اصلاح دينيالمرأة

نسوية الحداثة الإسلامية

تنظر الحركات الإسلامية والناشطات والداعيات الإسلاميات بوجه عام إلى مفهوم النسوية نظرة استهجان وازدراء؛ لأنهم ينظرون إلى النسويين كعلمانيين، بينما يعتقدون في المقابل بضرورة متابعة قضية حقوق المرأة عبر تطبيق الشرع الإسلامي بشكل كامل وشامل لكافة قضايا المجتمع، بما فيها قضية المرأة.

ففي دراسة أجراها مركز كارنيجي حول المرأة في الحركات الإسلامية، تبين له أن الناشطات في التيارات الإسلامية يتبنين رأيًا يؤكد على تكامل الأدوار بين الرجل والمرأة، ويرفضن رفضا تامًا فكرة اعتبارهن رأس الحربة في حركة نسوية توصف بالإسلامية، ويرين أن “الإسلام والنسوية مصطلحان متناقضان”، وكشفت تلك المقابلات عن رفض، وازدراء لمفهوم النسوية الغربية التي يفسرنها كحركة للتحرير النساء من كل القيود الاجتماعية، والواجبات تجاه الأسرة والمجتمع ما يؤدي إلى الفردية المفرطة والخروج عن تعاليم الإسلام.

تقول أميمة عبد اللطيف ومارينا أوتاوي: “والجدير بالذكر أن كل النساء اللواتي أجرينا معهن المقابلات هن ناشطات اكتسبن مراكز وشرعية واحترام ضمن الحركات التي ينتمين إليها، ومن هنا شعورهن بالقوة والثقة، بيد أنهن رفضن رفضًا تامًا فكرة اعتبارهن رأس الحربة في حركة نسوية إسلامية”.

ولا بد هنا من الإشارة إلى مقاربة ثالثة لحقوق المرأة في العالم الإسلامي، تختلف عن كل من مقاربة الغرب التقليدية ومحاولة الإسلاميين إنشاء مفهوم مختلف لحقوق المرأة مشتق من المبادئ الإسلامية، وهي تكمن في محاولة بعض منظمات المسلمات إظهار مواءمة المفهوم الغربي لحقوق المرأة مع الإسلام، علمًا بأن العديد من هذه المنظمات نشأت في الغرب وتتلقى تمويلاً منه، وهي غالبًا ما توجه نقدًا لاذعا للتاريخ الإسلامي وتفسيره السائد. كما تعتبر هذه المجموعات التوفيق بين المفهوم الغربي لحقوق المرأة وبين الإسلام مهمًا لأسباب عملية “فأي نسوية لا تبرر نفسها ضمن الإسلام محكومة بأن يرفضها باقي المجتمع، وهي بالتالي تهزم نفسها بنفسها.

في هذا السياق ظهر في بداية التسعينات ما اصطلح على تسميته بالنسوية الإسلامية. كبديل عن النموذج الغربي، يَصبغ نفسه بالصبغة الإسلامية، بدعوى (ذاتية مشكلات العالم الإسلامي والجذور الثقافية التي تنبثق عنها، بالإضافة إلى غلبة الاتجاهات النسوية الراديكالية على مجمل الحركة النسوية).

ولا يعرف على وجه التحديد متى نشأ مصطلح “النسوية الإسلامية” لكن هناك إشارات أنه ظهر في بداية التسعينات في تركيا، مع كتاب نوليفير غول «الحداثة الممنوعة»، عام 1991.

فمع بداية ظهور مصطلح تحرير المرأة الذي هيمن عليه في البداية قضايا؛ مثل الحجاب وتعدد الزوجات والعمل خارج المنزل، وما أعقبه من تطورات داخل الحركة النسوية من تبنيها لأيدلوجيات ذات مرجعية فلسفية تفرعت منه قضايا عديدة، مثل: الجندرة والتمكين والجنوسة وغيرها من المصطلحات، إضافة إلى ارتباط الحركة النسوية في العالم الإسلامي بمبادئ ورؤى النسوية الغربية. جعلها في مرمى نيران الوصف بالتبعية الاجتماعية والفكرية للغرب، أو إنها مشروعًا «كولونيالياً» تجب «مقاومته».

تقول زهراء علي: (أعتقد أن النسوية هي تطبيق للمساواة بين الأجناس وأداة لمفهوم يهدف إلى تفسير وملائمة الجنسية والظلم ضد المرأة، وهي ارتباط وعمل سياسي. وككل الحقائق السياسية عندما تفهم بطريقة جازمة أو دوغمائية، تملك النزعة لتصبح أداة أيديولوجية.عرفناها هكذا خلال الفترة الاستعمارية عندما كانت النسوية تستخدم لتساعد الهدف الاستعماري والسيطرة الغربية على الأراضي الإسلامية).

وهذا الاتجاه يرى الإسلاميون خطورته في كونه “ليس مجرد فكرة حول الحقوق الاجتماعية للمرأة بقدر ما أنه يدور حول فكرة الهوية نفسها”. بمعنى أن “الهوية الإسلامية مهددة هنا”. وبالمقابل يقلق النسويات العربيات؛ إذ يعني تراجع العلمانية والليبرالية واليسار أمام الإحيائيين ليصبح الإسلام هو الخطاب السائد. تقول “دلال البزري”: “ورثت النسوية الإسلامية كل مفاعيل اندفاعة النسوية الغربية لكنها تنكّرت لها، وقالت: إنه الإسلام”.

المنطلقات الفكرية لنسوية الحداثة الإسلامية:

ترى النسوية الإسلامية أن الرسالة الروحية للإسلام قد طُعنت. فبدل المساواة التي كان الدين ينادي بها، حوّل النظام الذكوري، الأبوي، هذه الرسالة إلى أداة لاضطهاد النساء. وبينما دعا الإسلام إلى تحرر النساء قامت «التقاليد الأبوية التمييزية» بمصادرته. والنسوية الإسلامية، ترى أن «الخطاب النظري» الإسلامي الذي يرى أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها ورفع قدرها هو خطاب «ضعيف في حجته (argumentation).

فقد قصر رسالة الإسلام على مسألة «الهندام»، و«أخطار الفتنة النسائية»، ومفاصل ووظائف ونتوءات الجسد النسائي.

وترى النسويات الإسلاميات أن القراءة الأبوية، التي سمحت بالعنف والتمييز ضدهن وليس الإسلام، بل القراءة الذكورية للإسلام هي التي تضطهدهن».

تقول زينب أنور المديرة التنفيذية لجماعة أخوات في الإسلام ـ وهي منظمة ماليزية تعمل من أجل حقوق المرأة في إطار العمل الإسلامي ـ: “في مجتمعاتنا الرجال يمتلكون السلطة، وهم يقررون ما ينبغي أن يعنيه الإسلام، وكيف يمكننا أن نطيع هذا المفهوم المعين في الإسلام”. وقالت: “القانون نفسه تقدمي لكن أولئك الرجال الذين يسيطرون عليه ليسوا كذلك”.

بل إن البعض طالب في ورشة عمل “النساء العربيات بين الإيمان الديني والعدالة الاجتماعية” التي انعقدت في القاهرة في العام 2005م.، بضرورة بلورة خطاب نسوي ديني يسعى إلى “أسلمة التمكين” و”أسلمة الجندر” وغيرها من مصطلحات الحركات النسائية التي تستخدمها للتعبير عن حقوق المرأة.

ولتأكيد فكرتهن حول المساواة المطلقة بين الجنسين ترجع النسويات الإسلاميات إلى مفهومي «العدالة» و«الخلافة» في القرآن، والمطلوبين من الجنسين.

تذكر الكاتبة (مارتينا سابرا) في مقال لها بعنوان: (مطلوب قراءة معاصرة للإسلام تقر بكينونة المرأة): (أن الطبيبة والكاتبة المغربية أسماء المرابط. قامت في عام 2004 بتأسيس مجموعة عمل لقضايا المرأة والحوار عبر الثقافات في الرباط. و قد أصبحت المبادرة الآن معروفة عبر العالم، إضافة إلى بعض الدول الغربية.

تنقل سابرا عن تلك المجموعة أنها تقوم بواسطة عدد من النساء، وكذلك بعدد من الرجال المهتمين بفحص القرآن الكريم بحثاً عن احتمالات المساواة فيه. تأسيسًا على أن التعاليم الإسلامية تتعاطف مع المرأة إلى حدود أبعد بكثير مما يعترف به بشكل عام.

وتضم المجموعة كذلك الحقوقية رشيدة آية حميش، وهي عضوة في حزب يساري علماني، وهي علمانية ومسلمة، وهو أمر لا يشكل تناقضاً بالنسبة لآية حميش. وتقول: إنها تستطيع تحقيق النواحي المختلفة لهويتها في المجموعة. تستطيع أن تكون المرأة مسلمة وأن تشعر بالحرية في الوقت نفسه. تستطيع اعتناق القيم الإنسانية العالمية التي أنزلها الإسلام ورؤيتها كحالة من حالات إعادة قراءة القرآن الكريم.).

ووفقًا لمنظور النسوية الإسلامية فإن المرأة تعاني من وضع قاتم في كل الدول الإسلامية والعربية، وأن هناك حاجة لمزيد من التقدير للمرأة في الإسلام. وهذا يعني إعادة قراءة النصوص وتحديد تفسيرات سابقة على حقيقتها بعيدًا عن الذكورية والمجتمع الأبوي.

وترى أماني صالح أن إنصاف المرأة يتمحور حول تفكيك التاريخ البشري عن النصوص الإسلامية التأسيسية.

أما مُؤسِسَات “المبادرة النسائية الإسلامية للروحانية والمساواة” المعروفة اختصارًا بـ”وايز” فقد دفعتهم تلك الفكرة إلى الدعوة لإنشاء مجلس نسائي لتفسير القرآن الكريم، معتبرات أن هذا التفسير النسوي خطوة على طريق تحسين صورة الإسلام في الغرب! حيث يرين أن (أحكام الشريعة الصارمة ليست سماوية؛ لأن الرجال هم الذين صاغوها، وينبغي تغييرها لكي تشمل حقوق المرأة).

وترى النسويات الإسلاميات أن الدين أي دين ليس كما هو شائع، مصدر اضطهاد للنساء، ودليلهن على ذلك استمرار اضطهاد المرأة الغربية. فمع أن المرأة الغربية تحللت من النظم الدينية المسيحية، مصدر الاضطهاد، أو أرادت لنفسها أن تتحرر ومع ذلك ما زال هناك اضطهاد للنساء في الغرب، وإلى الآن لم تحل مسألة المساواة بين الجنسين. ولم تبلغ المرأة الغربية بعد تحررها النموذجي الذي انصبت عليه وانتظرته.

فالمشكلة تكمن في سيطرة السلطة الذكورية على فهم النصوص الدينية وتطبيقها في الواقع، واستمداد السلطة في السيطرة على المرأة وهضم حقوقها من الرؤية الذكورية للدين، وليس من الدين نفسه.

الخاتمة:

لقد مرت معظم بلداننا الإسلامية بفترة ليست بالقصيرة من العهود الاستعمارية الغربية، كانت لها تأثيراتها ليس على صعيد العسكري أو المادي فقط، بل تجاوزت تلك التأثيرات إلى مجالات الهوية الثقافية بتفرعاتها التاريخية واللغوية، ومجالات الاقتصاد والاجتماع. ثم بعد الاستقلال من نير الاحتلال الغربي العسكري ظهرت الموجة الثانية من الاستعمار وهو ما اصطلح على تسميته بالغزو الفكري أو الثقافي تعبيرًا عن تلك الحالة من التبعية الفكرية والثقافية للغرب، رغم التخلص الظاهر من الوجود العسكري.

أعقب ذلك موجة ثالثة من الحرب على الإسلام، وهي حرب تستهدف تطويع الإسلام وقيمه ومفاهيمه بحيث يتلاءم ومفاهيم وقيم الحضارة الغربية، بدأت هذه الموجة بشكل جلي بعد وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001 حيث أدارت النخبة السياسية ووسائل الإعلام الغربية بعدها حربًا متعددة المستويات والأهداف والوسائل. وإذا كان هدف هذه الحرب المعلن هو القضاء على “الإرهاب”، إلا أنها ومن الناحية الواقعية كانت حربًا مباشرة على الإسلام انصبت على محاولة التدخل في البنى العقدية والفكرية والقيمية، من أجل تغييرها وتطويعها للمفاهيم والأهداف الغربية.

الإسلام الجديد:

أنا أصوم طبعاً، وهذا جزء من ديانتي لأني أريد أن أكون محترمة”. كانت هذه هي إجابة سؤال وجه لريما الفقيه، طرحه عليها الصحافي نيراج واريكو. من موقع “فري برس” الأمريكي الإخباري، عبر الهاتف.

ريما فقيه، اللبنانية الأصل التي فازت بلقب ملكة جمال الولايات المتحدة وصف شقيقها “ربيع” صيامها بأنه من باب الواجب الديني، ولا يتناقض مع مشاركتها بالمسابقة، “كما أن الصيام يضفي على الإنسان جمالاً روحياً”. تلك المسابقة التي تتطلب أن تتعرى المتسابقات فيها أمام فريق التحكيم بشكل شبه كامل.

هذا المشهد شديد الرمزية الذي يجمع بين المتناقضات، يشير بدلالة مركزة إلى نموذج المسلم المتعايش مع الحضارة الغربية ـ بالمفهوم الغربي ـ بكل قيمها ومفاهيمها.

فعندما تقول ريما فقيه: إنها متمسكة بدينها وتقوم بواجب الصوم الذي يزيدها بهاءً وجمالا، فمن الواجب أن نصدقها، لأننا في نهاية المطاف أمام مجرد صورة. وليس مطلوبا منا سبر أعماق تلك الصورة أو الكشف عن نواياها. وريما فقيه ليست بعيدة في قناعتها عن أفكار أمينة داوود ذات الأصول الإفريقية والتي أصبحت الآن أمريكية، تلك السيدة التي دعت لإمامة المرأة للصلاة في المساجد، وأمّت فعلاً الصلاة منذ بضع سنوات في كنيسة سان جونز في واشنطن.

إذن فريما الفقيه تمثل الطبعة الجديدة من الإسلام الذي تريده أمريكا، الإسلام الجديد الذي تستطيع من خلاله المسلمة أن توائم في ضميرها، بين إسلامها وشبه عريها أمام المصورين.

مثلها مثل أمينة داود والكثير من المحجبات اللواتي يتبرجن ويلبسن البنطلون الضيّق. أو محجبات أخريات يخضن معارك رجالية في العمل أو السياسة.

والقضية هنا ليست قضية انحراف سلوكي يقع به بعض المسلمين، لكن القضية الأهم هو أن يُدَّعى أن هذا الانحراف السلوكي لا يتناقض مع الإسلام وأن بوسع المسلم أن يتماهى مع المجتمع الغربي ومفاهيمه والتي تحترم الشذوذ وتقدس العري دون أن يفقد إسلامه أو حتى يشعر بتأنيب الضمير.

وليس المستهدف بالإسلام الجديد عقول المسلمين العاديين فقط، بل أيضًا هناك محاولة لاختراق الخطاب الدعوي الإسلامي نفسه، فالمتابع لواقع المواقف والأطروحات الغربية في تعاملها مع الإسلاميين يستطيع أن يرصد سعيها نحو تطوير خطاب إسلامي يكون مطابقًا للمواصفات الغربية، بأن يؤيد الديمقراطية الليبرالية بوصفها معيارًا أعلى، ويؤيد قيم الحرية الفردية، وحقوق الإنسان الفرد المستقل عن أي مجموع أو كيان جماعي، “فالمواصفة الأساسية المطلوبة من الخطاب الإسلامي المعتمد غربيا، هو أن يجعل الإسلام دينا فرديا، ليس له علاقة بالمجال العام أو النظام العام أو الدولة أو الدستور أو القانون. وبهذا يصبح الخطاب الإسلامي الجديد، قابلا للتعايش مع الهيمنة الغربية”.

هذه إذا هي الوصفة الغربية الجديدة في حربه على الإسلام، وهنا تلعب الحركة النسوية وتفريعاتها الفكرية والثقافية، دورها في تغيير القيم الإسلامية وخلخلتها بإلباسها ثوبا إسلاميا. وهذا هو ممكن الخطر ومرد التحذير.

لها أون لاين- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate