حداثة و ديمقراطية

سياسة الشعارات المُزيّفة العراق نموذجا.

كلّ الأحزاب والكيانات السياسيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والاقتصاديّة والتجمّعات الشعبيّة (المظاهرات) في العالم ترفع شعارات خاصّة بها.

والشعارات عبارة عن كلمات معدودة تُترجم أهداف الحزب، أو الكيان، وربّما يُقصد بها لفت الانتباه، أو محاولة “إغراء” الآخرين لقبول أفكارهم والعمل من أجلها، أو على الأقلّ عدم محاربتها!

وتظهر الشعارات بصورة جليّة في الميدان السياسيّ، وربّما لا تُسلّط عليها الأضواء في بقيّة الميادين بسبب التركيز العامّ على الأحزاب، وبالذات الحاكمة منها، لأنّها بسياساتها الناجحة ستقود لترتيب أكثريّة الميادين، أيضاً بسياساتها الفاشلة ستنشر الخراب في عموم البلاد!

وفي العراق اليوم هنالك أكثر من 265 حزباً رسميّاً، وجميعها ترفع شعارات كبيرة، وعريضة، وتدور حول: الوطن والمواطن، والكرامة، والحرّيّة، والرفاهية، وتوفير فرص العمل، ومحاربة الفساد، ونشر الديمقراطيّة، والعراق أولاً، والمواطن أولاً، والوفاء، والتغيير، والغد، والأمل وغير ذلك من الشعارات البرّاقة المنمّقة التي صيغت بعناية فائقة، وربّما صُرفت على صياغتها وترويجها ملايين الدولارات!

المتابع لتصنيفات الأحزاب العراقيّة، والتي دعتها مفوّضيّة الانتخابات الأربعاء الماضي للتسجيل للمشاركة في انتخابات مجلس النوّاب للعام 2021، يَجد أنّ هنالك أكثر من 30 حزباً ذات صبغة إسلاميّة (شيعيّة)، وغالبيّتها ضمن قطار العَجْز المُركّب في العمل السياسيّ العامّ، وهي أحزاب تمتلك قنوات فضائيّة، ووسائل إعلام كبرى تُنفق عليها ملايين الدولارات سنويّاً، ولا أحد يدري من أين تأتي تلك الملايين.

الراصد للواقع العراقيّ يجد أنّ غالبيّة تلك الأحزاب، وبالذات بعد ثورة تشرين، هربت نحو تأسيس واجهات ثانويّة في إطار أحزاب جديدة، وأعطيت قياداتها في الظاهر لشخصيّات شابّة “مستقلّة” لكنّها في الحقيقة تُدار من القيادات القديمة (المُجرّبة)!

ولكنّ السؤال الأبرز: أين أثر هذه الأحزاب في الشارع العراقيّ؟

الغالبيّة المطلقة من شعارات الأحزاب القديمة لم ترَ النور لأسباب حزبيّة ذاتيّة، أو ربّما لعدم إمكانيّة تطبيقها على أرض الواقع المليء بالعقبات والمخاطر التي لا يمكن أن تتقبّل أيّ شعارات غير واقعيّة بسهولة!

الشعارات المخطوطة على اليافطات، والمدفوعة الثمن، لا تعكس حقيقة “القبول” الجماهيريّ لهذا الحزب، أو ذاك، بل الحقيقة الجليّة هي أنّ الشعوب تبحث عن الأحزاب العاملة القادرة على تحقيق أحلامها دون تضييع الأوقات والجهود بحملات مليئة بشعارات سرابيّة، لا يُمكن تنفيذها على الأرض!

أتصوّر أنّ نسبة ليست قليلة من تلك الشعارات كانت ضمن مخطّطات إدخال المواطنين في مرحلة الغيبوبة الفكريّة، أو ربّما اليأس لأنّ المواطن الذي يرى أنّ الشعارات غير قابلة للتطبيق سيصل إلى مرحلة النفور واليأس والهروب من كلّ ما يتعلّق بالأمل والغد والطموح!

يفترض بالشعارات العمليّة أن تكون واقعيّة وليست خياليّة، ولهذا يجب أن تنطلق من المربّع الأوّل، وتسعى لتوفير الأمن، والاهتمام بالإنسان في كافّة الجوانب المعاشيّة والصحّيّة والنفسيّة والخدميّة والمستقبليّة، ورعاية العائلة على اعتبار أنّها المزرعة الأكبر لبناء جيل متميّز وصحيح!

الأحزاب التي تستورد شعاراتها من الخارج، وعملها يتناقض مع شعاراتها، تُساهم في تنفيذ مؤامرة خطيرة ضدّ الحاضر والمستقبل. وكذلك فإنّ الفجوة الموجودة بين الشعارات والواقع من جهة، والأحزاب والشعب من جهة أخرى، وبين الأحزاب ذاتها من جانب آخر ستقود إلى استمرار حالة المتاجرة بالعمل السياسيّ، وغياب الوعي بأهمّيّة التجمعات السياسيّة في تحقيق آمال وطموحات الجماهير البائسة، أو المغلوب على أمرها!

استمرار الرّكود والجمود والتصلّب السياسيّ في الميدان من أكبر أسباب زيادة الغضب الشعبيّ، وبالذات مع ارتفاع الأسعار، وشحّ الكهرباء، والغياب الواضح للخدمات في عموم نواحي الحياة والبلاد!

ضغوط الفشل المزمن قاد لانفجار الغضب الشعبيّ، ولا يمكن السيطرة عليه بالشعارات، بل الجماهير اليوم واعية تماماً لأهمّيّة العمل مقابل الكلام، أو الشعارات!

المؤامرة الكبرى على العراق والعراقيّين هي محاولات نشر الجهل المقدّس بين المواطنين، وكلّ ذلك من أجل استمرار حالة خداع الجماهير وبقاء المخربين لأطول فترة ممكنة في حكم البلاد!

الشعارات البعيدة عن الواقع، والتي تصوّر الخيال على أنّه حقيقة، وأنّ المستحيل في متناول اليَد هذه الشعارات سامّة، وهدفها إطالة أمَد الخراب، والبقاء في حالة التيه الفكريّ والسياسيّ!

أثبتت التجارب أنّ الديمقراطية المزيّفة، أو الهشّة، أو السائبة هي أشدّ ضرراً على المواطنين من الأنظمة الشموليّة التي تحفظ الأمن وتصون سمعة الوطن والمواطن!

لجاسم الشمري

عربي 21-موقع حزب الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate