اصلاح ديني

كيف يستخدم الدين في خدمة الأغراص السياسية؟

نشر أستاذ العلاقات الدولية في جامعة لندن، المؤلف النيوزلندي البارز “ستيفن تشان”، مقالة في مجلة “فير أوبزيرفر” الأمريكية، يتحدث فيها عن مخاطر استخدام الدين في تنفيذ الأهداف السياسية ، وآثارها “المدمرة” على الأجيال المختلفة.

يعاني العالم اليوم من ظاهرة مقيتة تنطوي على استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية بحتة، بعيدة كل البعد عن المقاصد التي جاءت بها الأديان السماوية. ومن أبرز التكتيكات التي يستخدمها استغلاليو الدين ما يُطلق عليه اسم “الشيطنة”، التي تُستخدم بغرض تشويه صورة الأعداء السياسيين، وتحجيمهم أمام الناس.

وقد باتت هذه الظاهرة الخبيثة مبعث قلقٍ عميقٍ للنّخب الثقافية والفكرية والسياسية كافة، وحتى الدينية في مختلف المجتمعات. وبالطبع، لا يمكن نكران قوة الدين في التغلغل في أفكار ومعتقدات الشعوب، إلا أن المشكلة تكمن في استغلال هذه القوة لتمرير الأجندة السياسية من جهة، وشيطنة المنافسين من جهةٍ أخرى.

في الحقيقة، الدين بحدّ ذاته لا يسعى إلى تحقيق الأهداف السياسية لصالح أيّ طرفٍ كان، سواء دولة أو مؤسسة أو حركة سياسية أو أفراد، إلا أن هذه الفئات هي من تعمل على تغليف أجندتها بالدين من خلال الكتب المقدّسة أو النصوص الدينية المتوارثة عبر الكتب القديمة. وفي هذا السياق، تقوم الأطراف الاستغلالية بمزج الدين في أطرٍ أيدلوجية لا تخدم إلا أصحابها، اعتمادًا على تقاليد فلسفية ولاهوتية وبأساليب متقنة جدًا.

ولهذا، لا تقوم تلك الفئات بتسويق الدين إلا بأشكاله المؤطرة سياسيًا، للتأثير على الغالبية العظمى من الناس، لا سيّما العاديين والبسيطين منهم، من أجل تحقيق الاستفادة القصوى الممكنة. ومع مرور الوقت، يكسب أصحاب الأجندة أرضية شعبية بشكل تدريجيّ، وسرعان ما تصبح الأجندة السياسية ثقافة دينية زائفة ومتوارثة عبر الأجيال. ونتيجة لذلك، بتنا نرى الكثير من التنظيمات الدينية لا تخوض حملاتها الانتخابية إلا تحت شعارات دينية، يجري إسقاطها على أهدافها السياسية بكلّ عناية.

ولعلّ الإسلام السياسي الراديكالي هو أبرز مثالٍ على توظيف الدين في خدمة الأغراض السياسية؛ إذ تقوم الأحزاب والتنظيمات الإسلامية المتشددة بتخويف الآخرين باسم الدين، فضلًا عن استقطاب البسطاء الذي يشكلون غالبية في بعض المجتمعات الإسلامية. ولكن الأمر لا يقتصر على الإسلاميين فحسب، بل إن المسلمين أنفسهم يشعرون بالخطر من قبل الهندوس في الهند، والبوذيين في بورما. وفي الوقت ذاته، يشعر الهندوس والبوذيون بالخطر من بعضهم البعض في سريلانكا.

وكذلك الشعب اليهودي، الذي يوفر لنا مثالًا حيًا على استخدام الدين في خدمة إسرائيل في صراعها السياسي مع “جيرانها”، لا سيّما البناء الاستيطاني، والسيطرة على الأماكن المقدسة. وإيران أيضًا، التي تجنّد الدين لتبرير عدائِها للدول الإسلامية السنيّة، وتوسّعها في عددٍ من الدول العربية، وكذلك تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يمارس القتل والتعذيب وغير ذلك من الممارسات الإجرامية.

ومن أبرز التنظيمات الإسلامية المعروفة باستغلال الدين للوصول إلى المكاسب السياسية، جماعة الإخوان المسلمين، التي تمددت من مصر إلى بقية الدول العربية، مستغلة دور العبادة والصحف في بادئ الأمر، ثم القنوات الدينية والإنترنت في وقت لاحق. وهذا ما أكدت عليه صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور” الأمريكية، التي تحدثت عن “صعود الإخوان إلى المنصّات السياسية الرفيعة عبر المنابر في أكثر من بلد عربيّ”. وقالت الصحيفة إن “الإخوان أظهروا ألوانهم الحقيقية بعد تسلمهم سدة الحُكم في البلدان العربية التي اجتاحتها ثورات الربيع العربي، الأمر الذي كشف التناقض الصارخ ما بين سياساتهم الفعلية وأجندتهم الانتخابية المغلفة بالدين”.

وتحدثت كذلك مجلة “ذي كونفرزيشن” الأسترالية عن تبني جماعة الإخوان تكتيكات جديدة، لتمرير وغلغلة أجندتها السياسية إلى الشعوب، استنادًا إلى الدين، من خلال “إنشاء مؤسسات وجمعيات وحركات جديدة تحمل أسماء دينية مختلفة، في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة، إلا أنها تخدم جوهر وشخوص الحركة الأم؛ جماعة الإخوان المسلمين”.

لقد أصبحت الأيدلوجية الدينية سمة من سمات العصر، تعمل على تبرير ما لا يمكن تبريره من المنظور السياسي. وما زاد الطين بلة، هو استخدام المنصات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي على نطاق واسع للوصول إلى مختلف القطاعات. وهذا هو الخطر الحقيقي الذي يواجه العالم اليوم، الذي ينطوي على تشويه وشيطنة المنافسين باسم الدين.

كيوبوست- موقع الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate