حداثة و ديمقراطية

روسو بين الادب و الفلسفة و الثورة

مؤسس الأدب الرومانسى، أحد أعمدة فلاسفة الأنوار، أفكاره كانت المحرك الأول للثورة الفرنسية عام 1789م، أحد ناشرى الحب العذرى، ومخترع السيرة الذاتية الحديثة، ولد جان جاك روسو في 28 يونيو 1712   فى جنيف بسويسرا لأسرة فرنسية بروتستانتية والده إسحاق روسو من طبقة متوسطة ويعمل صانع ساعات، والدته سوزان برنارد روسو من الطبقة العليا، والتي توفيت بعد ولادته بتسعة أيام بسبب الحمى، عاش حياة قاسية حتى قال عنها “كان مولدي أول أيام تعاستي”.

غرس فيه والده حب الموسيقى والمعرفة والقراءة، وقرأ معه الروايات وقصص مشاهير الرجال فتوسع خياله، وهرب والده من جنيف لتجنب السجن، فتولى خالة مسؤولية تربيته، وأرسله للدراسة في مدرسة بوسيه، وهرب أخوه الأكبر فظل وحيدا، واعتمد على تعليمه في الصغر على قراءة حياة بلوتارخ وعظات كالفيني في الحديقة العامة، وتعرض لعقابات شديدة في فترة من حياته، حيث طُرد من الدير بعد أن قضى يدرس فيه لعامين؛ وذلك لاتهامه بسرقة مشط  من إحدي السيدات، فأرسله خاله للعمل ككاتب عدل وفشل في هذا العمل، فوجهه لتعلم النقش على المعادن، وبسبب قسوة وغلظة معلمه لم يتعلم سوى الغش والكذب والسرقة، وبدأ حياة تشرد في عمر السادسة عشرة، وسجل بدقة أحداث هذه الفترة في سيرته الذاتية “الاعترافات” وقال فيها:”من الصعب للغاية التفكير بنبالة عندما لا يفكر المرء إلا في كسب لقمة العيش”.

تنقل بين عدة أعمال فعمل خادماً في بعض البيوت، في إحدى القنصليات بإيطاليا، وعمل بشكل ثابت في نقل نوت الموسيقي، ترك جنيف عام 1728م إلى أنسي في جنوب شرق فرنسا، وعاش فترة من الضياع والتجارب الفاشلة، حتى التقى بالبارونة الفرنسية “لويز دى وارنز”، وهي أرملة غنية وقع تحت تأثيرها، وانضم إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، وأرسلته إلى مدرسة كاثوليكية جيدة، فتعلم اللاتينية والفنون الدرامية، ودرس أرسطو، وعمل في هذه الفترة بالتدريس ووظائف السكرتارية والموسيقى. 

انتقل إلى باريس عام 1742م، ليصبح موسيقيا وملحنا، وقدم نظامه الجديد للتدوين الموسيقي إلى أكاديمية العلوم التي رفضته على الرغم من توافقه مع الطباعة، وعمل سكرتيرا للسفير الفرنسي في البندقية من 1743 إلى 1744م وأُجبر على الفرار إلى باريس لتجنب الملاحقة القضائية، التقى فى عام 1745م مع مارى تيريز ليفاسور خياطة شابة متعلمة عاش معها وأنجبت منه خمسة أطفال تُركوا جميعا  بدار الأيتام في باريس بعد الولادة بوقت قصير، وصادق الفيلسوف الفرنسي دينيس ديدرو وساهم بالعديد من المقالات في موسوعته. 

ووصف تلك الفترة التي عاشها في باريس، قائلا:”كانت الحياة في باريس، بين قوم أدعياء محبين للمظاهر، لا تروق لي .. كان تعصب الأدباء وتحزبهم، ومنازعاتهم المخزية، وافتقارها إلى النقاء الذي يتجلى في كتبهم، والمظهر المترفع الذي يخدعون به المجتمع .. كل هذه كانت بغيضة إلى نفسي!.. وما أقل ما وجدت من رفق وسلامة قلب وصراحة في الاتصال بالناس، لاسيما أصدقائي!”.

التقى بمجموعة من مشاهير الأدباء والفلاسفة وحصل على التشجيع المادي منهم، شارك في مسابقة لكتابة مقال يجيب  على السؤال التالي: هل ساعد تقدم العلوم والآداب على إفساد الأخلاق أم على تطهرها؟  للمساهمة فى إحياء النشاط فى الفنون والعلوم طرحتها أكاديمية” ديجون”، وكانت نقطة التحول فى حياته، فتقدم بمقال بعنوان:  بحث علمي فى العلوم والفنون، ففاز عام  1750 بالجائزة المالية والشهرة، عُرضت أوبراه الشعبية “كاهن القرية” عام 1752م أمام الملك لويس الخامس عشر. 

 ألف عدة مقالات وأبحاث ظهرت لاحقا بشكل كتب ومنها بحث فى منشأ وأسس عدم المساواة، وكتابه “العقد الإجتماعى” فى عام 1762م هو علامة فارقة فى تاريخ المؤلفات السياسية وهو المحرك الأول للثورة الفرنسية عام 1789م، وأكثر إنجازاته فى مجال التربية هو كتابة الضخم” إميل” أو التربية. 

 تراجعت صحته فتوجه للريف للراحة  وكتب هناك “اعترافاته”، وظل هناك حتى وفاته بالسكتة الدماغية في 2 يوليو 1778م، ولم يصدق الناس أن يموت ميتة طبيعية وأشيع أن هناك لغزاً أو مؤامرة وراء وفاته بل ومازالت هناك بعض النظريات التي تخرج إلى العلن كل حين وآخر، ومنها ان فولتير منافس روسو وكاترين الثانية خططوا لقتله، ودُفن بمقبرة العظماء بباريس

انتصار سعيد

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate