حداثة و ديمقراطية

كيف أدى الاضطراب السياسي إلى سقوط الحكومات في كوسوفو؟

ربريم إيسوفي يتوجه مواطنو كوسوفو في السادس من أكتوبر المقبل إلى صناديق الاقتراع لانتخاب برلمان جديد. وهي الانتخابات البرلمانية الخامسة في كوسوفو خلال الاثني عشر عامًا الماضية. رغم أن الانتخابات البرلمانية تجرى كل أربع سنوات، فإن أيًّا من البرلمانات الأربعة الأخيرة لم يتمكن من إكمال فترة ولايته كاملة. شركاء الائتلاف غير المتوافقين يقول “آدم بيه”، أستاذ العلوم السياسية بجامعة برشتينا، إن عدم استدامة حكومات كوسوفو يرجع إلى النظام الانتخابي بالبلاد في المقام الأول. فالديمقراطية عملية برلمانية متزامنة، وقد صممت للحفاظ على التعددية وضمان التنوع العرقي، وكذلك ضمان تمثيل المرأة في النظام السياسي، ما يعني أن الحكومات ينبغي أن تكون ائتلافات بالضرورة. أمَّا النظام الحالي فلا يسمح لأي حزب بالحكم منفردًا، وهو أمر جيد؛ إذ عادة ما يتم تأسيس الحكومات على أساس ائتلافي، سواء كانت قبل الانتخابات أو بعدها. لكن هذا يعني أيضًا أن الحكومة قد تمَّ تشكيلها بالتوافق مع أحزاب أخرى لا يجمعها أي شيء مشترك فيما يتعلق بالبرامج السياسية. ولمَّا كان استقرار الحكومة يعتمد على شركاء الائتلاف، فإنه كلما زاد عدد الشركاء كانت الحكومة غير مستقرة. وهو ما يعني أن عملية صنع القرار في الأنظمة التمثيلية تبدو أكثر تعقيدًا بسبب صعوبة مواءمة المواقف بين الشركاء من أجل اتخاذ قرار سريع وفعَّال أثناء مشاركتهم في الحكومة. وكما يذهب “أغرون هليتاج”، الصحفي المتخصص في شؤون كوسوفو، فإن الإخفاق المتوالي للحكومات في استكمال شروطها بالكامل لا يرجع إلى عدم نضج الأحزاب السياسية، إذ يعتقد أن لديهم خبرة في الأداء المؤسسي للعمليات الانتخابية في فترة ما قبل الاستقلال عندما كانت كوسوفو تدار من قِبَل الأمم المتحدة. فالإخفاق الحكومي يرجع في المقام الأول إلى التحالفات غير المبدئية والاعتماد على حزب “صرب كوسوفو” المدعوم من بلغراد، للدفع من أجل تغيير الظروف السياسية. وكان قد تمَّ تجميد الحزب رغم كونه جزءًا من الحكومة رسميًا، وذلك بعد أن فرضت السلطات في كوسوفو تعريفات جمركية بنسبة 100% على السلع في صربيا في نوفمبر عام 2018. تاريخ الحكومات الساقطة وتتشكل الحكومة من كلٌّ من “الحزب الديمقراطي الكوسوفي”، وحزب “الرابطة الديمقراطية لكوسوفو”، كأحزابٍ رئيسية في الائتلاف الحكومي بعد إعلان استقلال كوسوفو في فبراير 2008، حيث لم تتغلب عليهما كتلة المعارضة الضعيفة في الأشهر الأولى من حكمها. فقبل شهرين من إعلان الاستقلال، وقّع عن هذه الأحزاب، “هاشم ثاتشي” و”فاتمير سيديو”، اتفاقًا ائتلافيًا، يتولى “ثاتشي” بموجبه منصب رئيس الوزراء بعد ثلاث سنوات في المعارضة، بينما يتولى رئيس حزب “الرابطة الديمقراطية لكوسوفو” منصب الرئيس. ومع ذلك، ففي سبتمبر 2010، قضى قرار المحكمة الدستورية بأن “سيديو” لا يمكن أن يشغل في وقت واحد المنصب الرئاسي ورئاسة حزبه. وبعد انتخابه رئيسًا عام 2008، جمَّد “سيديو” مهامه الحزبية، لكن المحكمة قضت بأن ذلك لم يكن كافيًا. وفي خطاب متلفز مباشرة بعد نشر الحكم، قال “سيديو” إنه لم يخالف الدستور، لكنه يحترم قرار المحكمة. وقد استقال من الرئاسة، واختار البقاء كزعيم للحزب الرابطة الديمقراطية. وبعد شهر، فقد مكانته في الحزب في الانتخابات الحزبية أمام مستشاره السابق، عيسى مصطفى. وقال إن للتحالف مهمة واضحة في الأيام الأولى بعد إعلان الاستقلال. ذلك أن هذا التحالف تأسس لمهمة تسهيل إدارة عملية بناء الدولة بعد إعلان الاستقلال، لكن الحزب الديمقراطيى كان أكثر اهتمامًا بالائتلاف قدر الإمكان من أجل ضمان الفوز في الانتخابات المقبلة. لقد كانت حكومة “ثاتشي” الثانية التي استمرت بين عامي 2010 و2014 في طريقها نحو النهاية في مايو 2014 عندما وصل المشهد السياسي في كوسوفو لطريقٍ مسدودٍ بسبب اقتراح كان من شأنه أن يعزز تحول قوة أمن كوسوفو شبه العسكرية إلى جيش نظامي. وفي المقابل، فإن أحزاب الأقليات، مثل تلك التي تمثل الصرب التي عارضت إنشاء جيش كوسوفو، ستواصل السعي للحصول على مقاعد مخصصة في البرلمان؛ فقد أتاح دستور كوسوفو، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو 2008، فرصًا متميزة للأحزاب التي تمثل طوائف الأقليات بـ20 مقعدًا محجوزًا، بالإضافة إلى تلك التي يمكنهم الفوز بها من خلال التصويت المباشر. لكن أحزاب المعارضة لم تؤيد الاقتراح، مما يشير إلى أنه سيكون كافيًا لأحزاب الأقليات أن يكون لها 20 مقعدًا مضمونًا. وفي الوقت نفسه، قال ممثلو الأقلية الصربية إنهم سيمتنعون عن التصويت على قانون القوات المسلحة إذا لم يتم ضمان المقاعد المخصصة لهم في البرلمان لمدة أربع سنوات أخرى. وبعد أيام من المناقشات، قدّم “ثاتشي” اقتراحًا بحل البرلمان في مايو. وقال “ثاتشي” للصحفيين قبل يوم من تصويت نواب كوسوفو على حل البرلمان قبل ستة أشهر من انتهاء ولايته إنه “لا معنى لوجود برلمان لا يمكن أن ينشئ جيشه”. وفي هذا يقول “هليتاج” إن الحكومة التي استمرت بين عامي 2010 و2014 كانت “الأكثر هشاشة” في كوسوفو على الإطلاق بسبب افتقارها إلى الدعم البرلماني. وبعد الانتخابات البرلمانية في يونيو 2014، استغرقت الأحزاب السياسية في كوسوفو أكثر من ستة أشهر لتشكيل الحكومة الائتلافية؛ وذلك نتيجة التصويت المنقسم وتردد الأحزاب الأخرى بشأن الانضمام إلى الحزب الديمقراطي في ائتلاف مع حكم المحكمة الدستورية بأن الحزب الذي فاز بأكبر عدد من الأصوات، وهو حزب الرابطة الديمقراطية لكوسوفو، كان له الحق الوحيد في ترشيح مرشح لمنصب رئيس الوزراء. ومع ذلك، لم تحدد المحكمة الطريقة التي ينبغي أن يسير بها البرلمان إذا فشلت أكبر مجموعة برلمانية في انتخاب رئيس. وقد سمح ذلك لـ”ثاتشي” من الحزب الديمقراطي لكوسوفو بمواصلة المشكلة حتى تعرض الحزب الديمقراطي للضغط وقبول الشروط التي جعلت عيسى مصطفى يصبح رئيسًا للوزراء واحتفاظه برئاسة الحزب بعد انتهاء ولاية “أتيفيت جاهاجا” الحالية في أبريل 2016. لكن في عام 2017، انزلق الائتلاف نحو مشاكل خطيرة. لقد أصرَّ الرئيس الجديد لحزب الرابطة الديمقراطية، “قادري فيسيلي”، على أن عيسى مصطفى غير مهيأ لاتخاذ “قرارات مهمة”، وذلك في إشارة إلى اتفاق مثير للجدل، يتعلق بالحدود مع الجبل الأسود من شأنه أن يحرم كوسوفو من أكثر من 8000 هكتار من أراضيها. وقد تمَّ توقيع الاتفاق في أغسطس 2015، لكن حكومة مصطفى لم تصدّق عليه في البرلمان. كما واجه الائتلاف الحاكم انتقادات مريرة داخل وخارج البرلمان، حيث لجأ نواب المعارضة إلى تفجير الخلافات الحادة داخل المجلس التشريعي من أجل تعطيله. إلى أن تمَّ حل هذا البرلمان المضطرب في مايو 2017. بعد الانتخابات اللاحقة التي أجريت في عام 2017، أصبح “راموش هاراديناي”، زعيم التحالف من أجل مستقبل كوسوفو، بشكل غير متوقع المرشح الأول لمنصب رئيس الوزراء بعد اتفاق مع الحزب الديمقراطي بكوسوفو. وبعد حصوله على 34% فقط من الأصوات، تمكن ائتلاف الأحزاب الثلاثة بقيادة قادة جيش تحرير كوسوفو السابقين، “قادري فيسيلي” (PDK)، و”راموش هاراديناي” (AAK) و”فاتمير ليماجي” من حزب “المبادرة الاجتماعية الديمقراطية” NISMA من الفوز برئاسة الوزراء، لكنه لم يتمكن من الحصول على أغلبية 61 صوتًا في البرلمان المؤلف من 120 مقعدًا. وبعد نحو ثلاثة أشهر من الانتخابات، تمَّ التصويت على الحكومة بفارق ضئيل من جانب البرلمان بدعم من ممثلي الأقليات العرقية. ومع ذلك، فقد كان الائتلاف يفتقر إلى الدعم خلال معظم الفترة التي كان فيها بالسلطة والتي استمرت 22 شهرًا. ونتيجة لذلك، فشلت العديد من مبادراتها التشريعية بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني اللازم لوجودها في البرلمان. وفي شهر يوليو من هذا العام، فاجأ “راموش هاراديناي” الجميع عندما أعلن استقالته من منصبه بعد استدعائه للاستجواب كمشتبه به من قِبَل مكتب الادعاء العام في لاهاي، الذي يحقق في جرائم حرب وما بعد الحرب في كوسوفو. وفي 22 أغسطس، صوّت البرلمان على حله، وبعد أربعة أيام أعلن الرئيس “ثاتشي” في السادس من أكتوبر دعوته لإجراء انتخابات مبكرة جديدة. عقدٌ من الحكم السيئ ينطوي النظام السياسي في كوسوفو على الكثير من التعقيدات، فقد أنتجت الانتخابات التي أجريت في 2014 و2017 ائتلافات حكومية كبيرة تضم أكثر من 20 حزبًا، لكن صاحبها العديد من الفضائح. إلا أنه مع تجاهل هذه المسألة، فإن الوضع في كوسوفو من شأنه أن يزداد تعقيدًا نتيجة الائتلافات السياسية التي تقوم على حسابات سياسية لا تستند إلى برامج حكومية أو أيديولوجيات سياسية. إلا أن عدم استمرار حكومات كوسوفو لا يجعل البلاد بالضرورة أقل ديمقراطية. فالحكومات بعد الحرب لم تدم طويلاً، ويرجع ذلك إلى تاريخ القرارات السيئة التي كانت تتخذ من جانب الحكومات المتعاقبة التي أثرت بالسلب على البلاد. فعندما يكون هناك قرار سيئ لفترة طويلة من قبل حكومة طويلة الأجل، يتم تقصير عمر حكومة منتخبة ديمقراطيًا في بلد ما، وهو ما حدث بالتحديد في كوسوفو منذ إعلان الاستقلال.

مركز سمت للدراسات- موقع حزب الحداثة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate