حداثة و ديمقراطية

الأمية السياسية

لم اعثر على مفهوم او تعريف واضح للامية السياسية رغم حراجتها وحاجة المجتمع الانساني للتسلح بالوعي السياسي بغية مواجهتها والحد منها باستثناء بعض المقالات التي كتبت هنا وهناك بصددها.
ولم تكن مسؤولية التنويه لخطورتها مهمة السياسي او استاذ العلوم السياسية او وسائل الإعلام فقط بل هي مسؤولية تقع على كاهل كل فرد انطلاقا من رسالته ومسؤوليته اتجاه المجتمع البشري، واذا كانت الامية الابجدية تحد من تقدم الشعوب فأن الامية السياسية هي معول هدم الحضارات ومحو كل ملامح احترام وتقدير الانسان الذي كرمه الله تعالى على سائر المخلوقات وميزه بالعقل.
بتتبع مسيرة الشعوب لم اجد مجتمع يخلو من أمية سياسية جعلت افراد ذلك المجتمع أسارى رؤى ومصالح وايدولوجيات اللاعب السياسي، واذا كان المجتمع الغربي يتفاخر بتقدمه المادي وتوفيره سبل العيش الكريم وبإتاحته حرية النشر والتعبير ومراعاته لحقوق الانسان فان ذات المجتمع أيد وأدلى بصوته لصالح حكومات غزت بلدان أخرى بقوة السلاح وقتلت اطفالها ونساءها وشيوخها ولو توفرت نسبة جيدة من الوعي السياسي لدى هذه الشعوب لكان لها وقفة احتجاج او كلمة حق ضد تغطرس حكوماتها.
ربما نعتقد ان الامية السياسية تعني عدم الالمام بأنظمة الحكم والدساتير والقوانين التي تنظم عمل الدولة وعدم امتلاك ثقافة سياسية تمكن الشخص من معرفة اسماء الوزراء واعضاء البرلمان والمواد الدستورية والقانونية، هذا الفهم فيه جزء من الصواب ولم يكتمل فيه مفهوم الامية السياسية.
لفهم الامية السياسية سنتطرق الى مفهوم الوعي السياسي لان العلاقة بينهما عكسية فكلما كان الوعي السياسي حاضرا تبددت الامية السياسية تماما كالشمس التي تبدد قطع الليل.
الوعي السياسي بحسب الموسوعة الحرة: هو الفهم العام للمناخ السياسي وما يحركه من تجاذبات ومخطّطات من الفاعلين السياسيين داخل القطر أو حتى خارجه نظرا للترابط العالمي للأحداث.. ويتعلق مفهوم “الوعي السياسي” بالأفراد والمنظمات والمجتمعات على حدّ سواء.. وإنشاء الوعي السياسي يعني تكوين ضرب من ضروب التفكير الواعي بالراهن السياسي..والحراك المطلبي في النطاق المحلي أو الإقليمي أو الدولي وجميع التصرفات السياسية الشعبية مثل الانتخاب والترشح للانتخابات والقيام بالمظاهرات والثورات تتزايد طرديا مع تزايد ما يسمّى “الوعي السياسي” فهذا الوعي إذن هو القلب النابض للمكونات الحية للكيانات السياسية.
اعتقد من خلال التطرق لمفهوم الوعي السياسي قد تحددت سمات المواطن الذي يمتلك وعيا سياسيا وعدم امتلاكها يعني الوقوع في شرك الامية السياسية ولكن ما يلفت النظر ان الكثير من الاشخاص يبدون في ظاهرهم واعون سياسيا وفي الواقع هم اصدق مثال للامية السياسية فعلى الرغم من امتلاكهم رصيدا من الثقافة السياسية الا انهم يعملون على تجهيل المجتمع وتشويه الرأي العام وذلك بسبب غسيل المخ الذي تلقوه من قبل الاحزاب او الحركات او الانظمة السياسية والذي جعلهم بيادق يحركها اللاعب السياسي او رجل الدين المتطرف.
تكمن خطورة الامية السياسية في ان اتساعها يهدد العلاقات الدولية لكون انتشارها يخلي الساحة للاعب السياسي وبالتالي يفعل ما يشاء من غزو وقتل وتدمير للبنى الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية وغير ذلك والشواهد معلومة للجميع، تشويه الدين، ان عدم توفر الوعي السياسي يسهل المهمة على السياسي الذي يوظف الدين بالطريقة التي تخدم مصالحه، كما ان عدم فهم طبيعة اللعبة السياسية قد يؤدي الى التطرف واتساع مساحة الارهاب، بالإضافة الى ان تخريب الاقتصاد وشيوع الفساد والبطالة هي نتائج حتمية لجهل سياسي متفشي لدى المجتمعات ومن امثلة هذا الجهل انتخاب الشخص غير الكفوء او الاستقتال للدفاع عنه دون وجه حق، الامية السياسية تعني الابقاء على مجتمع يجهل ما يدور حوله من احداث محلية وعالمية وبالتالي يصبح المجتمع اداة تخريب بيد السياسيين، واخيرا الامية السياسية تهدم المنظومة القيمية والاخلاقية للمجتمعات بسبب النتائج التي أشرنا لها.

لفضل الشريفي

وكالة نون الخبرية- موقع الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate