كيف تَكسر المرأة قيود العادة،وتمتلك مفاتيح السيادة؟
بادية شكاط
قد باتت غربلة المفاهيم ضرورة حتمية لنفض ماعلق من غبار عتيق ،حَبَس أنفاس الفكر وألقى به في جُبّ من الأوهام سحيق،فصارت المومياء تُستنطق ليؤخذ بقولها،والسّلالم تُتسلّق من عليائها،والساعة تُوقّف لقراءتها،بينما الزمن يسير وكل شيئ من حولنا في تغيير،وقد لقيت المرأة من كلّ ذلك ذات المصير،فصار الرجوع بها إلى القرون الوسطى هو جادّة الصواب،وبات من الحكمة أن تُغلّق عليها الأبواب لكي لايطال حياتنا الفوضى والخراب،بيد أنّ هاته المرأة هي نوع بشري كالرّجل نابض بالحياة،وتريد أن يكون لها أثر في الوجود،ولها ماله من حقوق وواجبات،وترمي لتحقيق عظيم الإنجازات،دون خلط بين الأدوار والإمكانات،فأدوارها أن تكون أمًّا وذاك من الأولويات ،إنّما إذا كانت صاحبة طموح وكفاءة وأرادت تَحمّل خلافها من المسؤوليات فمِن الجرم حرمانها بسبب أفكار مجرّدة بعيدة عن الممارسة في الحياة ،والتي جرت عليها العادة فاستمرّت معنا في الزمان حتى صارت بدهنياتنا لصيقة وكأنّها بالفعل الحقيقة،فليس كفرا أن تصبو المرأة إلى مناصب صنع القرار لمجرّد معتقد سائد في دهنيات.
لاتأخذ من الدّين غير القشور،وتلبس الحق بالباطل دون تمحيص في الأصل والجذور،وتشيّد صروحًا من الإعتقاد أساساته كلّها عناد،فقالوا مثلا أنّ الإسلام يحرّم تولي المرأة المناصب القيادية،رغم أنّ دستور المسلمين الأول وهو القرآن الكريم لم يتناول الحاكم كنوع بشري متباين بين الذكر والأنثى،إنّما تناوله كسلطة فاعلة يمكن أن تُصلح في الأرض أو تفسد فيها،فهذا سليمان عليه السلام قد سخّر له كل شيئ،وهاته بلقيس قد أوتيت من كلّ شيئ،أمّا فرعون الطاغية فقد وهبه جسدا لايبلى عبرة لمن يخشى.
فالحاكم ليس بذكوريّته إنّما بذِكْرِه ،رجلاً كان أم إمرأة،فمَن علا ذِكره وبقي أثره كان أحقّ بالحكم وأجدر به،يقول عزّوجل:” ولَقد كَتبنا في الزّبورِمن بعدِ الذّكرأنَّ الأرضَ يَرِثُها عبادي الصّالِحون”
فالأرض كما قال بعض المفسّرين في الآية الكريمة يُراد بها الدنيا ،ويكون المعنى أنّ الله عزّ وجل يُمَكّن لعبده الصالح في الأرض ذكَرا كان أم أنثى،كافرا كان أم مسلما،كتمكينه تبارك وتعالى لقوم عاد وثمود،فالحاكم بصلاحه لابعقيدته ،وبإيديولوجيّته لا ببيولوجيّته،أمّا من يأخذ بقوله عليه الصلاة والسلام:” لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمرأة” والذي له إثنان وعشرون حديثا،فأغلبهم يجهلون قصّته والتي تتلخّص في أنّ ملك فارسي من العائلة السّاسانيّة التي كانت تحكم فارس،توسّعت عائلته الحاكمة فازدادت النزاعات والصراعات بداخلها على الملك ،فأصدر قرارًا بقتل جميع الذكور من تلك العائلة ،وأبقى فقط على ابنه حتى لا ينافسه في الملك أحد،غير أنّ هذا الأخير توفي وبعدها توفي أيضا الملك ،فلم يعثروا بذلك على خلف لهما من الرجال،فولّوا إمرأة،وحينها قال عليه الصلاة والسلام:” لن يفلح قوم ولّوا أمرهم إمرأة”،ورغم أنّ القاعدة الأصوليّة أنّ العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السّبب ،إلاّ أنّ في هاته القاعدة إستثناءات،وقد إختلف العلماء في تفسير الحديث ،فمنهم من قال أنّ الرسول عليه الصلاة والسلام يعلم أنّ هؤلاء القوم لن يفلحوا بتوليتهم هاته المرأة ،التي تجبّرت على قومها ،وأحدثت الفساد في حُكمها،فلم يفلح بالفعل رعيّتها،فكان هذا الحديث برأي بعض العلماء كأبي حنيفة خاص بهاته الملكة دون غيرها،ومادام الأمر مناط إختلاف فلا يمكن الجزم بتحريمه.
ثم إنّ الدراسات الحديثة تثبث في مقارناتها بين الرجل القائد والمرأة القائدة،أنّ المرأة أكثر مناسبة للقيادة من الرجل،فالقيادي من الرجال يعمل بدرجات متفاوتة من الجهد لكن بدون انقطاع ،بينما المرأة القيادية تعمل بدرجة واحدة من الجهد و لكنها تأخذ فترات راحة قصيرة ومتباعدة،كذلك فإنّ هذا الرجل تربكه المقاطعات وتؤثر على أدائه الزيارات ،بينما بالنسبة للمرأة هي فرصة لبناء العلاقات ،إضافة إلى أنّ الرجل القيادي لايمكنه التوفيق بين العمل وغيره من جوانب الحياة ،ذلك لأنه يمكنه التركيز على أمرِدون سواه، بينما المرأة بإمكانها تخصيص وقت لغير العمل كالأمور الأسريّة ،هذا وإنّ الرجل القيادي يحب الإحتفاظ بالمعلومات ،بينما المرأة القيادية ترغب في تبادلها،كما أنّ هذا الرجل لايركّز على تقييم الأداء وآثاره المستقبلية ،بينما تركّز المرأة القيادية فتقيّم الأداء وتلاحظ الأخطاء ،ولها نظرة إستشرافيّة.
كذلك فإنّ الواقع يثبث جدارة المرأة رغم أنّ المجتمعات بأبويّتها الصارخة تجعل منها دوما تلك الطاهية أو الباكية الشاكية،في حين أنّها تملك من الطاقات الإبتكارية والأفكار الإبداعية والإمكانات الرّياديّة مايخوّلها للقيادة،غير أنّه تجابهها عدّة تحدّيات وأهمّها محاولة تغييبها وإقصائها من الساحة السياسية ،كتحديد سقف وجود النساء في الوزارات واللّجان البرلمانية،إضافة إلى عدم تصويت الرجال لصالح المرشحات منهنّ،وكذا عدم فتح المجال واسعا لهنّ لإبداء آرائهنّ،حيث أنّ النساء في البرلمان مثلا لايؤخذ برأيهنّ إلاّ في قضايا المرأة ،متجاهلين ذلك في مختلف القضايا التنموية،ويجدر بالذّكرتلك المعاناة المادية التي تطال المرأة غالبا،فتحول بينها وبين سداد تكاليف الحملة الإنتخابية.
كما أنّ توصيات إتفاقية منع التمييز ضد المرأة وغيرها من الإتفاقيات الدولية والإقليمية الخاصة بإجراءات العمل الإيجابي، ظاهره خير وباطنه من تحته القهر، لنساء إستُخدِمن لأغراض سياسية،كإبراز النوايا الحسنة خدمة للمصالح الذاتية.
وأمام كل هاته التحدّيات يبقى زرع بذورالوعي السياسي المبكر هو السبيل للقضاء على الفكر المتحجّر، إضافة إلى أهمية المنظمات النسوية في الدفع بالنساء من خلال الدعم والتدريب،للتنافس على المراكز القيادية وعدم الإكتفاء بالمشاهدة والإمتثال، بل بالقيادة والإنفعال.
أمّا رؤية المرأة الواضحة لغاياتها،وعدم إحتقارها لذاتها،وتقديرها لكفاءاتها فهو من أولى خطوات نجاحها.
منظمة إعلاميون حول العالم- موقع الحداثة و الديمقراطية