كيف نفهم تلك الظاهرة التي تنتمي الى الاستثناء : المرأة المستبدة في مجتمع ذكوري ..افتتاحية حزب الحداثة و الديمقراطية
في مجتمع ذكوري ، يقمع المرأة و يقهرها ، يسلبها حقوقها وكرامتها يشيئها و يسلعها ، ثمة اوضاع استثنائية يتغير فيها هذا الحال ، وتتحول بموجبه المرأة الى موقع استبدادي نادرا ما يكون ،الا أنه يحصل على الرغم من وجود عوامل قيمية و سمات ثقافية تتعارض معه ، هذا المقال / التقرير لا يغير من حقيقة ان المجتمع في بلادنا ذكوري ومنتهك لحقوق المرأة على طول الخط ، و لا يغير من ضرورة النضال من أجل تغييره ، علي كافة الصعد ، الا انه يقول أن العنف و النزوع نحو الاستبداد هي في الحقيقة صفات بشرية انتروبولوجية ، و أن كل من تتوفر لديه عوامل تسمح له بممارستها و حيازتها ،سيفعل ذكرا كان ام أنثى ، و ان دفاعنا نحن الحداثيين الديمقراطيين عن حقوق المرأة و نزوعنا نحو دعم النسوية الفكرية و العملية هو نزوع مبدئي وواع ، لا يملئك الضحية ولا يؤبلس الجلاد ، و انما يعيد مختلف الظواهر و السمات السائدة في المجتمع الي ابعاد ثقافية تاريخية ، يعمل علي تعريتها و تفكيكها و من ثم المساهمة في حلها :
اليكم المقال /التقرير الذي نعرضه في سياق المقدمة أعلاه
المستبدة ظاهرة حقيقية في الواقع، ويمكن العثور عليها بسهولة في اي مجتمع، ومن يبحث جيدا يكتشف ‘جيشا’ من المستجدات.
في كل مجتمع تبرز عناصر وانواع من البشر يمكن الدلالة عليها فورا، يمكن الدلالة على المحتال والسارق والدجال والمتسلط والمهذب والآدمي والذكي، ولا يحتاج الامر الى جهد كي نعثر على هذه الصفات عند اشخاص يعيشون في اي مجتمع، والمجتمع وحده تلقائيا يدلنا على نوعية هذه الاشخاص. هذا امر واقع وقائم في اغلب المجتمعات ان لم تكن كلها.
والمرأة المستبدة يمكن معرفتها فورا، وهي تدل على نفسها قبل ان نبحث عنها، هكذا علمتنا التجارب والايام والحياة بشكل عام.
ماذا يعني ان تكون المرأة مستبدة؟
سؤال بسيط لكنه يحمل الكثير من الاجوبة، واذا ما حاولنا الاجابة نكتشف الكثير من ‘مخبئات’ يمارسن التسلط في نواح كثيرة.
زوجة مستبدة
محسنة. غ متزوجة ولها تسعة اولاد، تمارس حكم ‘الطاغية’ على زوجها، ومن يرى زوجها بشخصيته الهزيلة وقامته الضعيفة يكتشف حكم محسنة وقدرتها على ‘الفتك’ بشخصية زوجها.
محسنة معروفة لدى ابناء بلدتها انها ‘اخت الرجال’ ومن يتفحص قامتها يلاحظ علامات الرجولة في شخصيتها، وبعد مرور سنوات الزهو بدأت تبرز عليها اكثر علامات الرجولة.
يقول احد المقربين من محسنة انها لا تتردد في ضرب زوجها حين لا يعطيها، وزوجها مسكين يتحمل كل ما يصدر عن زوجته، فلا حول له ولا قوة (…)، مرة شعر الزوج بغضب شديد من زوجته وقرر ان يطلقها، وسرعان ما تغير الرجل وتراجع عن قراره، اذ ان زوجته وجهت اليه عدة لكمات قاسية كانت كافية لإقناعه بضعفه وسقوطه في الامتحان الصعب.
اولاد محسنة يلاحظون تفوق الام على الاب ‘لكنه ليس تفوقا بقدر ما هو تسلط واحتكار للسلطة واعتداء على الاب’.
محسنة هي الآمرة والناهية في كل شاردة وواردة في المنزل، وزوجها ليس امامه سوى الطاعة.
أم متسلطة
سلوى. ع تعيش مع زوجها واولادها بسلام، وهي لا تستعمل العنف مع زوجها لكنها تتحكم في كل ما يدور بين جدران المنزل، زوجها مجبر على تقديم مرتبه لها في نهاية كل شهر، وهي التي تتحكم بمصروف البيت، ولا تسمح لأولادها بفعل اي شيء الا بعد ‘قناعة’ تهبط عليها، منعت ابنها البكر من الزواج من زميلته لأنها حسب الام ‘ليست قد المقام’، اصرت على طلاق ابنتها من زوجها لأنها لم تنجب منه اطفالا.
ربة بيت ديكتاتورة
صفية .خ معروفة في بلدتها انها هي الرجل في البيت وزوجها سلم ‘الراية’ منذ البداية. فبعد مرور اكثر من عشر سنوات زواج يعترف الزوج انه مثل ‘خيال صحرا’ في البيت، ‘كل شيء يدور في المنزل بإدارة زوجتي’.
على رغم هذا الواقع يتلفظ الزوج بكلمات قد تبدو مريحة له: ‘صحيح ان زوجتي تمارس سلطة زائدة في المنزل، ولكن ثمة في الامر ما هو مفيد لي’، ويختصر هذه الفائدة بالقول: ‘حين تقوم زوجتي بإدارة كل امور البيت والاولاد فهذا ما يجعلني ارتاح، حمل ونزل عن ظهري’.
صفية عصبية جدا ولا شيء يمنعها من تكسير اي شيء اذا وجدت نفسها في وضع صعب، اي اذا احست ان احدا في المنزل يسعى لفعل شيء لا يناسب افكارها وتطلعاتها السلطوية.
رأي علم: النفس المرأة المستبدة
المحلل النفسي نزيه عيتاني يعتبر المرأة المستبدة حالة صعبة في المجتمع ويجب الحد من سيطرتها ‘كي لا تخرب العائلة’، ويقول عيتاني: ‘هناك انواع كثيرة من النساء اللواتي يمارسن التسلط: ‘الزوجة، والاخت، والمديرة، والمسؤولة.. انواع كثيرة يفرزها المجتمع، وتصب كلها في خانة الاستبداد والتسلط’.
الزوجة المستبدة يقول عيتاني ‘هي المرأة الاصعب في المجتمع، وتمثل خطرا على عائلتها، اذا كان استبدادها ضاريا مثل محسنة ‘هذا النوع من النساء يتصرف بدافع الغريزة ونحن نسمي هذه الحالة غريزة الجهل المتجذرة بالجهل’.
هذا النوع من النساء لا يعطي للعقل اي فرصة لتفسير ما يجري حوله، وهذا نابع من اساس متخلف له علاقة بالنشأة والتربية، وهذا النوع ايضا يتصرف بدافع ردة الفعل على امر ‘يعشش’ في داخله. بمعنى ان هذه السيدة او تلك التي تشبه محسنة تكون في الاصل، غير راضية على ذاتها، شكلا ومضمونا، وكي ترد الاعتبار الى نفسها تلجأ الى ممارسة التسلط، ولا يهمها على من تتسلط: زوجها او ابنها او ابنتها او جارها، او.. المهم انها تنفس احتقانا عنيفا يعتمل في ذاتها.
لإسماعيل فقيه
القبس- موقع حزب الحداثة و الديمقراطية.