منذ سنوات خلت هجر ملايين السورييين من منازلهم ليتشتتوا بين بقاع الأرض خارج بلادهم وداخلها أيضا.
لكن على الرغم من مرارة النزوح ومآسيه، يبقى الأكثر إيلاما أن ترى منزلك على بعد أمتار أمامك، فيما أنت عاجز عن دخوله.
فهذه قصة المئات في بلدة تادف وهي المنطقة الوحيدة بريف حلب الشمالي الشرقي، التي تتواجد في شمالها الفصائل الموالية لأنقرة، فيما تسيطر قوات النظام على الجزء الآخر من البلدة
“يتفقده من بعيد”
ومن ضمن هؤلاء النازحين، سائق التاكسي خليل إبراهيم الذي يسكن على بعد عشرات الأمتار فقط من منزله، يتفقده من بعيد من دون أن يتمكن من الاقتراب منه، إذ تمنعه عنه سواتر عسكرية تقسم بلدة تادف بين قوات النظام وفصائل أنقرة.
وفوق ركام منزل مدمر قرب خط التماس بين الطرفين، أوضح إبراهيم (46 عاماً) لوكالة فرانس برس أنه “يسكن حالياً في منزل أحد أصدقائه، فيما يبعد بيته عنه 300 إلى 350 متراً فقط”، بعد أن نزح من تادف عام 2015، وتنقل بين مناطق عدة قبل أن يعود إليها عام 2019.
ما أوضح قائلا “ما زلنا نُعتبر مهجرين حتى الآن، نقطن عند خط الجبهة لأنه لم يعد بإمكاننا أن ندفع بدل الإيجارات المرتفعة” في مناطق النزوح.
إلى ذلك، أكد أن منزله السابق الذي بناه بعدما ورث أرضا من والده كبير “من أربع غرف وقد جهزه كاملاً من تعبه”، فيما “بات يقطن اليوم في منزل من دون أبواب ونوافذ”.
“ألن نعود؟”
وختم قائلا والحسرة في قلبه: “يسألني أطفال: بابا منزلنا قريب، ألن نعود إليه؟، لكنني لا أملك جوابا”.
حال إبراهيم كما المئات غيره من السوريين في تلك المنطقة الذين يرون منازلهم على بعد أمتار قليلة، إلا أنهم غير قادرين على لمس عتباتها، أو فتح أبوابها، مكتفين بالنظر، وحالمين بعودة قريبة في يوم ما!
ففي أحياء تادف الشمالية، تقطن عائلات تتحدر أساساً من البلدة وآخرون من أقرباء مقاتلي الفصائل من مناطق عدة.
أما الجانب الآخر فشبه خال سوى من قوات النظام. ويشرح أحد أعضاء مجلس البلدة رامي المحمد نجار لفرانس برس الوضع قائلا “يعود الناس إلى هنا من شدة الفقر وجراء غلاء الإيجارات”، موضحاً “منهم من كان يسكن في مخيمات وعاد إلى منزله أو منزل أقاربه، فالسكن تحت سقف أفضل من السكن في خيمة”.
بين النظام وتركيا
يذكر أنه عام 2017، سيطرت قوات النظام بدعم روسي على بلدة تادف بعد معارك مع تنظيم داعش.
لكن بالتزامن شنت تركيا والفصائل السورية الموالية لها حملة استمرت أشهرا في ريف حلب. وسيطرت لاحقا على مناطق واسعة، أبرزها مدينة الباب، ومنها دخلت لاحقاً إلى أحياء في شمال بلدة تادف المحاذية.
ومنذ تقاسم السيطرة عليها، لم يحاول أي من الطرفين التقدم على حساب الآخر، ولم تشهد البلدة أي معارك باستثناء مناوشات محدودة بين الحين والآخر.