المرأة

المنهجيات النسوية

ترجمة أحلام الحربي

ظهرت فلسفة النسـوية في الولايات المتحدة في السبعينات من القرن العشرين بعد عقد واحد من انطلاق الحركة النسوية في الستينات، وعلى الرغم من أن سيمون دي بوفوار قد نشرت كتابها ذو التأثير الكبير ” الجنس الآخر ” في ١٩٥٣، فقد استغرق النساء في الولايات المتحدة عقداً كاملاً على الأقل للبدء بتنظيم المظالم التي حددتها بوفوار، واستغرق الفلاسفة النسويون في الولايات المتحدة وقتًا أطول للالتفات إلى عملها كمصدر للإلهام.

         وعلى الرغم من أني سوف أركز في هذا المقال الافتتاحي على ظهور الفلسفات النسوية المعاصرة في الولايات المتحدة، فلا بد أن أشدد على أنه مجرد باب واحد من تاريخ الفلسفة النسوية الأكبر. تملك الفلسفات النسوية تاريخا يعود على الأقل إلى بدايات العصور الحديثة، كما أن لها أصولا مختلفة في مناطق جغرافية مختلفة. ويتفاوت كلاً من تاريخ النسوية والصفة الخاصة بها في الدول والفترات الأخرى بطرق مهمة ومثيرة. وبناء على ذلك، من المهم أن نفهم أن هذا المقال مجرد مقدمة للفلسفات النسوية المعاصرة في الولايات المتحدة.

         بادئ ذي بدء، يتطلب فهم نشأة أو ظهور الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة في الولايات المتحدة مراجعة سياقين على الأقل _ السياق السياسي لما سُمي ” الموجة الثانية للحركة النسوية “وطبيعة الفلسفة في أكاديميات الولايات المتحدة.

السياق السياسي: بزوغ الحركة النسوية في الولايات المتحدة

في الخمسينيات، كانت الولايات المتحدة تعيش في وقتٍ مركب. إذ كانت الدولة في قمة عهد المكارثية، بيد أنه كان العقد ذاته الذي شهد حركة الحقوق المدنية. وفي ١٩٥٣، استُدعي باروز دنهام رئيس قسم الفلسفة في جامعة تيمبل بواسطة مجلس النواب بتهمة القيام بنشاطات مناهضة لأمريكا (HUAC). وعلى الرغم من أنه حوكم وبرئ لرفضه الإدلاء بأية معلومات عدا اسمه وعمره وعنوان سكنه إلا أن جامعة تيمبل طردته. واستدعي عدد من الفلاسفة أيضاً للإدلاء بشهاداتهم أمام HUAC وطُرد البعض من مناصبهم بسبب عضويتهم في الحزب الشيوعي. وفي عام ١٩٥٥، أُلقي القبض على روزا باركس لأنها احتفظت بمقعدها الأمامي لباص في مونتغمري ألاباما بعد عام واحد فقط من قرار المحكمة العليا في قضية براون ضد مجلس التعليم والتي منعت التمييز العنصري في المدارس العامة. وفي ١٩٥٧، سُمي مارتن لوثر كينج رئيسا لاتحاد قادة المسيحيين الجنوبيين المشكل حديثا وبدأ حملته لإنهاء التمييز العرقي.

في١٩٥٠، من المهم استذكار كانت قبل سنوات فقط من حملة لتشجيع النساء العودة إلى البيت والفرن وترك الأعمال التي امتهنوها كجزء من جهود الحرب.1 أحد تلك الأمثال الجلية هو خطاب أدلاي ستيفنسون لخريجات كلية سميث الني حثت بها تلك النسوة المتعلمات ألا يُعرّفن أنفسهن بالوظيفة وإنما أن يساهمن بالساسة عبر دور الأم والزوجة. وبينما اجتثت المكارثية التخريب السياسي من جذوره، عمل العلم والإعلام يعملان على ترسيخ الأدوار الصحيحة للجنسين. وفي ١٩٦٠، نشرت مجلة لايف مقابلات مع خمسة أطباء نفسيين ذكور يحاجون أن طموح الأنثى قرارة المرض العقلي عند الزوجات والإحباط العاطفي عند الأزواج والمثلية عند الأولاد.

  • بروز الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة

بيد أن العدد المتزايد من النساء المشاركات مسيرات الحرية والاحتجاجات ضد الحرب على فيتنام أظهر إلى وعيا يتفتح على الإجحاف الجندري. وبالنظر إلى نسخة 1975 من دراسة ألينور فليكسنر الفارقة، تشرح ألينور أن الحركة النسوية في 1959:

كانت النساء منخرطات في تلك النضالات ابتداء بالجنوب ومن ثَم في كل أنحاء البلاد. تعلمت بعض النسوة البيض الدرجة التي كانت بها النسوة السود أسوأ حالا منهن أو عن الرجال السود. وتعلمت النسوة البيض والسود ما تعلمته النساء القليلات النشطات في الحركة العمالية قبلهن بكثير؛ أن النساء مقصيات بطبيعة الحال من الأدوار القيادية لصنع السياسة حتى في أكثر الحركات راديكالية، درس كان ينبغي تعلمه مراراً وتكراراً في الحملات السياسية والسلمية في نهاية الستينات. (1975, xxix)

         وفي عام ١٩٦٦، قدمت المنظمة العالمية للنساء (NOW) التماسا لوقف الفصل الجنسي في إعلانات الطلب وبعد عام طلبت المنظمة إنشاء مركز لرعاية الأطفال بدعم فيدرالي. وفي عام ١٩٦٨، بدأت NOW في التركيز على تشريع الإجهاض. وفي عام ١٩٦٧، قدّم يوجين مكارثي مقترح تعديل المساواة في الحقوق في مجلس الشيوخ. وفي ١٩٦٨، احتجت النسويات في نيويورك على عرض ملكة جمال أمريكا وتوجن نعجة حية كملكة جمال أمريكا وأعددن “قمامة الحرية” ألقين بها الرموز القمعية والتي شملت حمالات الصدر والمشدات والشعر المستعار والرموش الصناعية (على الرغم من غياب النار في هذا الاحتجاج الرمزي، إلا أن الإعلام حول هذا الاحتجاج الرمزي إلى حادثة شائنة لـ ” حرق حمالات الصدر “). وفي عام ١٩٦٩، سجل الشغب في ستون وول بداية حركة حقوق المثليين.

وفي ١٩٧٠، اقتحمت جبهة تحرير المرأة في سان فرانسيسكو اجتماع ملاك شركة كولومبيا للبث (CBS) للمطالبة بتغييرات في طريقة تصوير الإعلام للنساء، وسُلّم نموذج خطة عمل إيجابية أعدتها NOW إلى قسم العمل.  وفي نفس السنة نُشرت ثلاثة نصوص رئيسية للحركة النسوية في الولايات المتحدة: جدلية الجنس لشولاميث فريستون، والسياسة الجنسية لكيت ميلث، والأختية هي القوة لروبين مورغان. وفي ١٩٧٠، تم عقد مؤتمر صحفي برئاسة قائدات الحركة النسوية جلوريا ستينيم، تي جريس أتكنسون، فَلَو كينيدي، سالي كيمبتون، سوزان بروان ميلر، إيفي بوتليني ودولوريس أليكساندر وأعربت فيه النسويات عن تضامنهم مع نضالات المثليين لتحقيق الحرية في المجتمع متعصب جنسيا.  بيد أنه في ١٩٧١، خلال مؤتمر الإجهاض الوطني حيث تبنين مطالبات بإلغاء كافة قوانين الإجهاض وعدم تقييد وسائل منع الحمل واتخاذ موقف ضد التعقيم القسري، صوتت المجموعة ضد حرية التعبير الجنسي مسببة انحاب العديد من الحضور احتجاجا على الأمر وزارعة من الحاضرات حركة انفصالية داخل الحركة النسوية (انظر مقال ما هي النـسوية؟).

         ومن هنا، انبثقت الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة المرجل السياسي والاجتماعي القوي. وفحين يناقش البعض الآن زعم أن تطور الأفكار والنظريات في العلوم، وعلم الاجتماع والإنسانيات كذلك، عكست وتأثرت بسياقاتها الاجتماعية والتاريخية والفكرية، فإن الفلاسفة في الولايات المتحدة حتى عهد قريب لم يولوا اهتمامًا كافيًا بالسياقات الاجتماعية لفلسفة الولايات المتحدة في القرن العشرين، خاصة من ناحية كيف أثرت العوامل الثقافية والسياسية على حركات الفلسفة داخل الأكاديميا (McCumber 2001). يقدم انبثاق الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة توضيحًا ممتازاً للتداخل الشديد بين تطور المواقف والأساليب الفلسفية وسياقاتها الاجتماعية.

بزوغ البحوث الفلسفية النسوية في الولايات المتحدة

         انبثقت العديد من الكتابات المبكرة لفلاسفة نسويين من محاولات للتغلب على القضايا التي نتجت عن الحراك النسائي مثل: كشف طبيعة العنصرية الجنسية ومسببات قمع النساء وتساؤلات أفضل كيفية للحصول على تحرير المرأة -تساوي الحقوق داخل الهيكل السياسي والاجتماعي الحالي مقابل التغييرات الثورية لهذا الهيكل، مسألة “طبيعة المرأة”، التحليلات الفلسفية عن أخلاقية الإجهاض وهكذا مثلا. وفي هذا العقد الأول من الكتابة، حولت فيلسوفات نسويات انتباههن إلى الماضي للبحث كيف تعامل الفلاسفة الكنسيين مع مسألة النساء، من اجل تحديد ما إذا كانت آراؤهم قد تقدم مصادرًا لمعالجة القضايا المعاصرة، وما إذا كانت العنصرية الجنسية في نظرياتهم استمرت في اجتياح الممارسات الفلسفية وربما الاجتماعية والسياسية أيضاً.

         يمكن الحصول على لمحة، ولو صورة محدودة، لظهور علم الفلسفة النسوية في بحوث الولايات المتحدة وأبعد من ذلك من خلال النظر في عدد من المقالات الصحفية المصنفة في فهرس الفلاسفة. حتى عام ١٩٧٣، يصف الفهرس ثلاثة مقالات فقط تحت الكلمة المفتاحية “النسوية”، ليقفز الرقم بعدها إلى أحد عشر، يعود الفضل بشكل كبير إلى العدد الخاص من المنتدى الفلسفي الذي كتبته كارول قولد وماركس وارتوفسكي والذي أصبح الأساس لأول إنثولوجيا مهمة عن الفلسفة النسوية، النساء والفلسفة: نحو نظرية التحرر. بين عامي ١٩٧٤ و١٩٨٠، ازدادت الأرقام ما  إلى ١٠٩ مدخلا خلال فترة سبع سنوات، كما شهد العقد بين ١٩٨١ إلى ١٩٩٠ انفجاراً في العمل على الفلسفة النسوية بـ ٧١٨ مدخلا مصفوفا وضعت في فهرس الفلاسفة. وفي اثني عشرة سنة لاحقة، أُضيف ٢٠٥٨ مقالة أخرى إلى الفهرس تحت هذا المسمى.

  • أسباب توسع العمل الفلسفي النسوي في الولايات المتحدة

ومن الواضح، أن ثمة العديد من الأسباب للتوسع المذهل للعمل الفلسفي النسوي في الولايات المتحدة، وبالرغم أنه لا يمكنني تتبعها كلها، إلا أنني أود أن ذكر البعض منها المهمة على وجه الخصوص. أولا حقيقة أن الكثير من الفلاسفة الولايات المتحدة مشاركين في حركات العدالة الاجتماعية في الستينات. وغالب الفلاسفة الذين ساهموا في ظهور الفلسفة النسوية في السبعينات في الولايات المتحدة كانوا ناشطين او متأثرين بالحركة النسائية. وكنتيجة لهذه المشاركة، كان هؤلاء الفلاسفة يقظين ومهتمين بشأن الإجحاف الناتج عن الممارسات غير العادلة الناشئة من الظاهرة المعقدة ” العنصرية الجندرية “. وبما أن مهاراتهم المهنية شملت مجال البحوث الفلسفية والتدريس، لم يكن من المفاجئ أنهم سيتوجهون بالأدوات التي يعرفونها على أفضل وجه نحو غاية نسوية. ثانياً، واجهت النساء اللواتي امتهنّ وظائف ذكورية في العادة في السبعينيات ما أسمته دوروثي سميث ” خط الصدع”. حيث التوقعات التقليدية “للدور المناسب للنساء” وبين خبراتهن المهنية كانت محل توتر. وفيما انتقلن النساء إلى مهنة الفلسفة في الولايات المتحدة وبأعداد متزايدة، وجدن أنفسهن يجابهن العنصرية الجندرية في المهنة شخصيا. وساهم التحرش الجنسي والممارسات الجنسية الأخرى في خلق مناخ قاسٍ للنساء في الفلسفة. ولكن بفضل الوعي المرتفع نتيجة مشاركتهن في حراك النساء، كان من غير المرجح أن يبلعن رسالة أن النساء بطبيعتهن أقل قدرة على العمل الفلسفي أو أن يرضخن للمحاولات غير الواعية أحيانا لإقصائهن من المهنة.

  • الرد على العنصرية الجندرية

وردا على العنصرية الجندرية في المهنة، نظمت الفيلسوفات النسويات في الولايات المتحدة جمعية المرأة في الفلسفة (SWIP) في عام ١٩٧٢. وانبثاق SWIP هو مكون ثالث في الصعود السريع للبحث الفلسفي النسوي المعاصر في الولايات المتحدة. أوجدت SWIP لتشجيع ودعم النساء في الفلسفة. واتخذ هذا الهدف شكلين:

العمل على التغلب على الممارسات العنصرية الجندرية في المهنة،

 دعم البحث النسوي الفلسفي.

وعلى الرغم من أن جهود SWIP للتغلب على العنصرية الجندرية في المهنة ساهمت بالتأكيد في إدراج واستبقاء نساء أكثر في الفلسفة،. إلا أنه في الهدف اللاحق صنعت SWIP تأثيرا بالغا على البحث. وتشكلت أقسام SWIP بطريقة موازية للرابطة الفلسفية الأمريكية، في ثلاثة أقسام: SWIP في المحيط الهادي، SWIP الغرب الأوسط، SWIP الشرقية (ويضاف لها SWIP الكندية). – تعقد كل واحدة منها اجتماعات سنوية أو نصف سنوية مركزة على البحوث الفلسفية النسوية. بالإضافة إلى ذلك، تأسست الرابطة الدولية لفلاسفة النسوية (IAPh) في عام ١٩٧٤ لكي تدعم تبادل الفلسفات النسوية عالميا.

وبعد عقد من الاجتماعات، قرر أعضاء SWIP الأمريكية إطلاق مجلة أكاديمية هيباتيا: مجلة الفلسفة النسوية. وأعدت هيباتيا ” لتوفير منتدى للحوار في المسائل الفلسفية المطروح من قبل حركة تحرير المرأة”. ونشرت عملا فلسفيا نسويا ملتزم “لفهم وانهاء القمع العنصري الجندي للنساء، واستشعار صلة الفلسفة بهذه المهمة.” وفي حين لم تكن هيباتيا بالتأكيد المنتدى الوحيد التي نُشرت به الفلسفة النسوية،. إلا أنها ساهمت في خلق حوار مستدام بين الفلاسفة النسوية في الولايات المتحدة وخارجها، وكانت منتدى لتطوير أساليب ومناهج الفلسفة النسوية.

الإرث من الفلسفة

تأثر أولئك الذين صاغوا الموجة الأولى من بحوث الفلسفة النسوية المعاصرة في الولايات المتحدة بسياق آخر مهم جداً، وهو تدريبهم الفلسفي. وحتى وقت قريب جداً، لم يكن بوسع المرء التخرج من الكلية بدراسته “الفلسفة النسوية”. وفي حين توجه الطلبة والعلماء إلى كتابات سيمون دي بوفوار أو نظروا إلى الوراء تاريخيا إلى كتابات. “الموجة الأولى” من النسويات مثل ماري وولستون كرافت، كان معظم كتابات الفلاسفة في العقود الأولى. من بحوث الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة والدول الأخرى أيضاً ناتجة عن تدريبهم وخبراتهم من أجل تطوير هذا المجال من البحث.

ومع أن الكثير من الكتابات في العقد الأول في بحوث الفلسفة النسوية في الولايات المتحدة كُرست لتحليل القضايا أثارتها حركة تحرير المرأة،. مثل الإجهاض والعمل الإيجابي والفرص المتساوية ومؤسسة الزواج والجنسانية والحب،. إلا أن بحوث الفلسفة النسوية ركزت بشكل متزايد على نفس القضايا التي كان يتعامل معها الفلاسفة. وبما أن هؤلاء الفلاسفة النسويين وظفوا نفس الأدوات الفلسفية التي يعرفونها بشكل أفضل ووجدوها واعدة أكثر،. بدأت الفلسفة النسوية الأمريكية تظهر من كل التقاليد الفلسفية السائدة في الولايات المتحدة في نهاية القرن العشرين وتشمل الفلسفة التحليلية والقارية والأمريكية التقليدية. لذلك ليس من المفاجئ أن التركيز الموضوعي لأعمالهم غالباً ما تأثر بالمواضيع والتساؤلات المُضاءة بتلك التقاليد.

نهجيات الفلسفة النسوية: نظرة عامة على المدخلات الفرعية في الموسوعة

إن البحث الفلسفي النسوي ليس متجانسا في المناهج أو الاستنتاجات. في الواقع كانت هناك مناظرات مهمة ضمن الحلقة الفلسفية النسوية تتعلق بفاعلية طرق معينة ضمن الفلسفة لصالح الأهداف النسوية. وجدت بعضها، على سبيل المثال أن أساليب الفلسفة التحليلية وفرت توضيحا للصيغة والمحاجة تفتقر لدى بعض مدارس الفلسفة القارية،. بينما جادل البعض، أن الوضوح المزعوم يأتي على حساب أساليب وأنماط خطابية وأهداف منهجية. تقدم تبصرا في عناصر من التجربة الإنسانية فعالة أو نفسية أو متجسدة. ووجدت بعض النسويات أساليب ضمن البراغماتية الامريكية توفر الوضوح للصيغة والمحاجة المفقودة أحيانا من المنهجيات الفلسفة القارية،. كما أن الاتصال باهتمامات العالم الحقيقي مفقود أحيانا من المنهجيات التحليلية.

وخلال احتضان مجلة هيباتيا التنوع في منهجيات الفلسفة النسوية، ونشر أعمال من جميع التقاليد الثلاثة، تقدم ودعم كل بحث في تلك التقاليد عبر تبادل بحثي في مجتمعات مهنية متعددة، وساهمت في تقدم علم النسوية في كلاً من هذه التقاليد من خلال التبادل العلمي في مختلف المجتمعات المهنية. عام 1991، تأسست الجمعية النسوية التحليلية، مثلا، لدعم دراسة القضايا النسوية باستخدام أساليب فُسرت بشكل واسع على أنها تحليلية، لاختبار استخدام الأساليب التحليلية خلال تطبيقها على قضايا النسويات، ولتوفير وسائل تستطيع من خلالها المهتمات بالنسوية التحليلية الاجتماع وتبادل الأفكار. في 2005، أُسست مجلة فيلوسوفيا لتشجيع البحث النسوي القاري والتطور التربوي. أما جمعية الظواهر النسوية متعددة التخصصات فهي شبكة من الباحثين الذين يعملون على علم الظواهر من منظور نسوي أو يستخدمون منهجيات ظواهرية في عملهم البحثي. وفي مجال النسوية البراغماتية، فقد شكل مجموعة من الباحثين المنتسبين لها “جين كولكتف” للمضي قدمًا بالبراغماتية بروح الفلسفة الاجتماعية لجين آدامز (١٨٦٠-١٩٣٥). أنشئت جمعية دراسات الفيلسوفات النسويات في عام ١٩٨٧ لتشجيع دراسة مساهمات النساء في مهنة الفلسفة.

وفي حين اعتنقت النسويات بشكل واضح منهجيات من مختلف التقاليد في الفلسفة، إلا أنهن حاججن على إعادة تشكيل الكيانات المسلم بها وإشكاليات الفلسفة. فمثلاً، لم ترفض النسويات الامتياز الممنوح للاهتمامات المعرفية على الاهتمامات الأخلاقية الشائعة في كثير من الفلسفات الامريكية فقط، بل حاججن أن هذين المجالين متشابكين على نحو لا ينفصم. وغالبا، يؤدي تساؤل كهذا عن اشكالية النهج السائد نحو الفلسفة غالباً بالنسويات إلى استخدام منهجيات وأساليب الفلسفية من أكثر من تقليد فلسفي.

ويعتبر تخصيص نظرية التحليل النفسي أحد مناطق التداخل التي لاحظتها جورجيا وارنك. (وصول النسوية إلى التداخل بين الفلسفية القارية والتحليلية)، كما أكدت شانون سوليفان على أهمية منهجية التحليل النفسي في مقالها منهجيات النسوية نحو التداخل بين الفلسفة البراغماتية والقارية. وبالنظر الى أهمية نظرية التحليل النفسي النسوي في كلٍ من التقاليد الفلسفية الثلاثة، فإن مقالا منفصلا عن هذه المنهجية في النظرية النسوية مشمول في هذا القسم.

حكمة-موقع الحداثة و الديمقراطية

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate