيين، وحينما يتمكنون من التمتع بمزايا الدخول إلى نادي
الديمقراطيين دون دفع رسوم الاشتراك التي تتلخص في احترام الحقوق الأساسية؛ فإن الدفاع عن
حقوق الإنسان على مستوى العالم يصبح عرضة لأبلغ الخطر. لماذا يتكبدون إذن عناء الالتزام
بمجموعة قواعد متطفلة كالقانون الدولي لحقوق الإنسان، بينما يمكن لأي مستبد بشيء من المراوغة

أن يُعلن نفسه “ديمُقراطياً”؟
إن إساءة استخدام الديمقراطية ليست بالشيء الجديد بالكامل. فجمهورية ألمانيا الديمقراطية (اسم
الدولة الشيوعية السابقة في ألمانيا الشرقية) أو جمهورية آوريا الشعبية الديمقراطية (الاسم غير
الملائم لكوريا الشمالية)؛ هما من الأمثلة الأساسية. لكن قليلين هم من يمنحون أي مصداقية لهذه
المزاعم استبدادية الطابع. والتطور المؤسف الجديد هو آيف أصبح من السهل على مستبدي اليوم أن
ينجحوا في رآوب موجة الديمقراطية دون تبعات لهذا.

ليس الأمر أن القادة الذين يتصنعون الديمقراطية يكتسبون المشروعية في بلدانهم. فالسكان يعرفون –
معرفة مريرة – بمهزلة الانتخابات على حقيقتها. وفي أفضل الأحوال يكسب هؤلاء القادة مزية
الالتزام الشكلي بالقوانين المحلية المُطالِبة بالانتخابات. لكن جزءاً كبيراً من الدافع وراء إضفاء قشرة
الديمقراطية هذه ينبع من الشرعية الدولية التي يمكن أن يكتسبها أكثر الطغاة شططاً، بإجراء
انتخابات، حتى لو كانت جوفاء. إذ أن المصالح الأخرى (من الطاقة إلى التجارة إلى مكافحة
الإرهاب) للنظم ذات الديمقراطية الراسخة والقائمة تجد في أحيان كثيرة أنه من المناسب لها أن
تُصدق هؤلاء الديمقراطيين المزيفين.
الأولى في هذا المنهج هي الولايات المتحدة تحت رئاسة جورج دبليو بوش. في توازٍ مزعج مع
الحكومات المُسيئة في شتى بقاع الأرض اعتنقت الحكومة الأميركية الترويج للديمقراطية كبديل
مُلطف وأهدأ للدفاع عن حقوق الإنسان. ما زالت الديمقراطية هي المقياس الذي تسجل عليه الولايات
المتحدة درجة مرتفعة، لكن حقوق الإنسان في ظل إدارة بوش سجلت مستوى مزعج للغاية. والحديث
عن حقوق الإنسان يؤدي إلى التفكير في غوانتانامو وسجون السي كي كيه السرية وأسلوب محاكاة
الإغراق وتسليم الأشخاص لدولهم واللجان العسكرية وتجميد الحق في مثول الأشخاص سريعاً أمام
المحكمة. وعلى الرغم من الانتخابات الرئاسية في عام 2000؛ فإن الحديث عن الديمقراطية يجري
على أرضية أكثر راحة وهدوءاً.
وهذا الفصل بين الديمقراطية والمعايير الدولية التي تعطيها معنى، يساعد على إقناع الأوتوقراطيين
بأن مجرد عقد الانتخابات بغض النظر عن الظروف المحيطة بها كافٍ لضمان الحصول على لقب
الديمقراطية. ورد بوش على الجنرال مشرف في نوفمبر/تشرين الثاني 2007 في إعلانه عن “حكم
الطوارئ” يعتبر مثالاً على المشكلة. فرُغم انقلاب مشرف الناجح واحتجازه لآلاف المعارضين
السياسيين، قال بوش إن مُشرف على نحو ما لم “يتجاوز الخط”. ولا يمكن لبوش أن يتباهى بسجل
مُشرف في حقوق الإنسان، فلجأ بدلاً من هذا إلى إعلان أن مُشرف “شخص يؤمن بالديمقراطية” وأن
باكستان “على طريق الديمقراطية”. لكن إذا كان، على النقيض من قانون حقوق الإنسان، “الطريق
إلى الديمقراطية” يسمح بحبس المعارضين السياسيين وفصل القضاة المستقلين وإسكات الصحافة
المستقلة، فمن السهل معرفة لماذا يشعر طغاة العالم بإغراء الاعتقاد بأنهم بدورهم يستحقون لقب
الديمقراطيين. ومن هؤلاء المُدعين غير المستحقين للقب زعماء كل من مصر وأثيوبيا وكازاخستان
ونيجيريا، الذين يلفون أنفسهم في عباءة الديمقراطية في ظل اعتراض دولي ضعيف، والنتيجة أن
يصبح مفهوم الديمقراطية رخيص السعر، وعنصر حقوق الإنسان الذي يشمله مُستبعد منفيّ.
ومما زاد من سوء الأوضاع أن جهود إدارة بوش لإضفاء العقلانية على غزو العراق، من حيث
تعزيز الديمقراطية، قد سهلت على الأوتوقراطيين اعتبار الضغوط عليهم بالتحول الديمقراطي بأنها

تنفيذ لمخطط استعماري عسكري. والمؤسف أن هذه الخطة الهزلية تجدي نفعاً في العادة، لأن غالبية
العالم اليوم يرى أي حملة تقودها واشنطن للديمقراطية هي مقدمة للغزو العسكري أو تغييراً للنظم،
إن لم تكن في حقيقتها وصفة ناجحة لبث الفوضى. وعرف الطغاة أن استحضار مشاهد من العراق
يمكن أن تكون وسيلة ناجعة لتخفيف الضغوط المُطالبة بالتحول الديمقراطي. والحكومات التي ربما
كانت تدافع عن رؤية أقوى للديمقراطية، تتردد في فعل هذا خشية اعتبار أنها تنضم لمخطط بوش.
والحكومات الأخرى أيضاً تعاملت مع الانتخابات الجوفاء على أنها عذر لاستئناف الأعمال مع
الطغاة الذين يستحقون الشجب وليس الشراكة. ومن الأمثلة الواضحة على هذا معاملة كازاخستان من
قبل منظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وهي هيئة مُشكلة من 56 حكومة من أوروبا ووسط آسيا
وكذلك الولايات المتحدة وكندا. ففي أغسطس/آب 2007 نظم الرئيس نور سلطان نزيربييف
انتخابات برلمانية وجدت منظمة الأمن ولتعاون الأوروبي أن 40 في المائة من مراكز الاقتراع التي
زارتها توجد فيها مشكلات تشوب التصويت. والنتيجة المتوقعة: ربح حزب نزيربييف كل مقاعد
مجلس النواب بنتيجة 88 %من الأصوات حسب المُعلن من نتائج، ودون أن يتعدى أي حزب
معارضة نسبة السبعة في المائة المطلوبة للتمثيل في الانتخابات. ووقع هذا التزوير على خلفية من
انتهاكات حقوق الإنسان المتفشية والمستمرة: فالمناصرون للحكومة يهيمنون على الإعلام الإذاعي
والتفزيوني، والصحفيون المستقلون مهددون ويتعرضون للتهديدات جراء انتقاد الرئيس أو الحكومة،
ويستمر التجريم الجنائي للقذف والتشهير، ويخاطر نشطاء المعارضة بالتعرض للسجن، ومنهم
أليبيك زومبييف، الذي يقضي حالياً حكماً بالسجن لخمسة أعوام جرّاء إهانة نزيربييف.
إلا أن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي زعمت أن الانتخابات “حركت كازاخستان للأمام في
تطورها تجاه التحول لدولة ديمقراطية”. وهذا التفكير الكمل مُصمم على ما يبدو لتفادي إبعاد
كازاخستان عن هدفها الذي تسعى إليه منذ زمن بعيد؛ لأن تكون أول دولة سوفيتية سابقة ترأس
منظمة الأمن والتعاون الأوروبي. ولانشغالها بقضايا الطاقة انضمت ألمانيا إلى روسيا في دعم هذا
الترشيح الذي جاء في غير محله. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وبريطانيا قادتا المعارضة،

فإنهما بدورهما تراجعتا في النهاية. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2007 منحت دول منظمة الأمن
والتعاون الأوروبي بالإجماع الرئاسة لكازاخستان في عام 2010 .وكازاخستان بدلاً من أن تضطر
لإظهار احترامها للديمقراطية ومعايير حقوق الإنسان التي تكمن في صميم منظمة الأمن والتعاون
الأوروبي، فلم تزد على التعهد بإجراء إصلاحات في الإعلام والانتخابات والتوقف عن محاولة
تقويض جهاز حقوق الإنسان بالمنظمة. وإسكات الديمقراطية على هذا النحو، في ظل القليل من
الاحتجاجات من الحكومات التي تعتبر الأجدر بالخدمة كرعاة للديمقراطية، سهلت على الزعماء
السلطويين من أمثال نزيربييف أن يرتدوا ثوب الديمقراطية ويتخلصوا من الضغوط لأجل مزيد من
إصلاحات حقوق الإنسان الأساسية.

لكينيث روث.

HUMAN RIGHTS WATCH- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate