المرأة

حرية المرأة بين الدين والأخلاق

تحرير النساء وتحرير الوطن، أيهما أولى؟

يكشف علم السياسة أنّ العبيد أو النساء لا يمكن أن يتحرروا دون الوعي الصحيح والتنظيم السياسي القوي السليم، غير أن تحرير النساء تعد قضية ملحة وهامة، مثلها متل القضايا الوطنية أو السياسية والاقتصادية الملحة، فلا يمكن نكران أن فئة النساء تشكل نصف المجتمع، وكما هو واضح يتعرضن مثل إخوانهم الرجال لأزمات اقتصادية وسياسية ووطنية ملحة  أو الفقر والبطالة، ولا يمكن تجاهل قضية تحرير المرأة وتأجيلها إلى ما بعد الانتهاء من طرد الاستعمار والقضاء على مشكلات المجتمع التي لن تنتهي أبدا.

السؤال الذي طرحته الدكتورة نوال السعداوي: هل يمكن تحرير الأرض والاقتصاد في بلادنا العربية دون تحرير النساء، نصف الشعوب العربية؟

فالجواب معروف وهو “لا يمكن ضمان ارتقاء الأمم وتقدمها دون مصالحة واضحة مع قضية النساء، واعتبارها قضية عامة تهم الوطن كله، ولا تقتصر على المرأة فقط، ومن يؤيد هذا الفصل لا يمكن أن يكون إلا معادي لحقوق ومصالح نصف شعوب الأمم، حيث غالبا لا يأتي الفصل بين قضية المرأة وقضية الوطن إلا من الأحزاب السياسية المعادية لمصالح الوطن ومصالح النساء في نفس الوقت”.

إن تحرير النساء حسب الدكتورة نوال السعداوي، “لا ينفصل عن تحرير الوطن، لأنهن نصف هذا الوطن ولا يمكن تحرير الوطن دون تحرير النساء.”

ضرورة فصل الدين عن حياة النساء والدعوة نحو التقدم:

إن التغير الاجتماعي والاقتصادي اليوم يفرض علينا ضرورة التغيير الأخلاقي، والديني لبعض المفاهيم التي لم تعد مسايرة لما يشهده العالم من تطور، فلم تعد المرأة غير المتزوجة محتقرة في نظر المجتمع لأنها تعيش من دون رجل بل حرة ومستقلة، وواعية أن الحياة تستمر بدونه، وقادرة على تسييرها كما تريد وترغب دون وصاية أحد عليها.

لقد اعتبر نموذج المرأة من دون رجل أو زوج، أكبر تحدّ للثقافة الذكورية، وكلما كان اختيار المرأة لهذا النموذج تابعًا من إرادتها الحرة وقناعتها الشخصية وليس مفروضًا عليها، زاد اضطهاد المجتمع الذكوري لها.

لم يعد الانجاب أو الأمومة هو الذي يكسب المرأة  قيمتها واحترامها، بل “عملها المنتج في المجتمع وأصبح بفعل وعيها بحقوقها، لا تسعى وراء رجل من أجل أن يعيلها تحت شعار الزواج، بل أصبحت قادرة على اختيار شريك حياتها لأنها تبادله نفس مقدار محبته ويحترمها كإنسانة مساوية له في جميع الحقوق والواجبات، وهكذا يؤسس الزواج على الحب والعدل والحرية، وليس على مقدم المهر ومؤخره، وغيرها من الأمور المالية”.

ومن أهم مناحي التقدم والرقي التي وجب أن تصل إليه كل امرأة هو تحرير الزواج كرابط مقدس من أي روابط مادية، فالزواج القائم على الهدايا والأموال، لا يختلف في جوهره عن البغاء، أو الجواري التي تهدى للأمراء مقابل المال في عهود سابقة، أو الطالبة التي تقدم جسدها لأستاذ متملق داعي لحرية المرأة والديمقراطية وصون كرامتها نهارا ومتنقلا بين أجساد طالباته ليلا مقابل نجاح مزيف في فصل أو مباراة، أو مساعدة بسيطة يقدمها لها، ولو تحلت الطالبة بقليل من المسئولية لساعدت نفسها دون وصاية أحد عليها ! أو رجل أعمال الذي يضمن زوجة في بيته بعقد رسمي، ويذهب ليجرب حظه مع غيرها من كاتباته…أو ..إلخ.

فأخلاقيا أي رابطة مبنية على المال، يذهب ويضيع في المال في نفس الوقت، فنحن نلاحظ كل يوم في الزواج في أغلب البلدان العربية، ما يصرف من مبالغ مالية في الهدايا والطقوس الاجتماعية  والثقافية التي يتميز بها كل بلد، وهذا يكشف لنا بكل وضوح كيف تبنى الأسرة المقدسة على أسس مالية بحثة، خالية من كل مبادئ الأخلاق أو الحب والاحترام.

طبعا ماذا ننتظر من رجل يقدم مهرا ماليا لأسرة الفتاة، وكأنه يقتني غرضا ما ويتفاوض على ثمنه، أن يؤسس أسرة جميلة ومحترمة؟ بل إن ما يؤسس على المال، يضيع في المال أيضا، وهذا يفسر لنا سبب سيطرة الرجل على المرأة، فبديهي أي شيء نشتريه بمالنا نمتلكه ونستخدمه كما نشاء.

طبعا ما طمحت إليه الدكتورة ومسانديها هو التنبيه إلى أن هذا الزواج بشكله التقليدي، )الطبقي الأبوي(، لم يعد صالحا مع تطور المجتمعات البشرية الجديدة، وأن هناك ضرورة لتغيير هذه القيم الطبقية الأبوية التي أطلقت العنان لأهواء الرجال وشهواتهم الجنسية، لأنّ تعدد العلاقات الجنسية في حياة الرجال مباحة في ظل النظام السائد القائم على النسب الأبوي.

إنّ القيم الأخلاقية والدينية المتوارثة والسائدة ظلت تّمتع الرجال حريات  جنسية تتناقض مع مسؤولياتهم تجاه الأسرة والرابط الزوجي المقدس.

إنّ الواجب الأخلاقي يحثُّ الرجل، “على تحمل المسؤولية الجديدة القائمة على الحب والحنان، وليس الانفاق أو الواجب المالي من أجل السيطرة على الزوجة، بل أصبح واجبا في ظل هذا التطور التاريخي أن يتميز مفهوم الأبوة ببعد إنساني أكبر”

تختم الدكتورة نوال السعداوي الجزء الأول من الكتاب، “المرأة والدين والأخلاق” بمناشدة حلم مستحيل تحقيقه، وهو افتراض أن يتحلى رجال الدين الاسلامي في يوم من الأيام ببعد إنساني ويعلنوا الصفح والمغفرة عن أخطائهم وإساءتهم معاملة الفقراء من البشر والنساء جراء ما اقترفوه من آثام وذنوب التي لا تقل خطورة عن جرائم الكنيسة الكاثوليكية بسبب خضوعهم للسلطة السياسية والاقتصادية على مر العصور…ولنا في هذا القول الأخير رأي مخالف لما ناشدته الدكتورة والمجال هنا لا يسمح للتفصيل فيه، ريثما تكون لنا فرصة قريبة لنخصص له مساحته الهامة.

لجيهان نجيب

بالعربية -موقع الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate