حداثة و ديمقراطية

عزوف الشباب عن السياسة المغرب نموذجا.

ارتبط ظهور مفهوم الأحزاب السياسية بمفهوم الديموقراطية بشكل عام، إذ تعتبر الأحزاب السياسية المؤشر الرئيسي على وجود الديموقراطية التي لا يمكنها أن تستمر دون أحزاب سياسية فاعلة، و كما هو معلوم لدى الجميع أن الحزب هو تنظيم سياسي لجماعات أو أفراد تربطهم مصالح ومبادئ وتصورات مشتركة، منظم بقوانين يكفلها الدستور، يتحدد دوره في العمل على تحقيق أهداف تصب في الصالح العام اعتمادا على وسائل و آليات دستورية مقننة و مشروعة، ثم تأطير المواطنين والمواطنات قصد خلق وعي سياسي بضرورة المشاركة في الحياة السياسية بعيدا عن أي تنظيمات مشبوهة وذلك في إطار قانوني مصرح به، بالإضافة إلى تقديم مساعدات اجتماعية لعموم المواطنين وكذا حمل لواء الدفاع عن الشغيلة في مختلف القطاعات والمجالات، ثم العمل على تطوير وسائل وآليات لبلورة أنشطة ثقافية ورياضية وفنية مع تقديم خدمات مجتمعية أخرى عديدة.

فما موقع الأحزاب السياسية من استقطاب الشباب للمشاركة في الحياة السياسية؟

لقد أصبحت اليوم الأحزاب السياسية تشغل حيزا كبيرا في الحياة العامة داخل المجتمع، إذ تعد العنصر الأساسي في النظام الديموقراطي ومؤسسة من مؤسساته، لما لها من دور مهم في بناء الدولة الحديثة و إرساء قيم المواطنة والحرية، وقد ارتبط العمل السياسي بالأحزاب السياسية باعتباره حقلا حيويا يأخذ على عاتقه العناية بمسائل تدبير جل الأمور المتعلقة بحياة المواطنين الإجتماعية مع ضمان احترام حقوق المواطنين في شتى مناحي الحياة. لذا كان لزاما على الأحزاب السياسية باعتبارها هيئة بمعية هيئات سياسية أخرى تسهيل و تمكين المواطنين من الاندماج في الحياة السياسية وخاصة الشباب منهم الذين يشكلون نسبة تجاوزت 65 %من مجموع سكان المغرب وعليه تبلغ نسبة العازفين عن العمل السياسي أزيد من 70%، حسب إحصاءات المندوبية السامية للتخطيط، وإن العديد من الشباب إن لم أقل معظمهم مروا و لازالوا يمرون بحالة من الإحباط يتخللها فقدان للثقة وعدم الاهتمام، عندما باتت كلمة “حزب” ترتبط عندهم بمفهوم اللاديموقراطية والهوس بالسلطة فقط، ما جعل جلنا من الشباب يركن إلى التسليم بالأمر الواقع، والاكتفاء على غرار جميع الشباب بالمراقبة عن بعد بتذمر ودون تدخل أو تفاعل ملحوظ، ما شكل عقدا وولد يأسا وأدى إلى سخط عارم بين جل فئات المجتمع المغربي، تزامن ذلك مع عدم تهيئة الأحزاب السياسية لبيئة سياسية مشجعة على العمل الحزبي، هذا ولازالت هذه الثقافة متجذرة في أوساط الشباب على شاكلتي، وثقافة أخرى متعلقة بالخوف من العواقب الأمنية لاسيما عند الطامحين والراغبين في الولوج إلى أسلاك الجهاز الأمني على سبيل المثال، أي أن قبول المترشح رهين بعدم ثبوت انتماء سابق له إلى أي حزب سياسي أو جمعية حقوقية ما، الأمر الذي يؤدي بشريحة واسعة من الشباب إلى عدم التفكير حتى في الانخراط والانتساب لحزب سياسي معين، وذلك في ظل غياب أي خطاب فكري حزبي واضح المعالم قادر على حث الشباب على الانضمام، وأن العمل الحزبي ليس حكرا على أحد، بل حق جميع المواطنين؛ (إقليم تاونات أنموذجا) وعلى تغيير النظرة التشاؤمية للشباب حيال المشاركة السياسية والعمل السياسي وإعادة إحياء اهتمام المواطن بشؤون البلد الذي ينتمي إليه، وهو ما أشار إليه عاهل البلاد محمد السادس بمناسبة الذكرى 19 لتربعه على العرش حيث وجه رسالة إلى الأحزاب السياسية فحواها أن هذه الأخيرة بحاجة ماسة إلى ضخ دماء جديدة في صفوفها و هياكلها وضمن أطرها بغية تطوير أدائها عبر استقطاب نخب وأطر جديدة قادرة على تقديم إضافة جديدة، لكون “أبناء اليوم هم من يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم” ، فبدل أن تنتظر الأحزاب من الشباب أن يطرقوا أبوابها، حري بها فتح أبوابها عبر إقامة ورشات وتنظيم ندوات وتوجيه دعوات للشباب لتعريفهم بالحزب مع إبراز أهدافه ومبادئه وبرامجه المسطرة، وكذا آليات اشتغاله محليا وجهويا ووطنيا.

إن العزوف السياسي الذي انتشر بشكل واسع خاصة في أوساط الشباب قد تفاقم نحو منحى يهدد البناء الديموقراطي في المغرب عموما ومصداقية وجدوى وجود الأحزاب السياسية خصوصا، وتكريس المشيخة الحزبية في الوقت الذي يوجد شباب مثقف و واع و أطر أكفاء قادرين على حمل مشعل التنمية في هذا الوطن، ما يستدعي من الأحزاب السياسية هيكلة نظامها و رص صفوفها وزرع نوع من الثقة والديموقراطية داخل أجهزتها وبين أعضائها ومنتسبيها، وتفعيلا لمبدأ التنمية السياسية والتأطير الاجتماعي للأفراد بعيدا عن كل انغلاق واحتدام سياسي وفكري أيديولوجي.

وإننا كشباب لواعون جيدا أن تدني مستوى الوعي بأهمية المشاركة السياسية في المجتمع المغربي وانتشار ما أسميه بالأمية السياسية، من شأنه أن يوسع الهوة التي لازالت تتسع إلى الآن بين السياسة والفرد المواطن أكثر فأكثر، بغض النظر عن الترسبات التاريخية السلبية للأحزاب السياسية التي ترسخت في أذهان الشباب المغربي ومختلف شرائح مجتمعه. وإن تراجع دور الأحزاب في تحفيز الشباب ودعوتهم إلى المشاركة في العمل السياسي، وعدم بناء وخلق جسور التواصل بين الجميع، بالإضافة إلى ضعف البرامج الحالية وعدم مسايرتها للواقع الحالي، والتي يمكن وصفها بغير المقنعة ولا المجدية، والتي لا تلامس احتياجات فئة واسعة من الشباب ولا تلائم تصوراتهم ومواقفهم.

وإن هذا من شأنه أن يزيد من نفور الشباب وإعراضهم عن عضوية الأحزاب، لاسيما وأن الحزب لديهم مرتبط بمصالح خاصة لا عامة، ما سمح لقناعة ” لا جدوى من الأحزاب السياسية ” أن تتولد في ظل ثبوت ضعفها في إدارة ومواجهة الأزمات – و خاصة الأزمات الفجائية منها كوباء كورونا الذي أسقط العديد من الأقنعة وأزاح النقاب عن مجموعة من التناقضات الصارخة في الخطاب السياسي والاجتماعي، لتنعدم الثقة ويقل الإقبال. الأمر الذي يجعلنا نتساءل عما أعدت الأحزاب السياسية لما بعد كورونا.

كما أن إعراض الأحزاب عن منح الشباب مراكز قيادية يجعل الكثيرين منهم يشعرون بأن دعوتهم لا تغد أن تكون سوى استغلالا سياسيا بادية سوأته، ليقتصر دور الشباب على ملء كراسي الحافلات والمؤتمرات واللقاءات الحزبية والمساعدة على تنظيم حملات انتخابية وولائم لمرشحين لا تربطهم أية علاقة بالحقل السياسي المغربي، والذين لا يبحثون سوى عن النفوذ السياسي لتوسيع نشاطهم الاقتصادي والذين لا يبتغون سوى ترقيتهم في سلم أو في مركز مهني ما.
وإننا نعتبر الحزب السياسي من منظورنا منصة واقعية لا افتراضية وقناة مفتوحة من خلالها يمكننا أن نوصل مطالبنا ونعبر عن مواقفنا وتصوراتنا وأفكارنا وآرائنا حتى لو كانت تتعارض وسياسة الحكومة وبرامجها بكل مصداقية وأمانة ودون قيود.

ومن الأكيد أن تمكين الشباب من الخوض في غمار هذا العمل المنظم من شأنه تقوية شعورهم بالمواطنة والانتماء، وتنمية روح المبادرة والعمل لديهم وإعادة فتح جسور الثقة وقوفا على تطلعاتهم المستقبلية، وأي تهميش أو تغاض عن هذه الفئة الحيوية من المجتمع في الممارسات السياسية الفاعلة هو طمس لمستقبلها ولمسقبل الإصلاح السياسي بالمغرب الحديث على السواء.

لد.توفيق القصري

مملكتنا- موقع حزب الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate