حول زيارة وزير الخارجية الاماراتي لسوريا و لقائه رئيس النظام السوري
تركت زيارة وزير خارجية الامارات الشيخ عبد الله بن زايد ال نهيان دمشق منذ ايام و التقائه رأس النظام السوري العديد من ردود الافعال و الاثار و الانطباعات ،تصب في غالبيتها ان لم نقل في مجملها ،في جهة الحديث عن انتصار النظام السوري و هزيمة حراك الشعب السوري الذي تفجر ضد الاستبداد عام ٢٠١١ ، معتبرين ان هذه الزيارة هي مقدمة لاعادة النظام الى الجامعة العربية التي بدورها هي الاخرى ليست الا مدخلا شرعيا لاستعادة وضع سورية النظام في السياسة الدولية الى ما قبل اشتعال الثورة ضده، ورغم ان هذه الزيارة لم تكن المؤشر الاول على سياسة جديدة طفقت دول عربية عديدة منها الامارات العربية المتحدة و المملكة العربية السعودية و البحرين و مصر و الاردن باتخاذها ، الا ان غالبية المراقبين و المعنيين بالشأن السياسي السوري من جميع الاطراف المؤيدة و المناهضة للنظام و سياساته تلقفوا هذه الزيارة و كأنها اعلان انتصار للنظام أو اعلان خيبة و شعور ضمني بهزيمة الحركة صوب الحرية التي اطلقها الشعب السوري في ١٥ اذار قبل اكثر من عشر اعوام ،و ذهب العديد من هؤلاء اذ ذاك متسلحين بقراءات لا تعي السياسة وفقا لمحركاتها و اليات صناعتها الى اعتبار ان هذه الزيارة لم تكن لتحصل لولا حيازة الامارات العربية المتحدة على ضوء اخضر امريكي و بالتالي موقف دولي يتقبل بقاء النظام و التعامل الطبيعي مع سورية بوجوده ،الا ان حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية يقرأ هذا التطور بشكل مختلف يدعي انه اكثر موضوعية واتزانا مما يقال او يكتب او يشاع في هذا الصدد ، فالامارات لن تضطر الى اخذ اذن من الولايات المتحدة للقيام بهكذا زيارة ، هي دولة مستقلة ذات سيادة تصنع قرارها السياسي وفقا لمتطلبات و مصالح هي من تحددها ، و الولايات المتحدة بدورها ليست كما يخيل للكثيرين من السوريين والعرب الناشطين و المهتمين في الشأن العام القوة الكونية المطلقة التي تلم بكل ما يحدث في العالم و تتحكم به ، هذا من جهة من جهة ارى ، لا توجد هناك اتفاقيات او اطر دولية تضم الولايات المتحدة و الامارات تمنع الاخيرة من زيارة وزير خارجيتها الى دمشق و لقاء رأس النظام هناك ، كما ان قانون قيصر و مجمل العقوبات التي اعلنتها الولايات المتحدة و الاتحاد الاوربي تخص التعامل و الدعم الاقتصادي العسكري مع النظام و ليس الدبلوماسي بكل تأكيد .
صناعة القرار السياسي في الدول المستقلة تتبلور في غالبية ساحقة من حالاتها وفقا لحيثيات و ديناميات و معادلات و مصالح محض محلية متعلقة بالدولة ذاتها ، نعم هي تحصل في بيئة معقدة من الحسابات الا انها تتحصل وفقا لما يتعلق بالدولة و الخطوط الرئيسية التي لرسمتها لسياساتها .
بالعودة الى الزيارة ، يرى حزب الحداثة انها لا تؤشر بأي حال على انتصار النظام السوري وفق المعنى الذي يضبطه الحزب ، فالعودة الدبلوماسية اليه من قبل بعض او غالبية الدول العربية وحتى عودته المحتملة الى جامعة الدول العربية لن تطيح بالحصيلة الدولية العامة للحدث السوري التي عبر عنها قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ ، وقرر انها تحصل وفقا لعملية سياسية و بناء نظام سياسي لا يقوم على تجسيد السلطة بل على مأسستها و لا ينهض على الاسدية بوصفها نظاما لانتاج السياسة و معها كافة مناحي الحياة في سورية بل على نظام سياسي تعددي تتوزع فيه السلطة وفقا لمراكز قوة عديدة وتتشارك فيها اطياف سياسية و اثنية و مذهبية على قاعدة السياسة و ليس على قاعدة الهويات القاتلة
و كما يقول الحزب في مناسبات اعلامية على لسان رئيسه واعضاء قياديين فيه ، ينقص تطبيق قرار مجلس الامن ٢٢٥٤ محليا و بشكل رئيسي نضج معادلات القوة في الواقع السوري على الشاكلة المناسبة و المواتية لتطبيقه ، و التي تنتظر لاكتمال نضجها ، معضلة الاعتراف بشرعية معينة لمناطق الادارة الذاتية و تطبيع وضعها المحلي داخل سورية و الاقليمي مع تركيا ،و تفكيك هيئة تحرير الشام الارهابية في ادلب و اعادة هيكلة القوى النافذة في تلك المنطقة بعد تفريغها من شحنات الارهاب و التطرف و الدفع بها نحو الاعتدال .
و لأن كل الاتفاقيات و المرجعيات بدءا بجنيف ووصولا لقرارات مجلس الامن لا تقول باسقاط النظام عسكريا و انهائه فيزيائيا فلا يبقى و الحال هذه للمضي صوب انهاء البطء في الوضع السوري سوى المزج بين العمل الدبلوماسي و سياسة العقوبات بل و حتى الحوافز مع ابقاء قنوات الحوار لكافة المنخرطين المحليين الاقليميين الدوليين في الشأن السوري متاحة و مشرعة . و لسنا نجد في الخطوة الاماراتية الاخيرة و في الخطوات القادمة ، لها و لدول عربية اخرى ربما ، الا في كونها تصب في هذا المنحى و الفهم و السياق .فهي ان لم تفد بوصفها تنويعا في المقاربة وفتحا لخطوط دبلوماسية جديدة كما نظن نحن إلا أنها لن تضر بمسار الحل السوري وفقا لقرار مجلس الامن ٢٢٥٤ .
مجلس الادارة السياسي لحزب الحداثة و الديمقراطية
١٢ تشرين الثاني من عام ٢٠٢١