حداثة و ديمقراطية

أخلاقية الممارسة السياسية

السياسة مأخوذة من الفعل المضارع “يسوس” أي يعالج الأمور، وهي مجموعة الإجراءات والطرق والأساليب الخاصة باتخاذ القرارات من أجل تنظيم الحياة في شتّى المجتمعات البشرية، بحيث تدرس آليات خلق التوافق بين كافّة التوجّهات الإنسانية الدينية، والاقتصادية، والاجتماعية، وغيرها، وتضم أيضًا آليات توزيع الموارد، والقوى، والنفوذ الخاصة بمجتمع أو دولة ما، وتختلف الأنظمة السياسية بين دولة وأخرى حسب دستورها ونظامها الداخلي وطبيعة الحكم فيها، ومدى تطبيق مبادىء الديمقراطية فيها، والأخلاق هي مجموعة القيم والمثل الموجهة للسلوك البشري نحو ما يعتقد أيضًا أنه خير وتجنّب ما ينظر إليه على أنه شر.

تلتقيان وتفترقان

وكلتاهما، السياسة والأخلاق، تستهدفان تمليك الناس رؤية مسبّقة تجعل لحياتهم هدفًا ومعنى، وبالتالي تلتقيان على الدعوة لبناء نمط معين من المبادئ والعلاقات الإنسانية والذود عنهما، لكن تفترقان في أن طابع المبادئ والعلاقات التي تعالجها السياسة تختلف نوعيًا عن تلك التي تتناولها الأخلاق تصل إلى حد التعارض عند ميكافيلي الذي يغلّب السياسة على الأخلاق في كتابه “الأمير”، ليظهر السلوك الميكافيلي كما لو أنه يتنكر صراحة لجميع الفضائل الأخلاقية حين يبرر استعمال كل الوسائل لتحقيق الغايات السياسية!

إن الدولة لابد لها من التعامل وفق المبادئ والقيم الأخلاقية لأن غاية الدولة هي المحافظة على الإنسان والرقي به، وتحقيق التعاون والتكافل بين الأفراد لذلك يجب على السياسة أن تقوم على مبادئ وأسس أخلاقية. 

والممارسة السياسية يجب تقييدها وفق مبادئ أخلاقية لأن كل محاولة للفصل بينهما ستؤدي إلى حلول الاستبداد والاستغلال محل الديمقراطية والأمن، فالدولة ضرورة إنسانية هدفها الحفاظ على حرية الإنسان وأمنه وسموه واستقراره وهذه الغايات لا تتحقق إلا بفضل القيم الأخلاقية التي توجه المعاملات الإنسانية، وتؤدي إلى التعاون الدولي بين الشعوب المختلفة فمصير الإنسانية متعلق بمراعاة القيم الأخلاقية في الممارسة السياسية، وإلا تحولت العلاقات بين البشر إلى “قانون الغاب” الذي يحكم فيه القوي على الضعيف.

وغاية السياسة هي تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وحفظ حقوق الإنسان وهي غايات أخلاقية يقول الماوردي: “إن السياسة العادلة هي التي تجمع بين الأقوال والأفعال وتدفع الحاكم إلى عدم المعاقبة إلا على ذنب،  وعلى أن العقاب لا ينبغي أن يؤدي إلى إغفال محاسن الناس والعفو لا يؤدي إلى إسقاط مساوي الناس”. 

لقد ربطت السياسة بالأخلاق، فليست السياسة “ميكيافلية” ترى أن الغاية تبرر الوسيلة أيًا كانت صفتها، بل هي سياسة مبادئ وقيم، تلتزم بها، ولا تتخلى عنها، ولو في أحلك الظروف، وأحرج الساعات، سواء في علاقة الدولة بمواطنيها داخليًا، أو في علاقاتها الخارجية بغيرها من الدول والجماعات.

إن رفض الوسيلة الخبيثة، ولو كانت للوصول إلى غاية شريفة، فالخبيث من الوسائل كالخبيث من الغايات، ولا بد من الوسيلة النظيفة للغاية الشريفة. 
ففي علاقة الدولة بمواطنيها، فأداء الأمانات، بمختلف أنواعها المادية والأدبية، إلى مستحقيها، والحكم بين الناس، كل الناس، بالعدل هو واجب الدولة مع رعاياها. 

إن الدولة التي تسيّر شؤون رعيتها وعلاقاتها مع غيرها وفق أسس لا أخلاقية سيكون مصيرها الانهيار والزوال والتاريخ مليء بالشواهد التي تثبت ذلك، فأغلب الأنظمة التي كانت قائمة على القوة والعنف والاستغلال والظلم كان مصيرها الانهيار و إن إتباع الشهوات والابتعاد عن الفضائل هو سبب سقوط الدولة.

وفي علاقة الدولة بغيرها من الدول يجب عليها الوفاء بعهودها، وجميع التزاماتها، واحترام كلماتها.

وإذا كان بعض الناس يعتقد أن السياسة لا أخلاق لها، فهذا أبعد ما يكون عن سياسة ، التي تقوم، أول ما تقوم على العدل والوفاء والصدق والشرف ومكارم الأخلاق.

وعلى هذا يمكن القول بأن القيم الخلقية عند التمسك بها على حل جميع المشكلات التي تعاني منها الدولة اجتماعيًا، وسياسيًا، واقتصاديًا والتاريخ شاهد على صدق هذه المقولة في الماضي، وعلى مصداقيتها في الحاضر والمستقبل. 

عربي21- موقع حزب الحداثة و الديمقراطية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate