ثقافة

في كتاب سياسة الشعر لادونيس

المقدمة
كتاب “سياسة الشعر هو من مؤلفات الشاعر الناقد أدونيس، وهو مجموعة من المقالات والكلمات والندوات التي كتبت في أوقات متباعدة ،ولمناسبات مختلفة ،وفي أماكن متباعدة . فمنها ما كان كلمة في ندوة أو مؤتمر، ومنها ما كان مقالة في جريدة ، ومنها ما كان مقدمة لمجموعة شعرية أثارت اهتمام أدونيس ورأى فيها ما يريد أن يقول عن الشعر .ولكن هذه كلها يجمعها الشعر، وكلها تتحدث عن الشعر والشعرية والشاعر وقارئ الشعر وناقد الشعر .
قسم أدونيس كتابه إلى عناوين أوحت بأن الشعرية شعريات وليست شعرية واحدة؛ فوجدنا في الكتاب العناوين التالية :
– ما الشعرية ؟
– شعرية الحضور.
– شعرية الهوية .
– شعرية القراءة .
– شعرية التجريد.
– شعرية الكلام القديم
– شعرية الاستعادة .
– شعرية الكشف عن ” فضاء الأعماق “
– وشعرية المؤالفة
– وشعرية الحقيقة
– بدوي الجبل : المفارقة الإبداعية
– الحوار
– وشعرية الحدث .
إن عنوان الكتاب فيه من الذكاء والحنكة والسياسة ما يشهد لصحابه بالسبق والإبداع ؛ لإنه بهذا العنوان استفز القارئ ليوجه أسئلة أفقية وعمودية . قد يدور بعضها حول الكاتب وقد يدور بعضها الآخر حول الشعر والقارئ .
لم سياسة الشعر ؟
ومن تجوالي بين أفكار أدونيس وكلماته رأيت أنه لايلقي الكلام دون هدف ، بل لا يقول الكلام إلا لهدف بعيد أو قريب. ولعله أراد أن يقول من هذه العنوانات إن الشعر لا يتفق مع سياسة غير سياسته فهو قائم بذاته بالقوة و بالفعل لذلك فإن له سياسة تتناقض مع سياسة كل نظام وكل سلطة غير سلطة الشعر ؛ فهو ليس تابعا إلا لنفسه وهو ليس ظلا إلا لنفسه . إنه شعرللشعر ولسياسة الشعر فقط .

وسأعرض في هذه الصفحات ما أعتقدت أنه أكثر أهمية من غيره في كتاب جد خطير مليء بالآراء والأفكار التي تثير الاستغراب الايجابي ،وتدفع القارئ للخوض في حراك فكري ليعارض أو ليؤيد أو ليسأل أو ليكوّ~ن أسئلة .

ما الشعرية ؟

تكلم أدونيس للأجابة عن السؤال ،انطلاقا من تجربته على القضايا الأساسية التي تتقاطع فيها ذاته مع القارئ /الناقد ، وتشكل مدار الاهتمام والجدل في المرحلة الشعرية الخلافية الراهنة التي يتناول الخلاف فيها الأصول والتفريعات .ص 5
مسألة الإبداع والتراث:
ورأى أدونيس أن الشاعر ينتج كلامه الخاص المغاير ويشعر ويفكر ويكتب انطلاقا مما هو كذات كاتبة مغاير بالضرورة لما هو غيره . 7
ومعنى ذلك أن أدونيس سيقوم الشعراء بناء على هذا المعيار، ولهذا وجه سؤالا آخر: ما علاقة الشاعر بالتراث ؟ أي ما علاقة الإبداع بالتراث ؟ وهذا يعني أن يأخذ أدونيس القارئ إلى تعريف التراث ؟ ويضعه أمام أسئلة كثيرة منوعة صعبة لم تخطر للقارئ على بال ؟
هل التراث الإبداع أم المبدع؟ هل هو اللغة أم المادة ؟ هل هو الذات أم الموضوع أم هو هذا كله ؟ ولم يكتف أدونيس بهذه الدوامة من الأسئلة بل أدخل القارئ معه في سلسلة أخرى من الأسئلة أشد خطورة وأعظم أثرا .هل التراث مجموعة من الشعراء ، هل التراث يعني تقليد هؤلاء الشعراء ، وهل كلمة تراث تعني مرحلة شعرية معينة ؟
لقد أوصل أدونيس القارئ إلى أن يردد معه النتائج التالية :
• إن التراث الشعري العربي ليست له إبداعيا هوية واحدة وإنما هو متنوع متمايز إلى درجة التناقض .ص 9
• لا يوجد في التراث شيء يمكن أن يعطي التراث هوية الواحد إلا الوزن والقافية وهي وحدة سطحية شكلية .ولا يتضمن التراث تحت هذه الوحدة الظاهرية غير التنوع والتناقض وفي ذلك تكمن أهميته .
• الوزن والقافية ظاهرة ليست خاصة بالشعر العربي وحده ،وهي ليست ظاهرة خصوصية نوعية لا تقوم اللغة الشعرية إلا بها. ص10
• الوزن والقافية عمل تنظيري لاحق لتشكيل شعري سابق وهو محدود قلص الطاقة الموسيقية اللغوية ص 10
• إن الوزن والقافية لا يمثلان , وحدهما حصرا ، الشعرية ولا يستنفدانها. فالمسألة أصبحت في الكتابة الشعرية مسألة شعر أو لا شعر . ومن هنا وضع أدونيس ثلاثة أسس تقوم عليها علاقة الشاعر العربي الحديث بتراثه:ص 16
1- إن الشاعر العربي الحديث أيا كان كلامه او أسلوبه إنما هو تموج في ماء التراث .
2- الشاعر العربي الحديث هو تواصل مع المد الشعري العربي حتى حين يكون ضديا
3- إن تواصل الشاعر العربي الحديث في المد الشعري العربي لا يمكن أن يكون فعالا يغني الإبداع الشعري العربي إلا إذا كان انقطاعا عن كلام الشعراء الذين سبقوه .

أما المسألة الثانية فهي الشعر والحدث :

يرى أدونيس أن الشعر الذي يخترق الحدث محولا إياه إلى رمز هو الذي سيبقى .وأن الشعر الذي فعل ذلك قليل . وتحويله إلى رمز يعني أن الحدث أيا كان لا يمكن ، إبداعيا, أن يكون غاية تخدمها أداة هي الشعر لأن الحدث وسيلة للشعرص .18
ومن هنا فإن الشعر الواقعي يتمحور حول واقع الحدث ،ويخضع للحدث، ويتكيف مع الحدث وهو لا يقرأ لشعريته ولجماليته بل لمنفعيته .

المسألة الثالثة : 
في الشعرية :
يرى أدونيس أن هناك من الناحية الكمية طريقتين في التعبير الأدبي: الوزن والنثر . أما من الناحية العملية فيحدد أربع طرق للتعبير:
1- التعبير نثريا بالنثر
2- التعبير نثريا بالوزن
3- التعبير شعريا بالنثر
4- التعبير شعريا بالوزن 22

وضح أدونيس هذه الطرق ليصل إلى القول: إن الوزن شيء زائد . وما عبر عنه بوساطته يمكن التعبير عنه بالنثر دون أن ينقص شيء منه . وإن بيانية الإبداع الشعري العظيم تقوم على المجاز التوليدي بما يتضمنه من البعد الأسطوري الترميزي وبقدرته على جعل اللسان يقول أكثر مما يقوله عادة ص. 24

أما الفرق بين الشعر والنثر فليس في الوزن بل في طريقة استعمال اللغة ؛لأن النثر يستخدم الكلمة لما وضعت له أصلا . أما الشعر فيفجر هذا النظام، أي يحيد بالكلمات عما وضعت له أصلا ؛ ولهذا يرى أدونيس أن الوزن ليس مقياسا وافيا أو حاسما للتمييز بين النثر والشعر ، وأن هذا المقياس كامن في طريقة التعبير أو كيفية استخدام اللغة . ص 25

شعرية الحضور

كتب أدونيس هذه المقالة مقدمة لمجموعة (قصائد مختارة ) من شعر يوسف الخال . مدح من خلالها شعر يوسف الخال ووضعه في مرتبة شعرية عظيمة لأسباب منها:
1- إن تجربة يوسف الخال في هذه المجموعة تجربة إيجابية تقوم على معرفة الله والإنسان والوجود فالشعر الذي يصدر عنها هو مغامرة روحية ص 29
2- إن شعره في هذه المجموعة هو شعر غاية ، وطريق نحو هذه الغاية الواضحة تبدأ من نفس الشاعرويهدف الشاعر إلى الالتقاء بالجدة الأبدية التي تغمر العالم والتوحد معها ص 30
3- إن الحضور وفرح الحضور من الخصائص الأساسية في هذه المجموعة ، الحضور الذي يتحدث الذي عنه أدونيس في هذه المجموعة هو حضور خالد, جميل ، بكر، تحاوره وتشارك فيه. وهو حضور كفاح ضد العدم واليأس، وهو حضور عمودي يعطي الإنسان بعدا ميتافيزيقيا يجعل القصيدة تفتح العالم بضوئيتها لا لحسيتها .
4- إن المرحلة التي يعيشها يوسف الخال تحتاج نبيا لإنه الصوت القادر على الإيقاظ والتحريك والهدم ولإن النبوة رفض عميق من حيث هي تكملة عميقة .
في ضوء كل ما ذكر نفهم تجربة يوسف الخال كما صورها أدونيس .نفهم تجربة الشاعر المثير الذي علم في إثارته اكثر مما علم في نتاجه الشعري .
إن أدونيس يقيس الشعر بمدى إثارته أي بالعالم الذي أراد أن يكشف عنه ،ولهذا يعتبر شعر يوسف الخال شعر جدة وطليعية يعي مرحلتنا التاريخية الحاضرة التي هي مرحلة انحطاط،أي يدرك أننا نعيش مرحلة قديمة 0 و شعراء الجدة – كما يقول أدونيس – والطليعية ثوريون كلهم بشكل أو بآخر والشعر الحقيقي هو البادئ بالثورة، ميتافيزيقيا وإنسانيا ، .
إن يوسف الخال أكثر شعرائنا الجدد تراثية أي أكثرهم ارتباطا بالماضي إنه يعيش وحدة العصور كلها ويعيش في الوقت ذاتهوضعه كجزء يشارك في هذا الكل الموحد، وليس نتاجهإلا شهادة على الانسجام والتلاؤم والوحدة بين ما نسميه في التراث قديما وجديدا فبشعره تتهيأ عودة العربي إلى نقائه، عهد البحث والتطلع في موكب المغامرة ص 42

إن شعر يوسف الخال – كما يرى أدونيس – تمهيد لتجديد الشعر العربي والنظر إليه ، تجديدا كليا وبالتالي لتجديد الشخص العربي ذلك أن في هذا الشعر مسلكية شعرية جديدة، و حضارية جديدة . إن شعرا لا يصدر عن هذا الوعي شعر هامش وأشياء صغيرة . هذا الوعي –الحدس هو نسيج شعر يوسف الخال وإطاره الأخير .

إن شعرية الحضور كما فهمتها من خلال تعليق أدونيس على شعر يوسف الخال هي عكس شعرية الغياب أي أن يكون الشاعر حاضرا في عصره ويعيش عصره ويتحدث عن عصره ومن عصره , وبلغة عصره .

أنا لم أقرأ من شعر يوسف الخال سوى مجموعة من قصائد النثر ، ولم أقرأ المجموعة التي يتحدث عنها أدونيس، ولكنني ألمح في عبارات أدونيس انحيازا لطرف هو أدونيس فهو يبحث عن غير نفسه ليسند نفسه ،عن آخر يقف معه في الطريق الصعب الذي يسير به . وإلا فكيف يكون كل الشعر الذي لايصدر عن وعي كوعي يوسف الخال هامش وصغير ؟

شعرية القراءة

أراد أدونيس في هذه المقالة أن يوضح أهمية القراءة ولذلك فهو يتحدث عن جمالية القراءة ويرى أن للقراءة جمالية خاصة تفقد حين تفقدها جدواها وقيمتها ،وأن قراءةالنص تقتضي أدبية القراءة وتلقي الجمال . ولذلك فإن أدونيس يرى أن من مهما ت النقد أن يتناول التلقي بقدر ما يتناول الإبداع.
قصر ادونيس كلامه على النص الشعري الذي رأى أن له خصوصية لا تكون له هوية إلا بها وهي أنه عمل لغوي جمالي، أي إنه طريقة نوعية في استخدام اللغة، وطريقة نوعية في الاستكشاف ص51
رأى أدونيس أن النص يكتب ويقرأ في مرحلة انتقال وتغير، ويصدر عن رؤى للكتابة، ومواقف من الإنسان والعالم متناقضة متنابذة، ولذلك فهو يعيش إشكالية تاريخية وفنية , لعل أوضحها سيطرة الماضوية على الثقافة العرببة وهي لذلك تعرض تراتبا معياريا لطرائق الكتابة الشعرية تؤدي إلىطرق معينة في القراءة ؛ فالنص الذي لا يمكن قراءته بسهولة ينفى من مملكة النظام الثقافي المهيمن لإنه يطلب الوضوح ويريده .
أما على صعيد القيم فتجهد الماضوية في هدم كل ما يزلزل تلاحمها أو تماسكها ص 53
وضح أدونيس المشكلة التي سببها شكل النص للماضوية فهو قد شكل صدمة مباشرة للطريقة الماضوية في القراءة ولهذا حاربته لأنه شكل معرفي وتعبيري مغاير، يقارب الواقع بطرق مغايرة ويؤثر فيه بطرق مغايرة .
أما النص الذي يفلت من المعايير المقننة الماضوية ومن جمالياتها فيجب أن يقرأ بمعايير مختلفة، وأن تهدف هذه القراءة إلى مرافقة النص في رحيله الاستكشافي .ويرى أدونيس أن البحث في طريقة استخدام النص للغة وطريقته في المعرفة وفي التغيير وقيمه الجمالية وبعده الجمالي تتيح لنا أن نتجاوز السؤال ،هل يكتب الشاعر لجمهور أم للنخبة ؟ لأن المسألة تصبح مسألة شعر جيد وشعر رديء لا مسألة شاعر وجمهور .
وهو يرى أن القارئ الذي يبحث في النص عما يؤكد أو ينفي ما يضمره في عقله ونفسه، أو يعفي نفسه من القيام بأي جهد للتقدم نحو النص ويفترض أن على النص أن يتقدم نحوه، هو في الحقيقة يشوه النص ويحجبه بل ويلغيه . ص 58
إن قراءة النص – كما فهمتها – عند أدونيس أن تكتشف أفق الأسئلة في النص ، واكتشاف هذا الأفق يشكل لنا نصا ثانيا داخل النص الأصلي .
ويميز أدونيس في هذه المقالة بين القراءة السطحية والقراءة العمودية ، القارئ في الأولى يقرأ النص كأنه خيط ، والقارئ في الثانية يقرأ النص من حيث هو عمق ثقافي تاريخي ، وهذا الأخير في رأي أدونيس يحقق جمالية القراءة الإبداعية .

شعرية الهوية

عرف أدونيس في هذه المقالة بالهوية الشعرية ,وبالشاعر الخلاق وتحدث عن تأثر الشعر العربي بالشعر الغربي .
يرى أدونيس أن الهوية في المنظور الإبداعي ليست في إنتاج الشبيه , وإنما في إنتاج المختلف،وليست الواحد المتماثل بل الكثير المتنوع ؛ فالهوية إبداع دائم وتغلغل مستمر في فضاء التساؤل والبحث .
ويرى أدونيس أن الهوية إبداعيا هي أن تحيا وتفكر وتغير كأنك أنت نفسك وغيرك في آن ,بحيث تبدو في لحظة ما كأنك الكل لا واحد .

أشار أدونيس إلى تأثير الغرب على المناخ الثقافي العربي ، وبين كيف أن هذا التأثير قد شق الذات العربية إلى اثنتين الواحدة منهما لا تعاصر الأخرى .
ويرى أدونيس أن اتخاذ الغرب لمفهوم العالمية مقياسا ، هو ممارسة قمعية كبيرة على الآداب العربية، تجلى في عزلها وفي النظر إليها نظرة دنيا . لإنه يقوم على أسس أهمها :
تمجيد خصائص الإنسان الغربي وتعميمها . ونفي الشعر الذي لا يكون بمشكلاته وتطلعاته وبأساليبه غربيا . وتقويم الإبداعية العربية أدبا وفكرا كظواهر آثارية سوسيولوجية .
الشاعر الخلاق :
لقد تحدث أدونيس عن الشاعر الخلاق وهوية هذا الشاعر هي في انتمائه إلى الإنسان بما هو إنسان وبما هو طاقة إبداعية معرفية ، فهي هوية اختلاف مع الجماعة القومية . وإن هوية الخلاق – كما يراها أدونيس – ليست ائتلافا متماثلا مع جوهر ثابت مسبق ،وإنما هي اكتساب؛ فالشاعر يخلق هويته فيما يخلق كتبه .
أما المشكلات التي يواجهها الخلاقون في العالم كله فهي واحدة وهي تأخذ صيغا معينة وأبعادا معينة , فلكل عصره وظروفه وشخصيته .
لم يعارض أدونيس التأثير الغربي بل إنه يدعو إلى الأخذ عن الغرب, والتفاعل مع الغرب فهذا الفعل الإنساني خليق أن نشترك به ونكون فاعلين . ونحن إذا فعلنا ذلك لن نخسر شيئا لأن الذات لاتتميز بدءا من انقطاعها عن الآخر بل بدءا من علاقتها به . والمسألة ليست انقطاعنا عن الآخر بل في تفاعلنا معه, وبقائنا نحن نحن. 
الصدمة :
قارن أدونيس بين الشعرية العربية و شعرية الغرب ,وتأكد له من هذه المقارنة غنى الأولى موسيقى ومفردات, وفقرها تشكيليا, وتحركها في مدار ضيق0 وأما الثانية فتأكد له غناها التشكيلي وتفجرها الذي يتجاوز كل عائق , فعزم على تطوير – كما يقول – الشعرية العربية متأثرا بتلك الصيغة المعرفية , وقد تجلى ذلك في أمرين: يتصل الأول بالتشكيل ويتصل الثاني بالتجريب والاستقصاء .

لقد عمل أدونيس – كما يوضح – على إدخال مفهومات جديدة إلى الشعرية العربية أهمها :
– مفهوم قصيدة النثر
– مفهوم القصيدة الشبكية التي هي نص مزيج تتآلف فيه الوزنية على تنوعها مع النثرية على تنوعها .
– مفهوم لاحقية الشكل .
هذا في التشكيل أما في التجريب والاستقصاء فقد وضح أدونيس أنه نظر لقول المجهول مقابل التقليدية التي نظرت للمعلوم . وأكد على أن الشعرية العربية تقوم في جانبها الطليعي اليوم على التجريب المفتتح , وأن الخصوصية الإبداعية هي خصوصية الذات الشاعرة .

إن الصدمة التي تحدث عنها أدونيس في بداية المقالة أعطت للشعرية العربية أبعادا جديدة تغير معها مفهوم الشعر ذاته ،وتضاءل كثيرا احتفاؤه بالشعر الأوروبي الراهن ورأى أن في النتاج الشعري العربي الراهن ما يتقدم على الشعر الأروبي رؤى وطرائق وتعبير.

شعرية التجريد

إن صلاح استيتية يكتب الفرنسية بلغة عربية أي بحدس إسلامي عربي والحدس العربي الإسلامي هو حدس تجريد فالدليل على وجود الله هو وجود الله، والسير نحو الله ينطلق من الله لا من العالم المادي، فالثقافة الإسلامية أهم جوانب الخصوصية فيها أنها صدور عن الغيب، فالمعرفة وحي وتذكر وهي تمجيد لله . ولعل في هذا ما يضيء الحدس اللغوي الإسلامي العربي ويوضح مكانة اللغة العربية .
إن المفهوم الفني للتجريد هو بحث عن الجوهر ومحاولة لرؤية ما لا يرى وتجاوز للطبيعة وأشكالها وخلق عالم من الأشكال المحضة .
ويتحدث أدونيس عن النظرة الإسلامية إلى الجمال فيقول إنها تجاوزت الحس إلى التخييل والسطح إلى العمق والنسبي إلى المطلق. وقد وفر المكان قاعدة حياتية لهذه النظرة . أما الشاعر في المنظور الإسلامي فيحاول أن يدرك ما يتعذر إدراكه، وانهماكه الأساس هو أن يبقي اللغة متوفرة مرتبطة بحيوية الحدس .
وفي هذا المحيط يندرج شعر صلاح ستيتية ومن هذا القبس يقتبس ؛ فالمعنى بالنسبة لصلاح ليس شيئا تفصح عنه اللغة وليست اللغة وسيلة لنقل شيء منفصل عنها قائم في الطبيعة أو العالم الخارجي ،. إن المعنى عند صلاح هو الكلمة ذاتها إذ ليس لقصيدته موضوع أو مرجع خارجها ، إن المعنى عند صلاح هو حوار الكلمة مع جارتها .
إن الشعر عند صلاح موسيقى، لايقوم على فكرة محددة واضحة وإنما يقوم على ما يشبه الترابط الهندسي فالقصيدة ايقاع وكلمات . والايقاع عنده حر ليس له غرض نفعي، يقوم على حركية الكلمات، ولهذا فإن المبالغة ضرورية وطبيعية ,وإنما تشعر فيما تقرؤه انك لا ترتوي وانك مدفوع إلى تخوم اللغة، وفي هذا ما يجعل القصيدة تجريدا .يبدو الواقع إزاءه كأنه يتلاشى والتجريد هنا يعني نقاء العناصر وغياب الوظيفية لتحل محلها تناسبات وأنساق وتناغمات وكأن قصيدة صلاح طراز معماري وحين تدخل إليها تشعر كانك تدخل هيكلا . فهو يحل عالما غير مرئي تجريدي له علاقاته الخاصة محل العالم المرئي .

شعريةالكلام القديم

كاد أدونيس أن يقول ” أحمد شوقي ليس شاعرا “
كيف ذلك ؟
حلل أدونيس قصيدتين لأحمد شوقي، فوجد أن أحمد شوقي يتبع في إنشائه الشعري نسقا من الكلام واحدا . ففي قصيدة باريس وجد أن المفردات وتداعياتها ليست إلا لباسا منسوجا من طبيعة غير طبيعة المكان الذي يلبسها ، إنه ثوب لكل مكان وهذا يعني أن شوقي يخلق بذاكرة ألفاظه ( غاب بولونيا ) و(باريس ) صياغة وبنية ، ليصبح الكلام هو هذا المكان .
ثم نظر أدونيس إلى معجم ألفاظ شوقي – فوجد أنه مستخدم بذاته في نسقه وسياقه القديمين . ووجد أن العناصر المجازية في الحرب و الحب عند شوقي قد استخدمت ماضيا . وأن كلام المدح هو نفسه كلام المدح القديم .92 وأن كلام شوقي يجري مجرى البرهان والدليل
هذا يعني : أن شوقي استعاد نسيج الكلام القديم وحاك بطريقة سلفية نسيجا سلفيا على نول سلفي .
وجد أدونيس أن شوقي في قصائده جميعها يستخدم الكلام بطريقة إديولوجية مستعيدا به خطابا موروثا مشتركا ولهذا فإن قصائده إنشاء إيديولوجي ، لأنه لايتكلم كلامه الخاص وإنما هو متكلم بكلام جماعي ،والمتكلم في شعره هو التقليد الذي لا يؤسس ، وإنما يدعم سلطة الكلام الماضي . ثم إن شوقي ينحاز إلى كلمات معينة من اللسان ، وكلامه ليس تساؤليا ولا تأمليا وهو ليس إخباريا، إنه كلام الرعاية الذي يغيب فيه الشاعر والمكان . وهكذا لا نجد في شعر شوقي من الراهن في عصره غير الأسماء .
من شروط الشعرية التي يضعها أدونيس أن يكون للشاعر كلامه الخاص .فهل حقق شوقي هذالشرط ؟
وضع أدونيس شعر شوقي في الكلام الأول أي كلام النظرة الأصلية التي قامت بيانيا على ركنين رئيسين اللفظ الجاهلي والمعنى الإسلامي . وأحمد شوقي يصدر في شعره عن اللغة في ذاتها ولذاتها في ماديتها وروحيتها .

شعريةالاستعادة
ما هي شعرية الاستعادة ؟
تحدث أدونيس في هذه المقالة عن شعرية أمين نخلة في ديوانه الجديد ، ورأى أن الشعر بالنسبة لأمين لفتات ذهنية دقيقة النسج لا تاتي بسهولة وإنما يأتي بها الضنى والمضض .

إن شعر أمين نخلة شعر ذهني قائم على المعنى، وبالتالي هو شعر تجريد، وصفي، زخرفي وليس تجريد ايحاء ورؤيا . ولذلك خلا ديوانه الجديد من الجرأة والبحث والتطلع , فهو لا يريد شيئا ولا يطمع إلى شيء . وهو إضافة إلى ذلك لم يخلق لغة شعرية خاصة به ذلك أن أدواته ، ذلك أن أدواته هي أدوات غيره ممن تقدموه ،وأن عمله هو أنه ركبها ثانية في إيقاع آخر ونسق آخر .

إن أدونيس يرى في الديوان الجديد لأمين نخلة شعرا قديما فلا توتر فيه ولاتناقض ولا غموض ، ولا يعرض حالة معقدةمن حالات النفس ، ولا يدخل عوالم الحلم واللاشعور والأعماق الدفيئة التي تتغير . رأى أدونيس أن وظيفة الشعر في الديوان الجديد صناعة الزخارف والتحف .
قدم أدونيس دعوته لأمين نخلة للإنضمام إلى كتاب النثر وترك الشعر .

شعرية الكشف ” عن فضاء الأعماق “

إنه الاتجاه نحو الداخل مقابل الاتجاه نحو الخارج ،وإبداع طرق للتعبير تتآلف مع هذا الداخل ،ورفض كل ما يحول دون ذلك سواء أجاء من جهة المقاييس الأخلاقية أم من جهة المقاييس الفنية . هذا ما يلخص المشروع الكتابي الذي حاوله أورخان ميسر . ص 123

في تقديمه لمجموعة ( سوريال ) وصف أدونيس نتاج أورخان ميسر فيها بأنه مشرع تحرر حياتي تكمل تجلياته الفنية تجلياته الثقافية في الفكر والممارسة .وكان الإنسان الفرد، المعذب المحاصر، المسحوق، المكبوت، مدارها الأساسي .
ولكي نفهم مشروع أورخان يرى أدونيس أن علينا أن نفهم العالم الثقافي الأدبي الذي نشأ فيه , فهو يصدر في كتابة مشروعه عن الرؤيا الفرويدية .

إن الرمزية الدينية هي التي تغلب على الثقافة العربية السائدة، ولأن الخروج منها أو عليها مغامرة ليست سهلة ؛قلت الإبداعات والتفجرات إلى درجة الغياب الكامل في بعض المراحل ص.118

إن الشعور ، بالمعنى الفرويدي ، هو ما يقابل الحياة اليومية أو الثقافة بمستواها العادي , الأدنى ، أما اللاشعور فهو عالم رغبات وقلق ونزوع وأحلام يتطلب التعبير عنها لغة مغايرة للغة الثقافية السائدة .ص 121
إن فعالية الفنان الأولى هي الخلق، أي إبداع عالم يتطابق مع التطلعات الكامنة في اللاشعور بعين الشعور ومقاييسه .
يرى أدونيس أن إنتاج أورخان ميسر يندرج في المقدمات النظرية الطليعية لثورة التغيرات الجذرية في مفهوم الشعر، وبنية الكتابة الشعرية وهو ينماز بخصوصية العلم أكثر منها بالأدب ؛ فهي محاولة للكشف عن الحالة الإنسانية لا الحالة الطبيعية .
لقد وصف أدونيس تجربة أورخان الشعرية بأنها تحرر من شعر الماضي الراهن في الحاضر وأن تعبير أورخان تحرر من شعر الأدب وشعر العروض. 

شعرية المؤالفة
سلاما لصلاح عبد الصبور .
لم يخف السلام الذي أرسله أدونيس إلى صلاح عبد الصبور موقف أدونيس من شعر صلاح، بل ومن فكر صلاح .فكيف ذلك ؟

أكد أدونيس على أهمية الوعي النظري إبداعيا لدى الشاعر، وأن الشاعرالذي لا يمتلك هذا الوعي قد يساعد في خنق الوعي عند القراء الذين يتوجه إليهم، ويثبت السائد مخمدا الرغبات الإنسانية التي هي نزوع نحو اختراق السائد ص.136
أما سبب هذا الكلام، فهو أن صلاح عبد الصبور قد رفض قصائد لأدونيس مما استدعى أدونيس أن يسأل هذا الشاعر عن سبب رفضه لهذه القصائد ،مع أنه قد أعجب بقصائد مماثلة . ولم يحدد صلاح السبب.
تحدث أدونيس عن نوعين من الرفض في الحركة الشعرية العربية : يتمثل الأول في الكتابة بأشكال تختلف ظاهريا عن الأشكال التقليدية ، لكننا حين نحلل يتجلى لنا أن الرفض الذي تعلنه ليس إلا ثوبا مختلفا موضوعا أو ملصقا على الجسد التقليدي ذاته .

إن استخدام اللغة البسيطة ليس مهما أو شعريا وإنما أهميته وشعريته في كيفيته .وإن مشكلات اللغة ليست في اللغة بما هي لغة بقدر ما هي في بنية العقل والنفس , في الرؤيا الإبداعية ، أي إن اللغة ليست هي القاصرة وإنما العقل العربي هو القاصر . أما الحل فيكون في تفجير اللغة الشعرية التقليدية وليس يعني استخدام التراكيب الدارجة أو المفردات النابية أو الصيغ غير النحوية .إن تفجير اللغة يعني تفجير البنية الشعرية التقليدية ذاتها ،أي تفجير مسار القول وأفقه .ص132

إن أحكام صلاح عبد الصبور هي أحكام تنطلق من لذة التذكر ، والتداعيات والتطابق بين ما في نفسه وما يثيره العمل الشعري فيها وهذا ماجعله يعجب ببعض القصائد ويرفض قصائد تشبهها فنيا 

شعرية الحقيقة

تحدث أدونيس عن شعرية الحقيقة من خلال حديثه عن الزهاوي الذي عاش هاجس التحرر من طرق التعبير السائدة بأفكاره وموروثاته , وكانت الحقيقة هدفه وهدف شعره ، ولم يعن بلغوية البيان قدر عنايته ببيان الحقيقة ، أي العلم منهجا وكشفا .
إن الشعر عند الزهاوي هو ما يقول الحياة ،ويقول النفس ونزعاتها إنه الذي يعبر عن مجمل ما يعانيه الإنسان أو يجابهه .وهو رسالة ،ولكي يؤدي رسالته ينبغي على الشاعر أن يطرح التقليد وأن يسعى دائما إلى ابتكار الجديد .
أما الجدة عند الزهاوي فتتمثل في الخروج على المألوف القاعدي في الكتابة الشعرية بالخروج على القافية الواحدة للقصيدة وممارسة القافية المتعددة ، والخروج على الوزن . أما السمة الأساس للجدة فهي المعنى الثائر من جهة ، وبساطة الكتابة من جهة ثانية .
إن المحرك لممارسة التغيير هوالرغبة / اللذة على صعيدي الحياة اليومية والحياة الفكرية إن الزهاوي يحرض الإنسان على العيش طالبا اللذة . ونلمح في نتاجه عناصر تخريب للهرم التديني الذي لا يقره العقل والعلم .
يرى أدونيس الزهاوي ظاهرة فذة على الرغم مما في شعره من سطحية وابتذال لإنه حاول أن يجعل الشعر تجربة في الفكر وأن يجعل في رأس أهدافه الكشف عن الحقيقة . ولا يمكن أن نقوم شعر الزهاوي إلا إذا أدركنا أن نتاجه مغامرة في التفكير ؛ فهو مفكر يعبر بالشعر أكثر مما هو شاعر يعبر بالفكر .
كان النهوض شاغل الزهاوي الأساس، وكان العلم في رأيه الطريق الوحيدة لتحقيقه ولهذا حرص على أن يقدم في شعره أفكارا مما أدى إلى تعرية شعره من الاخيلة و الصور و الموسيقى .
إنه جديد في مضمونه قديم في شكله ذلك أن الشعر ظل معه مجرد أداة لنقل الافكارمع فارق واحد لا يغير من الأمر شيئا : بدلا من أن يكون أداة لنقل الدين أصبح ينقل العلم وكشوفه وحقائقه
إنه شعر–مسرح للأفكار .

بدوي الجبل المفارقة الإبداعية

إن شعرية بدوي الجبل لتقطر من شعرية الشعر العربي إنه مشحون بكل ما تحملة سحابة الشعر العربي لغة و أداء و بعداً . إن شعر يدوي الجبل تتويج و خاتمة لأجمل ما عرفتة الكلاسيكية الشعرية العربية .

حوار

أجرى هذا الحوار الكاتب الروائي حسن داود . كان الحوار حول الشعر والشعرية والشاعر والقارئ والتجديد والغموض واللغة وموقف أدونيس منها . نشر هذا الحوار في مجلة “الحرية “بعنوان : ” مع أدونيس ، حول الشعر والالتزام والفلسفة ” . أعرض عليكم بعضا مما جاء في هذا الحوار من آراء أدونيس وأفكاره :
• إن عدم فهم الشعر ، شعر أدونيس , عائد أمرين : الأول عدم تخلص النقاد من سيطرة الدوات النقدية التقليدية ،أي تناول الشعر بأدوات من خارج الشعر . أما الأمر الثاني فهو تجاوز النقاد هذه الأدوات دون أن يتوصلوا إلى ابتكار أدوات جديدة
• إن القصيدة نص كتابي لايمكن تقويمه إلا انطلاقا من تحليل بنيته التعبيرية .
• إن هاجس التجديد يحكم شعر أدونيس فهو يريد لكل قصيدة أن تشكل بناء مستقلا عن سابقتها ولاحقتها ويرد ادونيس ذلك لسببين : الأول حضاري والثاني إبداعي . 
• يميز أدونيس بين اللغة اللغة واللغة الشعر ويرى أن اللغة في الشعر تكون لغوية في حالتين : إذا كانت وعاء أو إذا كانت نسقا لفظيا . وتكون اللغة شعرية حين تقيم علاقات بين الإنسان والأشياء أي حين تقدم صورة جديدة للحياة والإنسان .
• إن الحياة في الشعر هي دائما وأبدا على غير ما هي عليه في حركتها الحية فالحياة في الشعر إشارة ولمح لا ترجمة أو تصويرا .
• يرى أدونيس أن الأكثر انتشار، اليوم ، في المجتمع العربي هو الأقل حداثة لإن نتاجه أكثر قابلية لأن يستهلك ؛ ولذلك لايجوز –كما يقول أدونيس – أن تطرح مسألة الشعر بعبارات الانتشار أو عدمه ، وإنما من الأكثر فاعلية في تأسيس رؤيا شعرية جديدة ولغة شعرية جديدة ؟
• يؤكد ادونيس أنه مغير في بنية التعبير الشعري الموروثة ، مغير في الصورة الشعرية ، مغير في الواقع . وأن علاقة الشعر بالواقع هي علاقة لغوية فنية فحسب ص.157 
• الشعر ليس آلة كلامية يطلب منها القيام بمهمات الآلة السياسية أو الاقتصادية أو العلمية وأن الإصرا ر على النظر إلىالشعر من موقع العلم أو الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع يكشف عن جهل بحدود المواقع .
• العلاقة بين القصيدة / الشاعر والقارئ : رأى أدونيس أن العلاقة بين الشاعر والجمهور تحدده ثلاثة مواقف : الموقف التقليدي : وتكون العلاقة فيه تعليمية ،علاقة عارف بجاهل . والموقف التقدمي : والعلقة فيه تعليمية تبشيرية ، أي تقليدي الشكل تقدمي الموقف .ص 162 والومقف الذي يقول يقول إن الشعر رؤيا متجددة ، أي يرى أن خصوصية العمل الشعري تكمن في مضموناته وأفكاره دون أن يكون هناك انفصال بين طريقة التعبير أو بنيته أو المضمون .
• يضع ادونيس قواعد تحكم العلاقة بين الشاعر والمتلقي : 
– العلاقة بين الشاعر والقارئ علاقة تعتمد على ثقافة القارئ الفنية
– مسألة الشاعر الأولى هي” كيف أكتب؟ “اما الايصال فهو مسألة لاحقة .
– الشعر العظيم لا يمكن أن يكون تعليميا أو تبشيريا وعظمة الشعر في مدى تفجيره البنية القمعية للمجتمع وفي الأبعاد التي يوحي بها وفي الآفاق التي يفتحها بلغة جديدة لرؤية جديدة وحساسية جديدة وكتابة جديدة .
• موقف أدونيس من الحداثة في المجتمع العربي :
يرى أدونيس ان الفكرة الأساس في نزعة الحداثة تكمن في إدراك التماثل بين الطبيعة واللغة ، فعندما أدرك أبو نواس وأبو تمام وبعض الصوفيين ذلك ، تغيرت منظورات كثيرة أهمها : 166
– لم يعد الشعر إرضاء لحاجة الجمهور .
– نهض إبداع يقوم أو يتأسس على تنظيم الحاضر .
– أصبحنا نقرأ الماضي في ضوء الحاضر .
– أصبح المفهوم النقدي يؤسس لمعايير نقدية تنظر إى الشعر في ذاته ،ويقومه بمقاييس من داخله ،من تطور التعبير الشعري بالذات .
– إن الحداثة لم تبدأ من تغيير النسق فأبو نواس أكثر حداثة من نازك الملائكة .
• يرى أدونيس أن المجتمع العربي تتصل به مشكلتان : الهوة بين الجماعات ، والكتابة الشعرية .ص 167
• إن التمرد أساس للحداثة سواء أكان بنظرنا سلبيا أو ايجابيا 

شعرية الحدث

لم تعرف الكتابة الشعرية الإبداعية التباسا في اللغة العربية يتصل بدورها وخصوصيتها كهذا الذي تواجهه اليوم!
فما دور الشعر في حركية المجتمع ؟
خصص أدونيس هذا الفصل للإجابة عن هذا السؤال. رأى أدونيس أن الشعر كان للجاهلي حسا وفكرا وجد فيه معرفة غير عادية تتجاوز المعرفة المحسوسة الواقعية وأنه يصدر عن تجربة تتجاوز رؤية الوجود الواقعي إلى ما وراءه.
أما في الإسلام فقد أصبح الشعر فنا في القول ،قول ما تكشف عنه المعرفة الدينية . وأصبح يقوم بوظيفة ما .
وفي الدولة العربية الأموية أكدت وظيفة الشعر السياسية- الايديولجية . وهي لا تزال سائدة إلى اليوم .
أما النظرة التي ترى أن الشعر حدسا معرفيا- جماليا 0فقد همشت , لكنها انتعشت وازدهرت في العصر العباسي لتؤكد على أن الشعر تجربة في الوجود، ومقارنة معرفية وجمالية .
في عصرنا الحاضر :
إن الدعوة شبه السائدة في عصرنا الحالي لربط الشعر والكتابة الإبداعية بأفق ثوري -إيديولوجي هي الشكل الإيديلوجي الموروث للنظرة الوظيفية القديمة : الشعر إناء لنقل الأفكا ر وأداة للنضال .
يرى أدونيس أن الشعر مرتبط عضويا بقضايا الإنسان والمجتمع , وما من أحد يعزل الشعر عن الواقع , لكن المسأالة هي في معنى هذا الارتباط وفي نوعيته وكيفيته . وأن الشعر العربي الحديث يتحرك إبداعيا بين تقليدين : ص 173
تقليد القدم وتقليد المعاصرة اللذين يجعلان من الشعر ،كل بمنظوره الخاص، عملا وظيفيا ليصبح , إلا في حالات استثنائية ، إناء ناقلا للأفكار وأداة للفعل والتاثير وليس بوصفه تجربة كيانية لها عالمها المميز الخاص .

أما سبب رسوخ النظرة الوظيفية إلى الكتابة الإبداعية في المجتمع العربي فعائد إلى أن
الإيديولوجية تجد في الشعر ما يشوش نظامها المعرفي أو يشكك في يقينيتها .وإلى أن الإيديولوحية قاصرة معرفيا وأنها لاتكشف ما يكشفه الشعر من أبعاد جمالية ومعرفية . ص 175

ونضيف إلى ما سبق أن الإبداع هو ،جوهريا , حرية مما يقود مباشرة إلى عدد من التتناقضات بين الشعر والسلطة.
إن الشعر في ذاته ثوري بوصفه حدثا إبداعيا يحمل رؤية جديدة بلغة جديدة لا لأنه يتحدث عن قضايا ثورية . وهذا ما يفصله عن الواقع بل يفصله عن الوظيفية وعن السلطة .

إن أشعار المقاومة تأخذ قيمتها من انتمائها إلى الحدث, لا إلى الشعر أي من موضوعها وليس من شعريتها وهذا خلل عائد إلى نوعية العلاقة ومستواها ؛ فالنوعية وظيفية والمستوى تبشيري إعلامي. والواجب على الشعراء أن يصروا على هدم كل ما يحول بين الكتابة الإبداعية والإفصاح عن الواقع , أي وعي آخر لا يستعيد وعي السلف بلبوس مستحدث .

إن هم الكتابة الإبداعية هم إنسان وحضارة , لا هم حدث أو عمل بذاتهما ولذاتهما يتحرك ببناه وطاقاته كلها .ص 183

الخاتمة
أولا :
تكمن خطورة فكر أدونيس في هذا الكتاب في الكلام الذي لم يقله ،وفي طريقته الإبداعية في غرس الأفكار ونسج التساؤلات وإثارتها .
ثانيا :
إن تقويم أدونيس للشعرية عند أحمد شوقي وعند غيره كان بناء على معايير غير متفق عليها فهي أحكام تصدر عن أدونيس وتخص أدونيس وحده ومن رأى رأيه ، أما الآخر فله غير رأي أدونيس وله نقده ومعاييره التي يبني عليها , فليس لأحد أن يقول إنه يملك كل الحقيقة .بل عليه أن يقول أنا اقول جزءا مما أراه من الحقيقة .
ثالثا :
علينا أن نفهم لم ربط أدونيس بين التخلف والفكر والإنسان والشعر .وعلينا أن نسأل لم رسم أدونيس للشعرية العربية هذه الصورة القاتمة فهي الشعرية التقليدية والسلفية والخطابية ؟ ولم نظر هذه النظرة العدائية للوزن والقافية والقصيدة العمودية ؟

رابعا :
قصر أدونيس الشعرية على المتمردين وعلى الطليعين وعلى النموذج الغربي أو المتفرنج من الشعر ، بل من الذين كتبوا شعرهم من غير وزن أو تمردوا عليه فطرحوه من قصائدهم
ونسي أن الشعرية شعريات – وهو صاحب هذا الرأي – وأن هناك كثيرا من الشعراء من كان شعره يحكي ويوحي ويفجر اللغة دون أن يتخلى عن الوزن/ التفعيلة .

خامسا :
إن هذا الكتاب يتحدث عن الشعر ويصدر أحكاما على الشعراء ,ولكننا لا نجد ما يبني عليه أحكامه بين صفحات الكتاب أي إن الناقد لم يدخلنا في نص واحد مشرق أو باهت ليقول لنا سبب إشراقه أو سبب قتامته .وكأني به يتحدث عن مجهول حاضر ،ولعل ذلك ناتج عن جينات النقد الأوروبي .

سادسا :
إنّ انتشار الشعر أو عدم انتشاره لا يدلان على أهمية الشعر وإبداعيته ، فالسبب في الانتشار أو عدمه قد يكون واحدا . 

سابعا :
بعد أن صدمت أوروبا بشعرها أدونيس , عاد بعد عشرين سنة ليقول إن شعرنا العربي تفوق على شعر أوروبا عند كثير من الشعرا ء العرب, وقصده أن يقول: إن شعره وشعربعض من سار على دربه قد رفع من مكانة الشعر العربي عند الأوروبيين، وتفوق بهؤلاء الشعراء على شعر الأوروبيين . متى حصل ذلك ؟عندما تخلى هؤلاء عن الوزن وقيود البحر وفجروا اللغة وتمردوا على كل ما هو قديم .
ثامنا :
أنا أعشق شعر التفعيلة وأحب ترديد خطاب المتنبي وسماع لامية الشنفرى وطرقات أحمد شوقي على أبواب دمشق وأغنيات محمود درويش في السجن والمنفى, وتذوقت قصيدة النثر وسمعت منها كلمات خلف الكلمات وذبت في لونها البعيد وحزنها وفرحها ودخلت في كثير من جنانها فهل أنا قارئ جاهل لأنني عشقت كل هؤلاء وأحببت التنوع , ألا يمكن لأدونيس أن يضيف إلى الشعريات شعرية اسمها شعرية القارئ الخلاق ؟

ألا يمكنه أن يلحظ أن الشعر يمكن أن يكون له تعريف آخر غير الذي يراه . وأن يكون الشعر شعرا راقيا ورائقا وهو في أدراج البحور يصنع ، بل إن في عملية صناعة هذه الأبيات الخارجة في قوالب جاهزة عبقرية وإبداع ؟

الخاتمة
هذا أدونيس في فصول كتابه كما رأيته ، يرسم صورة للشعرية كما يرسمة لوحة كل ما فيها له مكانته في اللوحة ، فالشعرية عنده شعريات ، وكل شعرية مرتبطة بما يجاورها وما يشتق منها .
14

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
Translate