نمت تجارة المخدرات في سوريا إلى حد كبير خلال سنوات الحرب والفوضى، بحسب ما أكدت العديد من التقارير السابقة، تحت أعين الميليشيات والفصائل المنتشرة في البلاد، لا سيما حزب الله.
فكيف توسعت تلك التجارة غير المشروعة؟
أكدت العديد من المصادر والمعلومات أن تلك التجارة أضحت قوية و”محمية” في البلاد، بعد أن بدأ يديرها شركاء أقوياء وأجنحة ضمن النظام السوري.
كما أشارت إلى أن عمليات المخدرات تدر ملايين الدولارات، متجاوزة الصادرات القانونية للبلاد، وقد حولت سوريا إلى أحدث مصدر للحبوب المخدرة في العالم، وفقاً لتقرير مفصل نشرته اليوم الاثنين صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
ماهر الأسد وحزب الله وأفراد من العائلة
وأفادت المعلومات أن المنتج الرئيسي لتلك العمليات هو الكبتاغون، وهو عقار غير قانوني يسبب الإدمان. وتنطلق صناعة تلك الحبوب في سوريا ، من ورش تصنيع ومصانع تعبئة حتى تصديرها، عبر شبكات التهريب ونقلها إلى الأسواق في الخارج.
والأهم من ذلك أن الكثير من عمليات الإنتاج والتوزيع تشرف عليها الفرقة الرابعة المدرعة، وهي قوات معروفة جداً يقودها ماهر الأسد، الأخ الأصغر لرئيس النظام وأحد أقوى الرجال في البلاد.
ورجال أعمال أيضاً
كما أن من بين اللاعبين الرئيسيين أيضا رجال أعمال تربطهم صلات وثيقة بالنظام، ومعهم ميليشيا حزب الله اللبنانية، وأفراد آخرون من عائلة الأسد محصّنون من المساءلة، وذلك وفقاً لتحقيقات جرت في 10 دول تضمّنت مقابلات مع خبراء مخدرات دوليين وإقليميين وآخرين سوريين لهم خبرة كبيرة بتجارة المخدرات ومسؤولين حاليين وسابقين في الولايات المتحدة.
ووفق المصادر، فقد ظهرت تجارة المخدرات على أنقاض عقد من الحرب التي دمرت الاقتصاد السوري، ودفعت بمعظم الشعب إلى خط الفقر، فتركت نخبة تضمّنت عسكريين وساسة وتجّار في سوريا يبحثون عن طرق جديدة لكسب العملة الصعبة والالتفاف على العقوبات الاقتصادية الأميركية.
بيد أن أكثر ما يثير قلق الحكومات الرسمية، أن تلك الشبكة التي تم إنشاؤها لتهريب الكبتاغون، بدأت في نقل مخدرات أكثر خطورة، مثل “الكريستال ميث”، كما يقول مسؤولون في الأمن الإقليمي.
وأشاروا إلى أن أكبر عقبة في مكافحة التجارة هي أنها تحظى بدعم أجنحة من النظام ليس لديها سبب كاف للمساعدة في إغلاقها.
فقد اعتبر جويل ريبيرن، المبعوث الأميركي الخاص لسوريا خلال إدارة الرئيس دونالد ترمب، أن فكرة الذهاب إلى حكومة النظام في سوريا للطلب منها التعاون في هذا الموضوع، “فكرة سخيفة”، لأن الحكومة هناك هي التي تصدّر المخدرات”، بحسب تعبيره.
خطة العمل كاملة
يذكر أنه بعد اندلاع الحرب السورية، استغل المهربون الفوضى لبيع المخدرات للمقاتلين من جميع الجهات، فكان لدى سوريا المكونات اللازمة من خبراء لخلط الأدوية، ومصانع لتصنيع منتجات لإخفاء الحبوب، والوصول إلى ممرات الشحن في البحر المتوسط، وكذلك طرق التهريب نحو الأردن ولبنان والعراق.
ومع استمرار الحرب، انهار اقتصاد وطالت العقوبات الدولية أسماء كبيرة في البلاد، فاستثمر بعضهم في الكبتاغون بينهم ضباط وقادة ميليشيات والتجار الذين ازدهرت أعمالهم خلال الحرب.
فيما انتشرت مختبرات الكبتاغون في المناطق التي يسيطر عليها حزب الله بالقرب من الحدود اللبنانية، وخارج العاصمة دمشق، وحول مدينة اللاذقية الساحلية.
وهناك أيضاً مصانع صغيرة كحظائر صغيرة أو فيلات فارغة، حيث يقوم العمال بجمع المواد الكيماوية مع الخلاطات وضغطها في أقراص بآلات بسيطة.
إلى أن يتم إخفاء الحبوب الجاهزة في حاويات الشحن، كعبوات الحليب، والشاي، والصابون، وغيرها.
ثم يتم تهريبهم برا إلى الأردن ولبنان، حيث يغادر بعضهم عبر موانئ بيروت الجوية والبحرية، فيما يغادر الجزء الأكبر سوريا من ميناء اللاذقية على البحر الأبيض المتوسط.
لاعبان أساسيان أحدهما كرّمه الأسد
ووفق التقرير أيضاً، يوفر المكتب الأمني للفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، برئاسة لواء معروف، الجهاز العصبي للشبكة، فقوات المكتب تحمي المصانع وتسهل انتقال المخدرات إلى الحدود والموانئ، وذلك بحسب مسؤولين أمنيين إقليميين وضابط عسكري سوري سابق.
أما اللاعب الرئيسي في الشبكة، فهو رجل أعمال، مثّل صعوده رمزاً لطبقة رجال الأعمال الجديدة في سوريا التي طفت في زمن الحرب، حيث كان في الأصل تاجرا متواضعا، وأصبح بعدها مهرباً يتنقل بالطعام والبضائع الأخرى بين دمشق والضواحي التي تسيطر عليها ميليشيات معارضة، وبات اليوم أحد أهم الأطراف بالقرب من دمشق، وفقاً لمسؤولين أميركيين وسوريين سابقين على دراية بتجارة المخدرات.
وبعد خروج المعارضة من ضواحي العاصمة، اشترى هو نفسه عقارات هناك واستثمر في مرافق التعبئة والتغليف التي تستخدم في التهريب.