دور الأحزاب السياسية في التغيير الاجتماعي
تقوم الأحزاب السياسية بعدة أدوار ووظائف كما سبق الذكر يحاول من خلال إصلاح الوضع القائم أو تغييره ولعل وظيفة التنشئة السياسية من أهمها.
أ ـ تعريف التنشئة السياسية:
- هربارتهايمان”: العملية التي من خلالها يتعلم الفرد المعايير الاجتماعية من مختلف المؤسسات الموجودة في المجتمع، بحيث تعمل هذه المعايير على مساعدته في التعايش سلوكيا مع المجتمع .
- الموندوباول “:ALMAND ET POWELاكتساب المواطن للاتجاهات والقيم السياسية التي يحملها معه حينما يجند لمختلف الأدوار الاجتماعية” .
- كينث لنجتون “: Langtonهي الأسلوب الذي ينقل به المجتمع ثقافته السياسية من جيل إلى آخر… والتنشئة السياسية بمثابة وسيط بين قوى متنوعة في المجتمع كالأسرة والمدرسة ومنظمات الشباب ووسائل الإعلام”.
- فريد جرينيستين “: F . Greensteienعملية عرس متعمد ومقصود للمعلومات والقيم والممارسة السياسية”.
- ميشيل روش وفيلسالقوف “: تلك العمليات التي عن طريقها يصبح الفرد ملما بالسياسة ونظامها، وتحدد إدراكه وملاحظاته عن السياسة وردود أفعاله تجاه الظاهرة السياسية وتتحدد التنشئة السياسية عن طريق المحيط أو البيئة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع الذي يعيش فيه الفرد.”
- يؤكد جيمس كولمان j . colmanعلى أن التنشئة السياسية هي”: العملية التي يكتسب من خلالها الفرد الاتجاهات والمشاعر نحو النظام السياسي ونحو دوره فيه وهي تتضمن:
أ ـ المعرفة ( ماذا يعرف الفرد عن النظام من حيث استمراره لمهامه).
ب ـ المشاعر ( كيف يشعر الفرد نحو النظام؟ ومدى ولائه واحساسه بالت ازم الوطني ).
ج ـ الكفا ة السياسية ( ما الدور الذي يمكن أن يقوم به الفرد في النظام؟).
إذن التنشئة السياسية هي إحدى العمليات الاجتماعية التي عن طريقها يحصل الأفراد عن المعلومات والقيم والاتجاهات التي تتعلق أو تربط بالنسق السياسي لمجتمعهم.
ب ـ أهمية التنشئة السياسية:
- تعمل التنشئة السياسية على ربط الشباب بوطنه وتوضيح دوره في دفع عملية التنمية والتقدم.
- تعمل على زيادة اهتمام الفرد بمشاكل مجتمعه السياسية وزيادة مشاركته في حلها وتحصين نفسه ضد الإشاعات والإيماءات السياسية المعروضة.
- تساعد التنشئة السياسية على تحقيق الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي.
- تسهم في تحقيق ما يصبوا إليه المجتمع من أهداف وطموحات الجميع بها وتعاونهم في سبيل تحقيقها.
هناك نموذج مباشر ونموذج غير مباشر للتنشئة السياسية، والنموذج المباشر هو النمط الفوري الذي تتحقق فيه التنشئة السياسية من خلال جمع وطبع المعلومات والقيم والاتجاهات والسلوكيات السياسية بصورة مباشرة في حينما يكون هناك اتصال من قبل المسؤولين بالمواطنين الذين يجبرونهم بأزمة سياسية معينة .
أما النموذج غير مباشر فهو طويل المدى تتم التنشئة فيه من خلال كل وسائل التلقين الرسمي وغير الرسمي. يقوم الحزب السياسي بالتنشئة السياسية إلى جانب الأسرة والمسجد والمدرسة من خلال الاجتماعات والمؤتمرات التي يعقدها الحزب ومن خلال وسائل الإعلام كالصحافة والمنشورات، ومنخلال تقديم المعلومات وترتيب الأفكار وتنظيمها ونشرها بين أفراد الشعب.
وتقوم الأحزاب السياسية بخلق ثقافة جديدة وذلك بإدخال أنماط جديدة من الثقافة السياسية القائمة
ويتوقف نجاح الحزب للقيام بهذا الدور على اعتبارات تتمثل في الأيدولوجيا الكاريزمية، والبيان التنظيمي.
ـ إدارة الرأي العام وتكوينه:
يقوم الحزب بتقديم الخدمات للمجتمع ويعمل كمنظمة تعليمية، يتقدم للشعب بمختلف المعلومات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بالطرق المبسطة الواضحة التي توقظ فيه الوعي السياسي، توضح لهم مشاغل الشعب ويحلل أسبابها ويقترح طرق معالجتها وهذا يساهم في تكوين ثقافة سياسية للأفراد ورأي عام مستنير يؤهل المواطنين من المشاركة في المسائل العامة للبلاد والتأثير على النظام السياسي بشكل موضوعي.
فهو إذن ـ الحزب السياسي ـ يعمل على زيادة الوعي السياسي بالقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
ـ إدارة الصراع السياسي في المجتمع:
تلعب الأحزاب السياسية دورا في التعامل مع الصراع داخل الدولة بشكل يبعده عن دائرة العنف والتطرف.
تتبع الأحزاب السياسية وسيلة يتم بها حسم اختلاف الرأي بالنسبة للتفضلات السياسية بشكل سلمي ويتوقف ذلك على عدة عوامل أهمها:
- توجيه القيادة الحزبية، أي اتجاهات ومهارات تلك القيادة.
- مدى اتساع قاعدة الأحزاب السياسية وانتشارها.
- طبيعة علاقة الأحزاب بالهياكل الحكومية القائمة.
ـ ضمان الحريات العامة:
يعتبر وجود الأحزاب العامة وتعددها أمرا ضروريا لصياغة حرية الرأي والتعبير عن أرائهم بطريقة منظمة مما يزيد من التمسك والترابط بين الحاكم والمحكوم ويدخل في هذا المضمار حرية تكوين الأحزاب، حرية إنشاء وقيام الأحزاب السياسية، وذلك بأن يكون مبدأ تكوين الأحزاب السياسية من المبادئ المسلم بها، لأن ممارسة الحرية والحقوق السياسية لا يمكن أن تتحقق دون تنظيم، كما أن تعدد الأحزاب السياسية يكفل الضمانات للممارسة الأفراد لحرياتهم العامة .
ـ المشاركة السياسية
تساهم الأحزاب السياسية في تشجيع التجمع الإنساني بكل صورة لتحقيق أهداف مشتركة وهذا بتشجيع المشاركة السياسية في شؤون بلادهم وزيادة الشعور بشرعية الحكومة من خلال الحملات ونمو الشعور بالتكامل الوطني، مما يعمل على الشعور الأفراد بالأمن السياسي ويحقق توفر الشجاعة إبداء الرأي في المسائل العامة، ويقصد بالمشاركة السياسية الأنشطة الإدارية التي يزاولها أعضاء المجتمع بهدف اختيار حكامهم وممثليهم والمساهمة في صنع السياسيات والقرارات بشكل مباشر أو غير مباشر.
وهناك نوعان من الأنشطة تمارس الأحزاب السياسية فيما يخص المشاركة السياسية وهي:
- أنشطة تقليدية تتمثل في التصويت وحضور الندوات والمؤتمرات، والاجتماعات العامة، المشاركة في الحملة الانتخابية بالمال أو الدعاية أو الاشتراك في عضوية الأحزاب السياسية.
- أنشطة غير تقليدية وتنقسم إلى أنشطة قانونية مثل الاغتيال والثورة وترتفع نسبة المشاركة السياسية مع زيادة التحصيل ونمو وسائل الاتصال الجماهيري وانتشار التعليم.
التحديث السياسي:
تحقق الأحزاب السياسية تطورا مع الأوضاع التقليدية فتقوم على الأعراف موروثة، ذات الطابع القبلي أو عائلي إلى أوضاع جديدة تقوم على المؤسسات ووظائف معينة، ويرتبط مفهوم التحديث بالتنمية السياسية ويستند على المساواة والتمايز والقدرة.
ـ ضمانات انتقال السلطة بطرقة سلمية:
يقدم تعدد الأحزاب بطريقة سلمية لتغيير القيادات واحلالها من خلال الانتخابات العامة، وبذلك يمكن ضمان الانتقال الشرعي والسلمي للسلطة بالطريقة الديمقراطية إلى الحكومة البرلمان المشكلين من قبل الحزب الذي يحوز ثقة الناخبين وهذا التغيير السلمي.
ـ التكامل القومي:
يعني إدماج العناصر الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعرقية والجغرافية في الدولة الواحدة، ويعمل الحزب على إنما الإحساس القومي والوحدوي من خلال إحكام السيطرة على كافة أنحاء إقليم الدولة والحد من الولاء الذاتي الضيق.
ـ الاتصال الجماهيري والسلطة السياسية:
تعتبر الأحزاب السياسية في المجتمعات الحديثة وسيلة وقناة سياسية يمكن وصفها بالاحتياطي الاجتماعي، حيث يتم تصريف هذا الاحتياط داخل نظام الدولة فتعمل على إدارة النظم السياسية التي توحد المجتمع، وان كانت الأحزاب السياسية تمارس السلطة بوصفها حكومة أو تمثل معارضة فهذا يترجم وظيفة الاتصال بين الجماهير وخاصة من ينتمون إلى عضوية هذه الأحزاب والذين يشاركون في وضع السياسات المحلية والقومية.
أما إن كانت الأحزاب من المعارضة فهي في النهاية يمكن أن تعبر عن أراء الشعب من خلال مناقشتهم للقضايا المحلية والقومية..
إلا أن واقع الأحزاب السياسية في الوطن العربي ليس لها نفس التأثير والدور في الدول الغربية نتيجة معوقات متعددة، لكن بعد ظهور فكرة الديمقراطية لتجاوز العقبات والمشاكل التي تواجه المجتمع والنظام القائم، ولقد ساهمت التعددية الحزبية في تعميق هذه الفكرة رغم محدودية مساحة الحرية المخولة لها للتحرك فيها ولضمان تحقيق تغيير سياسي يجب توفير الإمكانيات التالية:
- غرس ثقافة جديدة.
- أفاق حقيقية للتحول الديمقراطي.
- ملامح من مجتمع مدني فاعل.
- الدستور والقضا ودور فاعل لصيانة الحقوق والحريات الأساسية.
- المحكمة الدستورية العليا: خطوة على طريق الديمقراطية هذا إلى جانب تطوير أدا الأحزاب المصرية.
- توفير شروط وضمانات المضمون الاجتماعي للديمقراطية.
ولقد أخذ دور الأحزاب السياسية بتعاظم في ظل التغيرات الإقليمية والدولية إلى غاية ما عرفته المجتمعات العربية بالربيع العربي أو الثورات والتي لعبت دورا كبيرا في تعبئة الجماهير أو تنظيم صفوفهم ضد هيمنة الدولة على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية إلى جانب أن القطاع الحكومي أصبح يؤدي دورا تكميليا أمام اكتساح الساحة الاقتصادية القطاع الخاص هذا من جهة وانتشار البطالة والفقر بين المواطنين مقابل انحصار الثروة في يد القلة.
لفرحات نادية.
القلم-موقع حزب الحداثة و الديمقراطية.