حداثة و ديمقراطية

معوقات الديمقراطية

تواجه قضية الديمقراطية معوقات وعقبات كثيرة وكبيرة خاصة بالنسبة للبلدان التي تسعى للانتقال الى نظم حكم ديمقراطية ، علما أن هذه المعوقات والعقبات ليست كلها من نوع واحد وليست هي نفسها في كل بلد. ولو أردنا التعرف مثلآ على أبرز هذه المعوقات وتوصيفها على الأقل في البلدان العربية وأنظمتها التي تختلف فيما بينها من حيث الأنفتاح السياسي ومستوى حرية التعبيروحكم القانون ونمو المجتمع السياسي والمجتمع المدني. وهذه الأختلافات بالرغم من أهميتها في عملية الأنتقال الى نظم حكم ديمقراطية ما زالت قاصرة عن تأهيل معظم نظم الحكم العربية المعاصرة. ويمكن تحديد المعوقات بما يلي :
1ـ غياب المشاركة : تعتبر الديمقراطية شرطا أساسيآ لعملية المشاركة والتي تواجه هذه المشاركة على مستوييها الكلي والجزئي عقبات عديدة بجوانبها القانونية والسياسية والاجتماعية والثقافية . حيث أدت عملية الممارسة الى تهميش وإقصاء العديد من الفئات الاجتماعية والسياسية، وتأتي في مقدمتها المرأة وحرمانها من المشاركة الكاملة والحقيقية في إدارة شؤون الدولة وخاصة السياسية منها. ففي معظم التاريخ الإنساني إعتبرت النساء بصورة طبيعية غير ملائمات للنشاط السياسي فاستبعدن بصورة رسمية وغير رسمية من ذلك النشاط بسبب المعتقدات القديمة الموروثة حيث تضطلع النساء بالمسؤولية الرئيسية في تربية الأطفال والعمل المنزلي الأمر الذي يعوقها عن السعي للوصول الى منصب سياسي، وبالتالي إهمال أهمية إعطاء المرأة حقوقها السياسية في الأنتخاب والترشيح .
2ـ مستوى التعليم : يعتبر مستوى التعليم أكثر الحقوق تأثرآ في أعمال باقي حقوق الإنسان، فهو حق بحد ذاته. كما أنه وسيلة لتحقيق الحقوق الأخرى، وهو الوسيلة لأنطلاق الفئات المهمشة من الفقر والجهل للمساهمة الفعالة في الحياة الوطنية، ويتجاوز تأثيره حدود الحاضروالمستقبل. وعلى الرغم من الأنجازات العديدة التي حققتها البلدان العربية في هذا المجال إلا أن التعليم ما زال متأخرآ بصفة عامة فيها بالمقارنة بباقي دول العالم .
3ـ الأوضاع الأقتصادية وافتقاد الأغلبية حريتها الاجتماعية: من المعروف عن الأساس السليم الذي تقوم عليه الديمقراطية هو المساواة بين المواطنين وأن جوهر هذه المساواة هو ( المساواة الأقتصادية )، وأن عدم المساواة الأقتصادية وسوء توزيع الثروات الذي تؤدي اليه الرأسمالية وتزيده تدريجيا وباستمرارمما يؤدي الى إستحالة المساواة. وتعاني البلدان التي ظهرت بعد انهيار الشيوعية ونظامها الأشتراكي من الأحوال الاقتصادية المتردية الناشئة عن تحويل اقتصادها الى الملكية الخاصة واقتصاد السوق وما ينجم عن ذلك من عدم الأستقرار وخطورة التفاوت الاجتماعي وزيادة التضخم. وكما تعاني كثير من البلدان الأقل تطورآ ومن ضمنها العديد من البلدان العربية من إنعدام التنمية أو من قصورها، وما يرافق ذلك من إفقار الناس وتقليص برامج الانعاش الاقتصادي مما يزيد من حدة الخلافات الاجتماعية بكل أنواعها، وبالتالي تؤدي الى فقدان الثقة في قدرة السلطة الديمقراطية على تأمين الحلول لمشاكل المجتمع وتحسين الاوضاع الاقتصادية في بلدانها تلك الاوضاع التي تتحكم فيها قوى السوق.
4ـ الأمية وضعف الوعي السياسي : كان من آثار بقاء البلدان العربية مئات وعشرات السنين تحت الحكم الأجنبي قبل أن تحصل على استقلالها السياسي واهمال الدول التي حكمتها كل مصلحة من مصالح الشعوب التي حكموها، وبقاء الأغلبية منها في كل قطر عربي تعاني من الأمية والجهل. وبالرغم من المساعي التي بذلتها البلدان العربية بعد الاستقلال في مكافحة الأمية وتعليم الكبار، فما زالت نسبة الأمية من مجموع السكان في كل قطر عربي عالية، وهذا مما شجع القيادات السياسية في وطننا العربي بالأدعاء بأن المواطن العربي ليس ناضجا بما فيه الكفاية ولا يستطيع أن يمارس الحريات وأن يحصل على حقوقه، وبالتالي غياب الممارسة الديمقراطية والخضوع لحكم فرد أو قلة مستبدة، وغياب الوعي والارادة السياسية وتنفيذ ارادة الحاك ورغباته. وكان من نتائج ذلك بقاء الأكثرية من الأقطار العربية بسبب ضعف وعيها السياسي والاجتماعي وتضليل النخب الموالية والساعية لتكريس الحكم المطلق من خلال ( الحزب الحاكم )ومن خلال تعديل الدستور وفق ارادته والتمديد المتكرر لولاية الرئيس ومنها توريث الحكم بشكل ديمقراطي كما كان الملوك يأخذون البيعة بالسيف لأولياء عهودهم ليتمكنوا من المحافظة على سلطانهم وامتيازاتهم والتي لا زالت تعد من أهم مشكلات ومعوقات الانتقال الديمقراطي في الوطن العربي .
5ـ عدم التوافق على مفهوم الديمقراطية وغياب العمل بها : أن أصحاب المصلحة من الأفراد والجماعات في الديمقراطية كثيرون ، ولكن البعض منهم غير متفق على مضمون الديمقراطية ولا يمارس بعضهم الديمقراطية على أرض الواقع وعلى أي مستوى من المستويات . فالديمقراطية ما زالت شعارآ يفتقر الى وجود مفهوم مشترك متفق عليه بين الداعين الى الأنتقال اليها، كما أن ممارستها في تنظيمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية يشوبها الكثير من أوجه النقص مما أدى الى غموض مفهوم الديمقراطية وغياب عالعمل بها فضلا عن صعوبات تحقيقها . لكن هذه الصعوبات يمكن أن تعالج تدريجيآ من خلال النضال الديمقراطي، وهي بطبيعة الحال تحتاج الى وقت والى توفر الأرادة لدى قيادات الفكر والعمل السياسي، وعمل مستمرمن قبل الناشطين يتم من خلالها تكريس مفهوم الدولة وتنمية المؤسسات الديمقراطية وتكوين المواطن الديمقراطي وصولآ الى ممارسة الديمقراطية في المجتمع الى جانب ممارستها في الدولة .
6ـ الأنقلابات العسكرية : إن القائمين بالأنقلابات بغض النظر عن نواياهم قبل القيام بها وسواء كانوا ذات نية حسنة فيما يعلنونه في بيانهم الأول من وعود، وكونهم يستهدغفون إقامة حكم ديمقراطي أم لم يكونوا كذلك، فأن الذين قاموا بالأنقلابات العسكرية بوجه عام لم يقيموا الا حكمآ عسكريآ لا ديمقراطيآ. والواقع التأريخي يكشف ذلك بأن أي إنقلاب عسكري يعقبه عادة تعطيل المجالس التمثيلية واعلان الأحكام العرفية وحل الأحزاب وفرض الرقابة على الصحف وتوقيف عدد من الساسة وصدور قرارات العزل السياسي وحجز الأموال مما يدفع كل ذلك الى غلق الباب أمام الديمقراطية وغيابها في البلدان التي تحدث فيها هذه الأنقلابات وتكون عائقآ أمام المواطنين في ممارسة حقوقهم وحرياتهم مما يعرض النسيج الاجتماعي ووحدة المجتمع نحو الضعف والتفكك .
7ـ الفساد الأداري والمالي :
يعتبر من أهم معوقات الديمقراطية، ومن أهم أسباب غياب المحاسبة والمساءلة. والمحاسبة هنا تأتي في المقام الأول من الصحافة واطلاق حرية الرأي والتعبير، كما تأتي من المجالس المنتخبة وكذلك من المجتمع المدني سواء في ذلك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية والنقابات والاتحادات التي تراقب أداء الحكومة كل في إختصاصه، بالأضافة الى أجهزة الرقابة الرسمية. وبطبيعة الحال كلما تعززت الديمقراطية واحترام حقوق الانسان أصبحت هذه المؤسسات أكثر فعالية في المحاسبة وأداء دورها، وفي ظل غياب الديمقراطية يتلاشى هذا الدور تمامآ .

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate