السيادة والمواطنة في الدولة العربية الحديثة
سمير حمدي
كان المشغل الأساسي لدولة ما بعد الاستقلال في المنطقة العربية التأكيد على السيادة الوطنية من خلال بناء جهاز إداري وطني وتركيز مؤسسات أمنية وعسكرية حديثة وإجمالا محاولة التأسيس لأجهزة سلطة وإدارة تتحكم في الشأن العام. غير أن هذا الجهد رغم أهميته ظل بعيدا عن الاعتراف بحقوق المواطنة حيث ظلت المسائل الحقوقية والاعتراف بالتعددية بمعانيها الواسعة بعيدة عن التحقق.
وفي ظل الشعارات الثورية التي رفعتها بعض الدول والإغراق في الوطنية المبالغ فيها التي ابتلعت كل المنظومة السياسية في إطار جهاز حكم مركزي تجسم في نظام الحزب الواحد أو دولة الحاكم المطلق الأمر الذي أفضى إلى تشكل دول بوليسية غاية في الانغلاق تتعامل مع شعبها بالشبهة وتمارس عنفا على المجتمع كأنها في حرب معه. الأمر الذي منع التطلعات الاجتماعية الطبيعية لجيل ما بعد الاستقلال ورغبته في لعب دور مؤثر في تطوير الدولة وانجاز تحولات فعلية تساعد في التقدم والرقي في شتى المجالات.
لقد كان مفهوم السيادة الوطنية بالمعنى الضيق غالبا على الفكر السياسي العربي لعقود طويلة حيث تم الإنفاق على المنظومات الأمنية والعسكرية وتسخير كل إمكانيات الوطن لخدمة القوة الصلبة المهيمنة على الدولة والمجتمع في ذات الوقت. وقد شكل النموذج السوفياتي في مرحلة ما مصدر الهام لأنظمة عربية كثيرة حيث تصور حكام بعض الدول العربية انه من الممكن تطوير المجتمع عبر آليات الإخضاع والإكراه على الطريقة الستالينية حيث يتم تذويب الأفراد ضمن المجموعة التي يتم صهرها ضمن تصور أحادي لمعنى الثقافة المجتمعية اعني الثقافة التي تحاول السلطة القائمة فرضها بالقوة على عامة الشعب.
ومن هنا غاب مفهوم المواطنة بمعناه الدقيق لأنه في دلالته الدقيقة يمر حتما عبر احترام استقلال الإنسان ووجوده الشخصي وقدرته على التعبير والتأثير والفعل.
لقد غاب عن زعماء دول ما بعد الاستقلال في المنطقة العربية فكرة أن الحكم الرشيد لا يقوم على أساس القوة إذ القوة إمكان يؤدي إلى العنف لأن القوة تأسس واقعا ولا تضفي شرعية فهناك فرق بين الأمر الواقع (القائم على الإلزام) والأمر المشروع وهو أن يكون الحكم نابعا من إرادة المحكومين وان يبقى الحق قيمة أخلاقية تتوفر للفرد دون إلزام أو خوف بل من خلال الشعور بالواجب والاحترام.
فالسيادة الحقيقة للدولة لا تكمن في قوتها العسكرية أو مدى هيمنتها أو دخولها في أحلاف كبرى بقدر ما تتعلق قبل شيء بمكانة المواطن داخل دولته وما الذي يتحقق لصالحه من حقوق اجتماعية وسياسية وثقافية. أليس غريبا أن الاتحاد السوفياتي السابق رغم قوته العسكرية الهائلة انتهى إلى الانهيار في مقابل النموذج الاسكندينافي القائم على تعليم متقدم ومنظومة حقوق اجتماعية عادلة ما جعل دولا مثل فنلندا والسويد والنرويج تتصدر الترتيب العالمي في جودة التعليم وغياب الفساد؟ وقياسا على ذلك ألا نجد أن دولة مثل ماليزيا حققت تقدما اجتماعيا في مجالات التعليم والرفاه الاجتماعي أكثر من دول نفطية عربية وإسلامية أخرى ركزت على الإنفاق العسكري وتسخير الموارد لخدمة الأجهزة السلطوية قبل خدمة مواطنيها؟
إن ثنائية السيادة والمواطنة هي المعضلة الحقيقية التي ينبغي حلها في المنطقة العربية ذلك أن كثير من الأنظمة في هذا الإقليم الجغرافي الممتد من المحيط إلى الخليج فشلت في تحقيق التنمية أو الاعتراف بحقوق المواطنة لأبناء شعبها وفي ذات الوقت عجزت عن الحفاظ عن السيادة الوطنية المفترضة والتي لأجلها تم تأميم كل مظاهر الحياة العامة في هذه البلدان.
إن السيادة الحقيقية لا تتحقق إلا عبر الاعتراف بحقوق المواطنة ذلك أن الدولة لم توجد لتلغي حرية الإنسان أو تقيده بالقهر وإنما وُجدت لتحرر الفرد من الخوف ولتضمن له حقوقه الأساسية التي يتمتع بها بمقتضى إنسانيته وفي مقدمتها الحرية وهذا ما يفسر الثورات المتواصلة للشعوب ضد أنظمتها التي لم تحفظ السيادة كما لم تحقق تنمية أو تبني مواطنة.
المغربي- موقع الحداثة و الديمقراطية