المرأة

مراجعة لكتاب ريتا فرج ( امراة الفقهاء و امرأة الحداثة )

فاطمة الزهراء عيسى

قسمت المؤلفة كتابها إلى خمسة فصول مع استهلال وخاتمة. تناولت في الفصل الأول موضوع الجنسانية في الثقافة العربية الإسلامية حيث تستهل بتمهيد يتعلّق بالدلالة اللغوية والتاريخية للجنسانية في السياق العربي والإسلامي؛ ويهتم الفصل بدور الوعي الذكوري في تحديد التعبير الجنسي والمتخيل الجنساني العربي من خلال رسائل الجاحظ وغيرها. ومن ثمّ تُقدِّم دور المرأة في هذا الخطاب تحت عنوان التضاد بين الأنوثة والذكورة من خلال مقاربة جورج موردوك وأسئلة فاطمة المرنيسي وخليل أحمد خليل حول مكانة الأنثى وسيطرة الثقافة الذكورية، وذلك على ما يبدو بسبب الأدبيات الجنسانية العربية الإسلامية ومدوناتها الفقهية. 

2وفي الفصل الثاني حول المرأة في الإسلام، الرسول، الخليفة عمر، الفقهاء، تستهل الكاتبة هذا الموضوع حول الإسلام المبكر. وميول النبي محمد، للدفاع عن المرأة والبداية مع المرأة في الوحي وسيرة الرسول في محاولة تفكيك رمزيات متداخلة حول علاقة الرسول بالنساء، ومن ثم أم سلمة والمساواة القرآنية رائدة التيار النسوي في الإسلام، ليس برغبة فردية بل كانت حركة بين نساء المدينة المتطلعات للتجديد وهذا ما حصل بإبطال عادات الجاهلية وإعادة نظام الإرث.

3من خلال النصوص الدينية، يمكن الخروج بفرضية أولية مفادها أن النص القرآني ساد بين الجنسين ضمن مساحات واسعة. ولكن بين النهي والأمر تكمن أزمة التفسير الذكوري وخاصة في باب النكاح ؛ وهنا تظهر معالم الذكورية الفقهية في المذاهب الأربعة، وخاصة مع شرط “الولاية” وهنا تؤكد الكاتبة على أدبيات التأديب والتحصين؛ وكان هذا نتيجة فرض الخطاب الذكوري انطلاقا من مركزية الرجل. ما أباح الضرب بشكل مباشر رغم اختلاف الفقهاء في درجاته، وبالتالي تكشف المنظومة الفقهية عن دلالات اجتماعية ودينية يمكن تحديدها في تفاقم الخطاب الفقهي الذكوري.

4عمل الفقهاء على حجب الخطاب القرآني الذي كرس المساواة بين الجنسين، واختارت الكاتبة فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية أنموذجا للفقه الذكوري، وخاصة فقه جسد المرأة وزواجها بشرط الولي. وتهتم الكاتبة بسيطرة اللغة العنفية، فنجد كلمات الضرب، والطاعة والولي والخلع.

5كما تتكلم الكاتبة عن النفزاوي الذي يرى في المرأة مجالا للاستمتاع الجسدي فقط، وترى أنه يمارس إرهابا فكريا مركزا ضد المرأة. ومن نفس المنظور يرى محمد بن أحمد التجاني النساء موطن تلذذ، ونجد النقيض تماما مع المتصوفة. وذلك من خلال كتابات الشيخ ابن عربي أنموذجا، الذي يرى الأفضلية التامة للمرأة. من خلال محل الانفعال تصبح المرأة في المركز ومع هذا لم يصل إلى تحقيق ذروة المساواة؛ لأن تراتبية الوجود في خطابه مبنية على سمو ذكري. 

6وفي الفصل الثالث : المرأة بين الإسلام الفقهي والإسلام القرآني، تتحدث الكاتبة عمّا يسمّى التيار التأويلي في فقه المرأة مع الشيخ محمد الغزالي والسيد فضل الله، وما أسماه الرؤية الإسلامية الفلسفية والاجتماعية. وهي تعني أن الرجل والمرأة يجسدان ماهية إنسانية واحدة ولا تمييز أنطولوجي بينهما .وهذا من خلال تجديد منهج فهم القرآن وفق الأخذ بالتأويل وتحولات المجتمع. وهو يركز على الحوار مع القرآن وقراءته وفق متغيرات العصور والاجتهاد ويرى أن تراجع المساواة يعود لأسباب أهمها انحراف الخلافة إلى نظام ملكي وفقدان الشخصيات القيادية الواعية. ويجدد الشيخ الفضل الرؤية من خلال السماح للمرأة بالعمل في كل القطاعات والليونة في حجابها وحتى أنه لا يرى في صوتها أي عورة، قوامة الرجل عليها لا تعني سيادته، وهو يخلص إلى أن القرآن لا يضطهد النساء وإنما القراءة الذكورية هي التي شوهت مقاصد النص المقدس .

7وأما الغزالي فيشرح شروط الأحاديث المسندة إلى الرسول فيما يخص المرأة وهو وسطي عموما في قضية الحجاب، رافضا الفقه “البدوي”، وكما أنه قدم علم الاجتماع الإسلامي القائم على الشراكة بين المرأة والرجل، وسعى لإيجاد التوازن بينهما. وبهذا تصنفه الكاتبة ضمن الاتجاه الديني النقدي المعاصر. وقد حارب من أجل تصحيح المفاهيم الفقهية الذكورية السائدة حول قضايا المرأة والتأكيد على الخطاب القرآني المساوي بين الرجل والمرأة.

8وبشأن فتاوى العصر التي تخص المرأة وأزمة الهوية التي تخص جسد المرأة في اتجاه مقدس وذكوري ومدنس أنثوي، يمكن تقسيم الفتاوى الصادرة إلى أبواب الطهارة والنجاسة والحقوق الدينية والسياسية. وتقدم الكاتبة فتاوى بجواز أداء المرأة للآذان وحتى الإفتاء. ومع هذا، فإن الفقه المعاصر يمثل امتداداً لفقه الأوائل، وقامت منظومة فقهية تدل على التضاد بين الأنثوي وعالم الرجال المقدس في الإسلام الفقهي الذي حول النساء إلى أشياء للمتعة. وعموما يسود عالم الفتاوى اتجاهان : اتجاه يحاول المواءمة بين الدين والحداثة واتجاه يوظف التراث لمواجهتها.

9وفي نفس الفصل تورد الكاتبة أسباب انفجار ظاهرة الحجاب، أهمها فشل أنظمة مابعد الاستقلال في بناء دول حديثة وسيطرة الحركات الإسلامية. وتحلل الكاتبة أدبيات المرأة في حركة الإخوان في عزل المرأة، ثم مع بعض التغيرات التي تخص مشاركة المرأة سياسيا، ومع هذا كان التركيز على الإطار الظاهري فقط . 

10وتوسع الكاتبة تحليل الحجاب بين قبول طوعي للمرأة بسبب “عنف ذكوري رمزي”، وبين تحول الحجاب إلى ثقافة استهلاكية. وتخلص أن الحجاب شكل من أشكال التمييز الجندري نهضت به المنظومة الذكورية ممّا أنتج تكريس الاختلاف العميق بين الذكر/الأنثى.

11تنطلق المؤلفة من النصوص القرآنية في تفسيرها لمعرفة التمييز بين الذكر والأنثى خاصة ما يتعلق بالقوامة والإرث والشهادة، وتحلل النظام الأبوي الذي تبدو فيه أفضلية الرجل على المرأة. 

12وفي الفصل الرابع حول الإسلام والبطريكية، تتحدث ريتا فرج عن المجتمع الذكوري والخطاب الديني على ضوء مقاربة هشام شرابي التي تعكس أزمة الهوية والمجتمعية وخضوع المرأة إلى تفعيل الحيز الأنثوي الأحادي أي إعداد المرأة كأنثى وتوحيد هويتها مع العائلة. كما تناول هذا الفصل مايسميه حليم بركات أبوية العائلات العربية، وتحلل هنا المعطيات التي تصدم المنظومة الأبوية وتتمثل في حرية المرأة في التعبير الفكري والجسدي، الاستقلالية المادية والانفصال عن العائلات وخروج الأنثى من البيئة الريفية إلى المدينة، وهذا بتقليص سيطرة الأب وتقدم الكاتبة مسحاً للقوانين الدساتيرية العربية وتموقع المرأة فيها (عقوبة الرجم في إيران).

13تكشف الكاتبة نقاطاً مشتركة بين المجتمع الأبوي والمنظومة الفقهية، وهذا ماتشرحه تحت عنوان”أسطرة المتخيل الشعبي والميثولوجيا” حيث توضح عامل البعد الإجتماعي الثقافي الأسطوري في هذا العنف. وعموما، تتفاوت النظرة بين ارتفاع “رمز الأمومة الذي يقابله إقصاء الأنثى جسديا وفكريا وإجتماعيا، وتهميشها ككيان مستقلومن جهة أخرى تتعرض المرأة للقهر باستلاب اقتصادي وعقائدي وجنسي. وتحلل الكاتبة القيد التاريخي على ضوء رؤية مارغريت ميد وسيمون دي بوفوار .

14كما تتناول الكاتبة أزمة الذكورة مقابل فكرة الأنثوي معكوسا حيث تعيد الأنثى إنتاج العنف ضدها. وفي الأخير تصل إلى أن مشكلة المرأة هي نتاج منظومات عدة أهمها ترتبط بالمجتمع والدين والثقافة والقوانين والقهر الإختياري.

15في الفصل الخامس “النسوية والمساواة.”فاطمة المرنيسي” و”آمنة ودود” نموذجا”، تقدم المؤلفة النسوية كجهد نظري عملي يهدف إلى مراجعة النظام السائد في البنى الاجتماعية وتحلل تاريخ الحركة الليبرالية النسوية، وترى أنه على اختلاف مدارسها فهي تعمل من أجل تفكيك البنى البطريكية وتأنيث الرؤية الدينية للمرأة، كما لعبت دورًا في إرساء الحقوق السياسية للنساء.

16تعود حركات التحرر النسائي حسب الباحثة إلى بداية الفقه الاجتهادي مع الطهطاوي وقاسم أمين في معركته لتحرير المرأة، وتقدم تفاصيل تشكل الوعي النسوي العربي مع هدى شعراي ونبوية موسى وغيرهن؛ وتوسع نضال نظيرة زين الدين التي أعادت قراءة مسألة الحجاب وعملت من خلالها على تأسيس الحركة النسوية الإسلامية .

17وأخذت الكاتبة فاطمة المرنسي كممثلة للحركة النسوية العلمانية بمنهج يقوم على أسس هي الانطلاق من مرجعية الإسلام نفسه وتاريخه وإعادة قراءة السيرة النبوية في سياقها التاريخي والاجتماعي والسياسي؛ ومراجعة جميع الأحاديث التي جاءت في شأن النساء؛ وإبراز الأدوار المشخصة الحية للنساء في المجال العام، وتخلص المرنيسي إلى نتائج أهمها كراهية الرجال لمشاركة النساء السياسية في الثقافة العربية الإسلامية .

18ثم تتعرض الكاتبة لطرح آمنة ودود ممثلة للحركة النسوية الإسلامية التأويلية من خلال كتابها “القرآن والمرأة، وإعادة قراءة النص من منظور نسائي”. وتحلل مصطلح النسوية” الإيمامية “وتقدم قراءة للمشروع كله ومجالاته؛ ثم تحلل منهج المساواة من خلال “هيرمنوطيقا التوحيد؛ ومقاربتها الرافضة للخلاصات الفقهية وفي رأيها لا تفسير نهائي للقرآن، وتشرح الكاتبة في هذا السياق قضية إمامة المرأة ومسائل أخرى.

19وفي الأخير تشير الكاتبة إلى أن الإسلام الفقهي يستند الى قراءة أحادية تهميش المرأة، وقد انتصر الفقه الذكوري بسبب المنظومة المجتمعية والثقافية؛ التي جعلت “المرأة المخلوق الضعيف المدنس”، إضافة إلى تلازم وظيفي بين فتاوى الفقهاء والبنية البطريكية المحصنة إجتماعيا وثقافيا ودينيا. ويمكن الحديث عن امرأة الفقهاء المرأة القرآنية وامرأة الحداثة في مواجهة العنف الفقهي والتاريخي والديني.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate