المرأة

العلمانية من أجل حقوق المرأة .

الانتهاكات حينما تنبعث من تراث ديني أو تُدعم من قبله وتتحصن به تصبح المسألة أكثر تعقيداً. إنها عملية مواجهة «الجهل المقدس» الذي ينتج «الانتهاكات المقدسة » لحقوق المرأة، فيصبح الدفاع عن حقوق المرأة أمام تلك الانتهاكات تعدي على مقدس ديني.

«تتضاءل حقوق كل إنسان، عندما تتعرض حقوق إنسان واحد للتهديد» فما بالك بملايين النساء حول العالم. اذ تعاني المرأة من ويلات الاضطهاد في المجتمعات الذكورية بدرجات مختلفة وصور متعددة، وكان لذلك الاضطهاد دور في تأخير المرأة عن حقول عديدة منها التعليم والمشاركة السياسية والتمكين الاقتصادي. كما انعكس ذلك على حقوقها الأساسية باعتبارها «إنساناً»، فتتعرض المرأة لانتهاكات في حقوق إنسانية اصيلة من حق الحياة مروراً بحق العمل وحق المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية على مستوى عالمي وبدرجات مختلفة.

وفي ظل الأرقام المرعبة للعنف ضد المرأة عالمياً -بنحو 137 امرأة يُقتلن يومياً على يد اقاربهن أو ازواجهن كما تشير إلى ذلك الاحصائيات – يشهد الوطن العربي حالات لتقنين وتبرير مثل تلك الجرائم. بالإضافة إلى أشكال أخرى من الانتهاكات المختلفة.

وتحتاج بعض هذه الانتهاكات لرفع مستوى التعليم والوعي المجتمعي لتجاوزها لكن من غير المنطقي أن ننتظر هذه الاستراتيجية بعيدة المدى حتى تؤتي أكلها -وستفعل بكل تأكيد – في حين نظل متفرجين على فئات تُضطهد وتستغل وتتعرض لأشكال من الأذى، ولذلك فإن تشريعات مثل تجريم العنصرية مثلا في تونس هي خطوة إيجابية، وهي ضرورية في بلدان فيها ضروب من العنصرية متجذرة ومنتشرة.
وفيما يتعلق بالمرأة فإن تكثيف جهود الدعم لجوانب كتعليم، ومشاريع التمكين الاقتصادي، وجهود التوعية المجتمعية، هي وسائل للتسريع من عملية التغيير. ولكنها تحتاج لقوة التشريع لإيقاف استمرار الانتهاكات ودعم المرأة وتوسيع أدوارها.

إذ لا يمكن أن يضل مسلسل اغتصاب الصغيرات (أو ما يعرف بزواج القاصرات) معتمداً على مشروع التغيير في الوعي طويل المدى. كما أن التوعية لا يمكن أن تشمل الجميع ولا تستطيع أن توقف نهائياً مثل هذه الانتهاكات، ولا يمكن أن تستمر حالات تشويه الأعضاء التناسلية والجنسية للفتيات (ختان الإناث) أو عمليات القتل باسم الشرف ونحوها حتى يحدث ما يرجى حدوثه في الأمد البعيد. لذا يجب أن تتخذ الدولة ومؤسساتها تشريعات حاسمة تقطع الطريق أمام تلك الجرائم وتنقذ حياة الكثير من النساء والفتيات.

وقبل الدعوة لمثل تلك التشريعات التي تحفظ الحقوق وتوقف الانتهاكات لابد من معرفة المنطلقات النظرية والاجتماعية التي تقوم عليها تلك الانتهاكات في سعينا لفهم كيفية التعامل معها.

وفي حقيقة الأمر يبدو لي أن هنالك منطلقين اساسين ورئيسين هما ما تستند عليه هذه الانتهاكات في أخذ شرعيتها الاجتماعية، فهي إما مرتبطة بالعادات والتقاليد وإما بالدين أو كليهما.

وخلال عملية التفكيك لهذه المشروعية فإن العادات والتقاليد والثقافة المجتمعية تشكل حجر عثرة حقيقي امامنا كونها مترسخة لوقت طويل وتحتاج لوقت أطول لكي تزول. وهو ما تحدثه تلقائيا النقلات النوعية والتطور في التعليم والتوعية والمستويات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع. لكنها كما سبق وأوضحنا بحاجة إلى جرعات من التشريعات المساعدة والمتدرجة في بعض الانتهاكات والحاسمة في البعض الاخر.

بيد أن هذه الانتهاكات حينما تنبعث من تراث ديني أو تُدعم من قبله وتتحصن به تصبح المسألة أكثر تعقيداً. انها عملية مواجهة «الجهل المقدس» الذي ينتج «الانتهاكات المقدسة» لحقوق المرأة، فيصبح الدفاع عن حقوق المرأة أمام تلك الانتهاكات تعدي على مقدس ديني. فتفشل جراء ذلك كل محاولات التقنين التي تسعى للحد من هذه الانتهاكات ووضع حد لاستمرارها. لتستمر سلسلة الجرائم بحق المرأة دون توقف. ولعلنا نتذكر أن محاولة إقرار مشروع قانون لتحديد سن الزواج في اليمن أملا في وضع حد لزواج القاصرات قد باءت بالفشل نتيجة لاستناد الرافضين لمعتقدات دينية تدعم العادات التي تنتهك بلا شك حقوق الفتيات وتدمر حياتهن.

وهنا مربط الفرس وجذر المشكلة ومن هنا وهنا فقط يمكننا حلحلة الأمور ووضعها في مسارها الصحيح. فاستمرار الدين في التشريع هو استمرار لخلط الأمور وتشويه الحقائق. وبمجرد إدراك هذه الحقيقة فإن ما يجب أن تركز عليه كل الدعوات وكل الاتجاهات الداعمة لحقوق الانسان والحركات النسوية اليمنية والعربية والعالمية هو الدولة المدنية العلمانية التي تفصل بين الدين والدولة وبين التشريع القانوني والاعتقادات الدينية، فمسالة العادات يمكن أن تواجهها بالعقل والمنطق والعلم لتصبح واهية لا يتمسك بها الا القليلون اما الدين فهو مطلق يقيد التفكير ويوقف حدود التأمل في الاضرار ليفاجئك المنتهك والداعم لانتهاكات حقوق الانسان قائلاً «هل انت ارحم ام الله؟» في صورة تحول النقاش العام من محاولة الدفاع عن حقوق الإنسان إلى محاولة نقد وتشريح أصول الموروث الديني. إن ضياع الوقت واستنزاف الجهود والموارد هذا لا يخدم إلا استمرار مسلسل الاضطهاد الممنهج لحقوق الإنسان والنساء والأقليات وغيرها.

إن النضال الحقوقي العربي واليمني بوجه خاص هو نضال مدني يجب إن يضع في أولوياته تعزيز العلمانية وسبل خلقها في أي فرصة ممكنة ودون رضوخ أو خوف.

فعلى الرغم من تبني اليمن للإعلان العالمي والتصديق على المعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الانسان، واتفاقيات حقوق الطفل، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وغيرها، إلا أن تحويل هذه الاتفاقيات إلى تشريعات في القوانين اليمنية تواجه صعوبة يلعب الدين -بتفسيراته ومذاهبه- الدور الرئيسي في عرقلة الخروج بمعالجة للانتهاكات وترجمة الاتفاقيات إلى قوانين محلية حقيقية.

ومن هنا كان فهمنا لأهمية العلمانية، ليس فقط في العمل السياسي بل في منطلقات التشريع كما في العلم ايضاً، فإقحام الدين بمطلقاته في حياتنا المتغيرة والمتطورة هو عبث حقيقي وإجرام في حق الانسان، ولابد أن نضع له نهاية.

لسليم الأغبري

علمانيون يمنيون- موقع حزب الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate