الشباب في صناعة القرار عنوان التنمية والتطوير للمجتمعات
رويدة رفاعي
إشراك الشباب في صناعة القرار والمراكز القيادية في مختلف المؤسسات العربية ليس ترفا أو منحة لجيل فرض نفسه وأثبت جدارته في مختلف المجالات في أنحاء العالم، وإن كانت بعض الدول العربية قد اتخذت مبادرات كبيرة في هذا المجال، فإنه يجب توسيع هذه التجربة في بقية الدول.
تونس – “احلم بتونس الشباب فيها هو مركز القرار وصاحب السلطة. هو من يحرر الاقتصاد ويبتكر التطبيقات ويدخل تونس في القرن الجديد”، عبارة لأحد الشباب تختصر أوضاعهم ليس في تونس وحدها بل في غالبية الدول العربية التي لا يجد فيها الجيل الجديد مكانا في مراكز القرار.
والهوة الكبيرة بين الجيل الجديد والمراكز القيادية التي يشغلها من أهم أكبر سنا، ترجمت على شكل إحباط وتراجع ثقة الشباب بإمكانية التطوير والتنمية ومواكبة العصر في بلدانهم، فالمشاركة تضمن أن يكون للشباب دور في القرارات المؤثرة على حياتهم ومجتمعاتهم، إضافة إلى وجود ثقافة يمكن من خلالها التعرف إلى آراء الشباب والمساهمات الخاصة بهم وتقديرها وتنفيذها بشكل واسع في المجتمع.
وبالتأكيد لا يمكن الجزم بالغياب الكامل للشباب عن صناعة القرار، إذ بدأت بعض الدول العربية خصوصا في السنوات الأخيرة بالاهتمام بتجارب الشباب ومنحهم القدرة على التأثير عبر مناصب قيادية.
وقد تكون هذه الخطوة مدفوعة بالتغيرات الكبيرة على مستوى العالم وتطور التكنولوجيا والتقنيات المتعددة على أيدي الشباب، لاسيما إذا ما أخذنا بالاعتبار أن أكبر شركات التكنولوجيا العالمية أسسها ويقودها شباب، مثل مارك زوكربيرغ الرئيس التنفيذي لفيسبوك وإيفان شبيغل المؤسس المشارك لتطبيق سناب شات والكثير غيرهم الذين يعتمدون أيضا على جيش من الموظفين الشباب في شتى أنحاء المعمورة.
وبنظرة معمقة على الشبكات الاجتماعية وبشكل خاص المهنية منها مثل لينكدان، يبرز حجم الوعي بالنسبة لشريحة واسعة من الشباب العربي، خلال تبادل الأفكار الإبداعية واستغلالها للتسويق الفعلي، أو الخروج بفكرة جديدة تدعم المفهوم الريادي عبر التقنيات الحديثة.
قمة الشباب السابعة
سلطت شما المزروعي وزيرة شؤون الشباب الإماراتية الضوء على تجربة بلادها الرائدة في تمكين الشباب والاستماع لآرائهم وطموحاتهم وتعزيز مشاركتهم في مختلف مجالات الحياة، ووضع الخطط والاستراتيجيات والسياسات لتطوير إمكانياتهم وتأهيلهم والاستفادة من طاقاتهم، وذلك أثناء ندوة افتراضية عبر تقنية الاتصال المرئي تحت عنوان “التنوع والشمول” في إطار فعاليات قمة الشباب السابعة /Y7 Summit/ لمنظمة ”الشباب المحترفون في السياسة الخارجية” التي اختتمت أعمالها الجمعة، في العاصمة الأميركية واشنطن.
وقالت المزروعي ”خلال عملنا في المؤسسة الاتحادية للشباب وجدنا 3 أوجه تشابه بين مبادئ السياسات الخارجية في العالم وثقافة تمكين الشباب، وهي “أهمية إنشاء علاقات ثنائية قوية لتحقيق النجاح وتبادل الخبرات والأفكار، والتركيز على التطبيق العملي الملامس للتطلعات والابتعاد عن فرض النظريات الغير واقعية، واتخاذ القرارات المشتركة بين المعنيين للعمل على طرح حلول عملية وشاملة للتحديات“.
وتهدف القمة التي تضم مجموعة من القادة الشباب من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة، إلى مناقشة التجارب الملهمة والتحديات التي يواجهها الشباب على مستوى العالم للخروج بحلول عملية مبتكرة من شأنها تطوير مهاراتهم ليصبحوا قادة المستقبل، ويشكلوا نموذجا للأجيال القادمة في خدمة أوطانهم.
وقالت المزروعي ”تماما كما علاقات الدول هي أساس النجاح والتقدم البشري والتنمية المستدامة في العالم، يجب أن تكون هناك علاقة مشابهة بين أصحاب القرار والشباب لتعزيز العمل المشترك والتواصل الفعال والمستدام المبني على الاستماع إلى الآراء المختلفة والتطلعات”.
وتختص المنظمة بتدريب الشباب ليصبحوا قادة المستقبل وتعمل على تعزيز قدراتهم في المشاركة والتعامل مع القضايا العالمية الملحة، وإيصال أصواتهم إلى قادة دول العالم.
وتسلمت المزروعي منصب وزيرة لشؤون الشباب في الإمارات بعمر 22 عاما، لتكون بذلك أصغر وزيرة في العالم عام
2016، وأطاحت بكل من وزير الخارجية النمساوي سباستيان كورتس الذي حاز على هذا اللقب عندما تولى منصبه وهو في عمر الـ27، وكذلك عايدة الحاج علي التي تولت وزارة التعليم بالسويد وهي في الـ26.
وحصلت على شهادة الماجستير في السياسات العامة مع مرتبة الشرف من جامعة أكسفورد في المملكة المتحدة، وكانت أول طالبة من دولة الإمارات تفوز بمنحة “رودز” للقيادات الشابّة في العمل الحكومي.
وتناولت المزروعي خلال قمة الشباب السابعة أهمية مشاركة الشباب في صياغة السياسات، من واقع التجربة الإماراتية في هذا المجال، وقالت إنها تستشرف لهم مستقبلا أفضل وتملأهم حماسة وإيجابية، لإدراكهم بأن أصواتهم تسمع، فالاستماع الفعال هو الطريق إلى اتخاذ قرارات أفضل وإيجاد رؤى مشتركة للعمل وتحقيق الأهداف.
وأضافت ”في المؤسسة الاتحادية للشباب نعمل وفق منهجية وخطة واضحة ومدروسة نهدف من خلالها إلى إيصال أصوات الشباب لصناع القرار وإشراكهم في صنع سياسات في الدولة، ونحن نعمل على تنسيق العمل بين هذه الفئة الكبيرة التي تشكل حوالي 49 في المئة من سكان الدولة وبين الحكومة وقطاعاتها كافة”.
استثناء عربي
تشهد الإمارات اعتمادا متزايدا على الشباب ومنحهم مناصب قيادية في العديد من المجالات، ففي فبراير الماضي تم اختيار 33 من الشباب كأعضاء في مجالس إدارات الجهات الاتحادية، وذلك بعد اعتماد قرار مجلس الوزراء بإلزامية إشراك أعضاء من فئة الشباب في مجالس إدارات الجهات والمؤسسات والشركات الحكومية، بما لا يقل عن عضو واحد، وممن لا تتجاوز أعمارهم الـ03 عاما، وإطلاق منصة إلكترونية خاصة تتبع مجلس الوزراء كبوابة للتسجيل والتقديم.
ووفقا للوزيرة الإماراتية الشابة، على مدار 4 سنوات من العمل الجاد في المؤسسة تم تأسيس أكثر من 60 مجلس شباب والعشرات من المبادرات والمنصات لإشراك الشباب بشكل عملي في الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الإمارات، وجرى العمل على ربطهم بشكل مباشر مع صناع القرار في الدولة إلى جانب بناء مراكز شباب مبتكرة في كل أنحاء البلاد بمجهود ومشاركة وإدارة الشباب أنفسهم، وذلك بغرض احتضان إبداعاتهم واستغلال طاقاتهم وإمكانياتهم ضمن بيئة إبداعية بهدف بناء مجتمعات شبابية رائدة على مستوى العالم.
ومنظمة “الشباب المحترفون في السياسة الخارجية” الأميركية التطوعية غير الربحية، تعمل على تنظيم الحدث بشكل سنوي، ويقام هذا العام على مدار 3 أيام من 3 إلى 5 يونيو الجاري، وهذه المرة تم تنظيمه عن بعد بشكل افتراضي بسبب الأوضاع الاستثنائية التي يمر بها العالم نتيجة انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد.
مشاركة مدروسة
يؤكد خبراء الاجتماع أن مسألة المشاركة الشبابية ليست عشوائية، ولديها شروط ومعايير محددة يجب أخذها في الاعتبار، وأهمها وجود رغبة فعلية لدى الشباب فمشاركة الشباب تطوعية بالأساس لأنهم مؤمنون بأهمية مشاركتهم والتي ستحدث فرقا. وأن تكون لديهم المعرفة الواسعة بكيفية الاشتراك وعند أي مستوى من صنع القرار من خلال الأنشطة التي تتناسب مع مهاراتهم وقدراتهم واهتماماتهم.
كما يعتبر من الأولويات تقدير اختلاف الشباب في خبراتهم، خلفياتهم واعتقاداتهم ومواهبهم، فالاختلاف عامل هام للمشاركة والذي ينتج عنه تحقق زيادة الاستيعاب والقبول المجتمعي. والإدراك والاعتراف بما يمثله عمل الشباب من قيمة ومن أفكار ومهارات لها نتائج حقيقة سواء من خلال تأثير جماعي للشباب أو من خلال تمكينهم بشكل فردي.
المجال الخارجي
كذلك فإن المشاركة السياسية تساهم في شعور الأفراد بكونهم جزءا من المجتمع وتخلق حس الثقة العامة، وهي طريقة الأفراد لبيان مطالبهم، واهتماماتهم واعتباراتهم ومشاكلهم للسلطة الحاكمة وحينما يحدث بشكل حر ومستقل يقوي من الطبيعة الديمقراطية للمجتمع.
ورغم أن التركيز غالبا منصب على مشاركة الشباب في نطاق السياسة الداخلية للدولة، إلا أنه من المهم أن تشمل المشاركة المجال الخارجي والعمل على دعم وتقوية المشاركة الشبابية في دعم أهداف سياسة الدولة الخارجية، وهنا يبرز دور الشباب في الدبلوماسية الشعبية للدولة، حتى بشكل غير رسمي.
تعتبر الدبلوماسية الشعبية نشاطا تبذله الدول ممثلة في شعبها لكسب الرأي العام الخارجي بعيدا عن نشاط السفارات والبعثات الرسمية والإعلام التقليدي للدبلوماسية الرسمية ومن أبرز أدواتها النقابات العمالية، والمهنية، واتحادات الطلاب، ومنظمات الشباب والمرأة، والبرلمانات، والأحزاب، والفرق الرياضية، والفنون الشعبية، وغيرها من المنظمات الأهلية غير الحكومية التي تمتلك علاقات صداقة بمنظمات موازية لها من مختلف أنحاء العالم.
ويظهر دور الشباب كشريك (إلى جانب عدد من الشركاء الآخرين) في تنفيذ سياسات الدول الخارجية، فالدولة تقدم لهم الدعم والمساندة من أجل توصيل رسائلها.
وفي هذا الشأن تبرز التجربة المصرية على الصعيد العربي، من خلال المبادرات العديدة للشباب المصري لدعم بلادهم سياسيا وشعبيا خارج الحدود، مثل مبادرة مجموعة من الشباب الداعم لترشيح مصر في مجلس الأمن 2016 – 2017، فقد قاموا بإعداد كتاب مواز للكتاب الذي توزعه الحكومة والدولة المصرية على دول العالم للترويج لعضوية مصر بمجلس الأمن.
وكان الكتاب سيرة ذاتيه لمصر بأقلام شبابها، وقد تمت ترجمته إلى ثلاث لغات وهي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية.
كما يقوم الطلاب في الجامعات المصرية بتقديم محاضرات توعوية بالسياسة الخارجية لزملائهم من الطلاب ودراسة لموضوعات العلاقات الدولية وتكوين رؤى حول تحسين وضع مصر الخارجي والوصول إلى هدف تلك السياسة.
ويربط العديد من الخبراء وحتى الشباب أنفسهم مسألة المشاركة في الحياة العامة بطبيعة النظام السياسي في الدولة، فكيف ستكون مشاركة للشباب في الحياة العامة إذا كان الجسم الرسمي الذي يمثل الشباب (مثلا المجلس الأعلى للشباب في بعض الدول العربية) لا يقل فيه عمر الأعضاء عن 50 عاما. لذلك يحتاج ترسيخ مفهوم مشاركة الشباب في المراكز القيادية وصناعة القرار إلى رغبة في تفعيله من قبل السلطات العليا.
ولا يجب إغفال دور الشباب أنفسهم في هذا الشأن، فعلى سبيل المثال خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية في مختلف المناطق، تقع على عاتق الجيل الجديد مسؤولية المشاركة واختيار ممثليهم من الشباب أو من يؤمنون بأهمية دورهم وفعاليتهم في التنمية والتطوير.
العرب-موقع الحداثة و الديمقراطية