حداثة و ديمقراطية

التدخل الإنساني في ضوء الاتفاقيات الإقليمية والثنائية2

رابعاً: ميثاق حلف وارسو:

تنص المادة الثامنة من ميثاق الحلف الذي تشكل بين الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوربا عام 1947، على ما يلي: “تعلن الدول المتعاقدة أن رائدها هو الصداقة والتعاون على تنمية علاقاتها الاقتصادية الثقافية، وأن شعارها هو الاحترام المتبادل، وعدم تدخل إحداها في الشؤون الداخلية للآخرين”.

ولكن على الرغم من هذه المادة لم تتردد الحكومة السوفيتية في التدخل في شؤون المجر الداخلية، عندما وقعت اضطرابات بودابست عام 1956.

خامساً: ميثاق حلف شمال الأطلنطي:

حلف الأطلنطي، أحد الأحلاف العسكرية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية، لمواجهة حلف وارسو، الذي كان يقوده الاتحاد السوفيتى سابقاً، وعلى الرغم من الطبيعة العسكرية التي تحكم تنظيم هذا الحلف، الذي يضم بعض الدول الأوروبية الغربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، والذي تأسس في 14 أبريل عام 1949، فإنه قد نص في “م2” من معاهدة إنشائه على عدم جواز التدخل في شئون الدول الأخرى . والتزم الحلف بذلك إلى حد كبير منذ نشأته حتى 1990.

ولكن مع انتهاء الحرب الباردة عام 1990، أخذ الحلف يوسع من نفوذه على حساب حلف وارسو الذي انهار مع انهيار الاتحاد السوفيتى، وبدأ الحلف يتخلى عما جاء في “م2” من المعاهدة المنشئة له. حيث صدرت عدة تصريحات، من قادة الحلف والدول التي تشترك فيه، خاصة ما صدر عن قادة الحلف في نوفمبر 1991، بإعلان “روما” حول السلام والتعاون الدولي، وأكد الإعلان على أن التحديات والمخاطر الأمنية التي أصبح الحلف يواجهها، تختلف في طبيعتها عما كانت في الماضي، منها الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخطيرة، خاصة الصراعات العرقية التي تواجه العديد من دول أوروبا الوسطى والشرقية، وهذه التوترات وإن كانت لا تهدد بشكل مباشر أمن وسيادة أعضاء الحلف، إلا أنها قد تؤدي إلى أزمات خطيرة تهدد استقرار أوروبا، وربما بتطورها إلى نزاعات مسلحة تتورط فيها قوى خارجية ومن بينها أعضاء في الحلف، الأمر الذي قد يؤثر على أمن الحلف.

كذلك عندما حدثت أزمة إقليم كوسوفا مع حكومة بلجراد الصربية عام 1998، اتخذ الحلف قراره بالتدخل في الصراع وباستخدام القوة دون الرجوع إلى الأمم المتحدة ضد صربيا والجبل الأسود، مما دفع البعض إلى القول بأن الأمم المتحدة في ظل ممارسات حلف الأطلنطي، قد تم تهميشها، ولم يبق سوى البحث عن مناسبة لإعلان نهاية وجودها .

إن حلف الأطلنطي بالإضافة إلى خروجه عن مبدأ عدم التدخل الذي نصت عليه معاهدة الحلف في “م2” منه، وكذا أحكام “م2/7” من ميثاق الأمم المتحدة، قد أعطى لنفسه الحق في تحديد ما قد يهدد السلم والأمن الدوليين، وفقاً لمصالحه ومصالح أعضائه خارج إطار الشرعية الدولية، المتعارف عليها والتي تمثلها الأمم المتحدة بميثاقها وقراراتها، وهذا الوضع من شأنه العمل على إهمال القواعد القانونية، وإعطاء مبررات تقوم على أسس سياسية، مما قد يؤدي إلى، تهديد النظام القانوني الدولي المتعارف عليه، خاصة فيما يتعلق بإعمال مبدأ عدم التدخل الدولي في شئون الدول الأخرى، وأمام هذه الفرصة الواقعية الخطيرة تساءل البعض هل تدخل حلف الأطلنطي في كوسوفو سليم من الناحية القانونية أم لا؟.

وذلك التساؤل تزداد أهميته خاصة في ضوء القرار 1239، الصادر من مجلس الأمن في 14/5/1999، بخصوص أزمة كوسوفو، وتأكيده عل أهمية حماية اللاجئين وتقديم المساعدات الإنسانية لسكان كوسوفو في ظل استمرار الضربات العسكرية “للناتو” ضد يوغوسلافيا، إلا أن هذا القرار خلا من أية إشارة إلى الأعمال العسكرية، ومدى مشروعيتها.

ولخطورة ما حدث في كوسوفو وما قام به حلف الأطلنطي، حدث خلاف بين الدول والفقه حول مدى مشروعية هذا التدخل، حتى أن هذا الخلاف امتد إلى دول الحلف أنفسهم، عندما عارضت بعض الدول الأوروبية، الفلسفة الأمريكية الجديدة لعمل الحلف، خاصة في مواجهة النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي. ونجد ذلك الخلاف في اجتماع وزراء خارجية الحلف الذي عقد في بروكسل يومي 8، 9 ديسمبر 1998، مما أدى إلى مطالبة بعض الدول الأوروبية داخل الحلف إلى إنشاء قوة عسكرية أوروبية تتولى حماية المصالح الأوروبية في الوقت الذي تتعارض فيه مواقفها مع الولايات المتحدة ولقى هذا التوجه تأييداً من المسئولين الألمان والفرنسيين وحتى الحكومة البريطانية التي قلما خرجت عن تأييد السياسة الأمريكية .

ومما سبق يتضح أن الأمم المتحدة وبعض المنظمات الإقليمية أجمعت مواثيقها على عدم مشروعية التدخل الدولي، إلا أن الواقع الدولي أكد على خروج المنظمات وبعض الدول على هذا المبدأ، خاصة في ظروف النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي، وقد يكون ذلك نتيجة لعدم وضع تعريف جامع مانع للتدخل الدولي، مما أدى إلى غلبة الاعتبارات السياسية ومصالح بعض القوى والالتفاف حول مبدأ عدم التدخل، من خلال بعض الذرائع والحجج التي حاولت من خلالها إقناع المجتمع الدولي بمشروعية تصرفاتها .

التدخل الدولي في ضوء الاتفاقيات الثنائية

الدول في علاقاتها الثنائية أكثر حساسية لمسألة التدخل، فهي تعتبر التدخل يشمل: إبداء الرأي أو النقد لتصرف سلطات الدولة أو الأشخاص المعبرين عن إرادتها في المجتمع الدولي، أو محاولة التأثير على قرارات السلطات فيها بأي وجه، بدءاً من ممارسة الضغوط السياسية والاقتصادية إلى استخدام القوة العسكرية. وعلى ذلك، فإن تدخل الدولة في شئون الدول الأخرى قد يتخذ أشكالاً متنوعة منها :

أ ـ قيام دولة تعسفاً بمد نطاق تطبيق قانونها الداخلي، على أوضاع تدخل أساساً في اختصاص دولة أخرى.

ب ـ محاولة أعاقة دولة أخرى عن إقرار وتطبيق ما اختارته من نظام سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو تعديله.

ج ـ المساس بعلاقات الدولة الخارجية مع غيرها من الدول، ومحاولة فرض اتجاهات وتفسيرات معينة لتصرفات هذه الدولة.

د ـ المساس بالتكامل الإقليمي لدولة أو دول أخرى.

وقد تأكد هذا المفهوم في الإعلانات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبصفة خاصة القرار الذي وافقت عليه الجمعية العامة في 21 ديسمبر 1965، بأغلبية 109 دولة وامتناع دولة واحدة عن التصويت، ويتضمن المبادئ الآتية:

1ـ ليس من حق أي دولة، أن تتدخل بالأسلوب المباشر أو غير المباشر في الشئون الداخلية أو الخارجية لدولة أخرى.

2ـ ليس من حق أي دولة، أن تستخدم أو تشجع، أى وسيلة من وسائل الإكراه السياسي أو الاقتصادي أو ما إلى غير ذلك، لجعل دولة أخرى تتنازل عن سيادتها أو تتنازل عن بعض حقوقها ضد إرادتها.

3ـ ليس من حق أى دولة، أن تنظم أو تدعم أو تحول أو تحرض أو تسمح بممارسة أية أنشطة تخريبية أو إرهابية أو عسكرية، يكون الهدف منها الإطاحة بالقوة بنظام الحكم في دولة أخرى، أو التدخل في النزاعات الأهلية لدولة أخرى.

4ـ إن استخدام القوة لحرمان الشعوب من تأكيد ذاتها الوطنية، يشكل انتهاكاً لحقوقها واعتداءً على مبدأ حظر التدخل.

5ـ ويكون لكل دولة الحق في أن تختار نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي، دون تدخل من الخارج.

6ـ تتعهد كل الدول باحترام حق تقرير المصير والاستقلال لكافة الشعوب بعيداً عن أي صورة من صور الضغط الخارجي، مع الاحترام المطلق للحقوق الإنسانية والحريات الأساسية، وعليه فإنه يتعين على كل الدول أن تشارك في تصفية جميع مظاهر التمييز العنصري والتحكم الاستعماري.

وقد تأكدت المبادئ الواردة في هذا الإعلان في ممارسات المنظمات الدولية والقرارات الصادرة عنها، كما أكدتها العديد من الاتفاقيات الدولية الثنائية، وأصبحت ضمن مبادئ القانون الدولي الحديث، وقد وردت القاعدة في المادة 1/3 من دستور اليونسكو، والمادة 3/د من نظام وكالة الطاقة الذرية الدولية.

وتناول “التدخل الدولي” في إطار الاتفاقيات الثنائية، والعلاقات الخاصة بين الدول يثير إشكاليتين رئيسيتين، يمكن تناولهما في المطالب التالية: المطلب الأول: التدخل الدولي وإشكالية سيادة الدولة، المطلب الثاني: مشروعية التدخل بدعوى صالح الإنسانية، المطلب الثالث: مشروعية التدخل لمساندة ثورة في إقليم دولة أخرى.

لعبد الله محمود الطناوي

المعهد المصري للدراسات -موقع الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate