حداثة و ديمقراطية

الفيروس الذي أيقظ العولمة.

هناك الكثير من الجدل حول ما ستكون عليه العولمة في مرحلة ما بعد وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فثمة من يقول إن هذا الوباء سينتج عالماً أقل عولمة، وفي المقابل، يذهب آخرون إلى القول إن عالم ما بعد «كورونا» سيكون أكثر عولمة.

أدى تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) إلى إعادة النظر في الكثير من الأفكار والنظريات السياسية، ومنها تلك الخاصة بظاهرة العولمة التي غزت العالم بشكل كبير منذ نهاية عصر الحرب الباردة. وفي هذا السياق يمكن الحديث عن اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول: يرى أنصار هذا الاتجاه أن عالم ما بعد «كورونا» سيكون أكثر عولمة، بمعنى أن العالم سيشهد المزيد من الانفتاح والتعاون والكثير من تداعي المفاهيم التقليدية للسيادة الوطنية والحدود السياسية، حيث إن وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) قد اجتاح دول العالم جميعها من دون أدنى اعتبار لهذه الحدود، وهذا الأمر يحتم المزيد من التعاون والتكاتف الدولي لمواجهة مثل هذه الأوبئة وغيرها من الأزمات والقضايا التي تؤثر في الدول قاطبة، وتتطلب عملية مواجهتها ضرورة التعاون الدولي. والحاصل أنه حتى لو رغبنا في الحد من طغيان ظاهرة العولمة، فإن هذا الأمر لم يعد ممكناً، وفي ظل هذه الحقيقة يجب تحشيد الجهود على الصعيد العالمي، وتقوية هيكل النظام الدولي وتفعيل مؤسساته ومنظماته المختلفة حتى يمكن من خلالها التصدي لمثل هذه الأزمات.
الاتجاه الثاني: يذهب أنصار هذا الاتجاه في طريق مضاد تماماً، حيث يؤكدون أن عالم ما بعد «كورونا» سيكون أقل عولمة، وحجتهم في ذلك، أن الانفتاح الذي يعيشه العالم حالياً والقضاء على هيبة الحدود السياسية قد أديا إلى نشر وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، بهذا الشكل، ويقول أتباع هذا الاتجاه إن هذا الوباء كان يمكن أن يظل في البؤرة التي نشأ فيها ولا ينتقل إلى مناطق العالم المختلفة، لو لم نكن نعيش هذه العولمة، ويمثل الشعبويون أبرز من يتبنون هذا الاتجاه، ويقولون إن انتشار هذا الوباء يؤكد صحة أفكارهم التي تتمحور حول الانكفاء. ويبدو أنصار هذا الاتجاه سعداء بما تم من غلق للحدود وتحول العالم إلى جزر منعزلة لتأكيد صحة موقفهم.


والحاصل، أنه من المبكر للغاية الحديث عن عالم ما بعد «كورونا»، وعن التأثيرات التي سيفرزها هذا الوباء على ظاهرة العولمة، فنحن ما زلنا في المرحلة الأولى من انتشار هذا الوباء، ولا يعلم أحد هل سيتم القضاء عليه خلال هذه المرحلة أم أنه سينتقل إلى مرحلة ثانية أشد ضراوة. وهذه التأثيرات مرتبطة، بالحصيلة النهائية لما سيفرزه هذا الوباء، ولعله من نافلة القول أن نذكر أن تلك التأثيرات كلما كانت محدودة، فإن عالم ما بعد «كورونا» لن يتأثر كثيراً والعكس صحيح.


وعلى الرغم من غموض صورة العولمة في عالم ما بعد «كورونا»، فإنه يمكن القول إن هذا العالم لن يكون أقل عولمة كما يرى ويرغب في ذلك الشعبويون، فالعولمة ستستمر، ولن يمكن محاصرتها في ظل طغيان ثورة الاتصالات والمعلومات التي يشهدها العالم من خلال الثورة الصناعية الرابعة، والأهم أنه لا يجب محاصرتها، حيث إن المزيد من التشابك في المصالح الدولية، يفرض المزيد من التعاون الدولي لمواجهة الكثير من القضايا التي لا يمكن مواجهتها بشكل فردي، ومن هذه القضايا تلك الخاصة بالبيئة بشكل عام والتغير المناخي بشكل خاص. بيد أن المطلوب في هذا السياق، هو إعادة النظر في كيفية تعزيز الفرص التي تتيحها العولمة، بحيث تصب هذه الفرص في مصلحة كل الدول، وليس لصالح فئة قليلة فقط، وفي الوقت نفسه تعزيز أدوات التصدي للتحديات التي أفرزتها العولمة، حيث إن جائحة «كورونا» قد كشفت عن هشاشة النظام العالمي، وعجزه أمام قضايا الصحة والسلامة.

مركز الإمارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية- موقع حزب الحداثة و الديمقراطية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate