رجل القانون و المفكر الليبيرالي الفيلسوف جيريمي بنثام
جيريمي بنثام هو فيلسوف انجليزي ومصلح اجتماعي مشهور، أفضل ما يُذكر به هو النظرية النفعية.
نبذة عن جيريمي بنثام
ولد جيريمي في منتصف القرن الثامن عشر في لندن، والده كان محاميًا مشهورًا في لندن،لذلك كان من المتوقع أن يتبع خطى والده بالمحاماة. لكنه في الحقيقة لم يكن سعيدًا بدراسة القانون البريطاني ويقال أنه لم يكن متوافقًا مع كثيرٍ من بنود، ولكنه درس القانون لإرضاء والده.ثم في العام نفسه الذي أنهى في دراسته دخل إحدى حانات لندن، وفيها صادف العديد من الفلاسفة الراديكاليين الذين ساعدوه لاحقًا على تحديد مسار عمله المستقبلي.
تخلى عن مهنة المحاماة وكرس حياته المهنية لفلسفة القانون. نشر كتابه مقدمة مبادئ الأخلاق والتشريع في عام 1789م. واقترح بنثام تدوين القانون إصلاح السجون والتعليم الشامل وما إلى ذلك، على الرغم من أن الكثير من مقترحاته المجتمعية تم تجاهلها خلال حياته، إلا أنها لاحقًا شكلت أسسًا عميقة لإصلاح المجتمعات. تعرف على السيرة الذاتية الإنجازات والحكم والأقوال وكل المعلومات التي تحتاجها عن جيريمي بنثام.
بدايات جيريمي بنثام
ولد جيرمي بنثام في عائلة ثرية، مناصرة لحزب المحافظين البريطاني. وكان والده إرميا بنثام معروفًا بأنه محامٍ ناجح في محكمة شانسري. والدته أليسيا وايتهورنني جروف، كانت امرأة متدينة، وكان إرميا زوجها الثاني.
كان جيريمي أكبر إخوته السبع، لكن فقد جميع أخوته فقد توفوا في مرحلة الطفولة ماعدا أخيه الأصغر صموئيل،ومن ثم توفيت والدته أيضاً في 6 يناير1759. بعد ذلك تكفل والده بالعناية به وبأخيه، كما قضوا الكثير من الوقت في منزل جدتهم.
كان جيريمي طفلًا معجزة. يقال أنه عندما كان صغيراً، كان يجلس على مكتب والده لقراءة التاريخ الإنكليزي وأنه بدأ بدراسة اللغة اللاتينية في سن الثالثة. وفي وقت لاحق تم قبوله في ويستمينستر، لكنه لم يستمتع بالتجربة هناك لأنها لم تحقق طموحة ولم تتماشى مع ميوله ورغباته الدراسية.
في عام 1760، عندما كان عمره 12 عاماً، جعله والده يدخل كلية الملكة بأكسفورد. ومع ذلك لم يجد البيئة الكلية محفزة للغاية، فبالنسبة له كانت أكسفورد مقرًا للتحامل والكسل.
كانت تجربته هذه في تلك الفترة العامل الأهم والأساسي الذي دفعه إلى عدم الثقة بالكنائس الإنجليكانية وولد لديه شعورًا بالكراهية اتجاه اليمين. ونتيجة لذلك واجه مأزقًا كبيرًا عندما تخرّج عام 1763م مع درجة البكالوريوس في الآداب، فللحصول على شهادته، طلِب منه أن يقسم قسم ولاء لكنيسة إنكلترا، التي كانت ضد مبادئه، لكنه بعد الكثير من المداولات وافق على القسم لأنه إذا فقد شهادته، سيخيب أمل والده.
وبعد ذلك دخل جيريمي إلى لينكولن لدراسة القانون وشغل مقعده كطالب في قسم الملك في المحكمة العليا.
إنجازات جيريمي بنثام
في عام 1766، كان لايزال يدرس القانون، نشر كتابه A Fragment of Government، ويقال أن الكتاب مكتوب بأسلوب واضح وموجز، يمثل بداية تطوره الفلسفي.
في عام 1769، صادف أعمالًا لكتاب بارزين مثل مونتيسيكو، هيليفيتوس، بيكاريا، فولتاريا، ديفيد هوم، ديفيد هارتلي و جوزيف بريستلي، كان لهم دورأساسي في العثور على هدف حياته، وأيضاً على بناء نسخته الأولية لمبدأ المنفعة.
قضى جيريمي ساعات طويلة في القراءة والكتابة، وبحلول عام 1780، كان أول عمل رئيسي له هو كتاب مقدمة لمبادئ الاخلاق و التشريع An Introduction to the Principles of Morals and Legislation.
وفي منتصف عام 1780، سافر جيريمي الى بيلاروسيا لزيارة شقيقه صموئيل، وهناك أثناء جولته لاحظ سيادة نموذج عمراني واحد على معظم المباني والمؤسسات هناك، يطلق على هذا النموذج مصطلح Panoplacon ويعني أن تصميم المبنى دائري يسمح لحارس واحد بمراقبة جميع عملاء المؤسسة.
ثم بدأ بتطوير الفكرة واقتراح بناء السجون على هذا النموذج، ولقد عمل على هذا المشروع لمدة 16 عاماً.
على الرغم أن الحكومة رفضت تبني هذا المفهوم، فقد دفعت له تعويضاً قدره 23000 جنيه إسترليني مقابل عمله عام 1813، وبسبب هذا العمل، أصبح الآن أحد رواد إصلاح السجون.
في الوقت نفسه، بدأ في التفكير في القيود القانونية المفروضة على الصفقات المالية السائدة في ذلك الوقت.
في عام 1787، كتب سلسلة من ثلاثة عشر رسالة موجهة إلى الاقتصادي آدم سميث.نشرت هذه الرسائل لاحقاً على شكل كتاب Defence of Usury أو الدفاع عن الربا، قدم هذا الكتاب حجج قوية ضد أي قيود من هذا القبيل، ذكر في كتابه أن كل شخص هو أفضل حاكم في مصلحته، ويجب أن يسمح له بالبت في الشروط التي ينبغي عليه إقراض أمواله.
في عام 1793، كتب كتاب حرر مستعمراتك Emancipate your colonies، وتم تناوله في المؤتمر الوطني لفرنسا وحاول فيه إظهار عدم جدوى وخطورة التبعية عن بعد على أي دولة أوربية.
نشر كتابه الشهير مقدمة فيتدوين القانون، فقد كان أيضاً من المهن الرئيسية له، تدوين القوانين البريطانية وكتب عنها على نطاق واسع. على الرغم أن جهوده باءت بالفشل في معظمها، إلا أنها أرست الأساس للأعمال المستقبلية حول هذا الموضوع.
من عام 1809 إلى 1823، عمل جيريمي في الدين بهدف القضاء على المعتقدات. كتب كتابه التعليم المسيحي الإصلاحي Parliamentary Reform Catechismفي عام 1817.
في الجبهة السياسية، دعا إلى إجراء انتخابات سنوية، ومناطق انتخابية متساوية، وحق المرأة في الاقتراع والاقتراع السري. كما دعم مشاركة المرأة في الحكم و إصلاح قوانين الزواج و إلغاء تحريم المثلية الجنسية.
الفلسفة النفعية:
طُبع كتاب بنثام : مقدمة حول مبادئ الأخلاق والتشريع عام 1780 ولكنَّه لم ينشر حتى عام 1789 وقد يكون العامل الرئيسي الذي دفع بنثام على نشره هو النجاح الكبير الذي حقَّقه كتاب بالي مبادئ الفلسفة الأخلاقية والسياسية، ومع أنَّ كتاب بنتام لم يحقِّق ذلك النجاح السريع المنشود ولكنَّ أفكاره انتشرت على نطاق واسع خصوصاً بعد أن ترجم إتيان دومون مختارات منقَّحة من مخطوطة الكتاب إلى اللغة الفرنسية وطبعت على شكل كتاب في فرنسا عام 1802 وأعيدت ترجمة هذا الكتاب إلى الإنكليزية على يد هيلدرث تحت اسم نظرية التشريع (بالإنجليزية: The Theory of Legislation).
في هذا الوقت أيضاً تمت إعادة ترجمة قسم كبير من كتاب دومون وتمَّ دمجها في طبعة السير جون بورينغ لأعمال بنثام والتي صدرت في أجزاء ما بين أعوام 1838 – 1843 في افتتاحية كتاب بنثام نجد ما يعتبر تعريفاً أو بياناً لمبدأ المنفعة: «لقد وضعت الطبيعةُ البشرَ تحت حكم اثنين من الأسياد، الألم والسعادة وإليهما وحدهما يرجع القرار فيما يجب أن نفعله. يقصد بمبدأ المنفعة هو ذلك المبدأ الذي يوافق أو لا يوافق على أي فعل مهما كان وفقاً لما يبدو عليه من كونه يزيد أو ينقص سعادة الطرف المعني، وأنا أعني هنا أي فعل أو إجراء من أي نوع كان ومن أي طرف وبالتالي لا أقصد فقط أي عمل يقوم به فردٌ مُعيَّن ولكن حتى كل عمل أو إجراء تقوم به الحكومات أيضاً»
في الفصل الرابع من كتابه يُقدِّم بنثام طريقة لحساب قيمة السعادة والألم والتي أصبحت تعرف فيما بعد بحساب التفاضل والتكامل، ويؤكد بنثام على أنَّ قيمة السعادة أو الألم يمكن قياسها تبعاً لعوامل عديدة كشدَّتها ومدَّتها ووجودها اليقيني والحقيقي، وعليه فمن الضروري الحكم على أي عمل من خلال ما ينتج عنه، وفي النهاية لابدَّ من النظر في مدى تأثير أو عدد الأشخاص المتأثرين بهذا العمل أو الإجراء.
وعلى كلِّ حال ربَّما أدرك بنثام أنَّ هوتشينسون قد حذف خوارزميات حساب السعادة من الطبعات الأخيرة لكتابه عندما وجد أنَّها بدون جدوى ولا يمكن تطبيقها عند الكثير من القرَّاء، ويدَّعي بنثام أنه لا يوجد شيء غير مألوف أو غير مبرر في أسلوبه لأنَّ “أفعال وممارسات الجنس البشري في النهاية مهما كانت تتمُّ وفق رؤيتهم لمصالحهم الخاصة ويجب أن تتوافق الممارسات والأفعال مع هذه المصالح بشكل تام”.
يوضِّح روسين أنَّ تعريف النَفعية اليوم يمكن أن “يشابه بشكل جزئي فقط التعريف التاريخي الذي وضعه مؤسِّسوا النفعية كبنثام وجون ستيوارت ميل“، و”يمكن أن تكون تصوراتهما عن النفعية نسخة خام لا أكثر مقارنةً بالنفعية التي تمَّ وضعها في القرن العشرين حتى أنَّ أفكارهما تمّ مهاجمتها ورفضها في الكثير من الأحيان”. ومع ذلك فمن الخطأ الاعتقاد بأنَّ بنثام لم يهتم بالقواعد والأسس التي يبني عليها فأعماله الأساسية تهتم بقواعد التشريع بدقَّة وتمَّ إدخال حساب التفاضل والتكامل فيها واعتبر فيها أنَّ السعادة وتجنُّب الألم هي خلاصة الغايات أو الأهداف التي يجب أن تقوم عليها رؤية المُشرِّع.
في الفصل السابع من كتابه يقول بنثام:«إن عمل وواجب الحكومة هو تعزيز سعادة المجتمع من خلال استخدام العقاب والثواب، وعليه فأي فعل يميل إلى إزعاج تلك السعادة سيؤدي إلى الضرر وهو يستوجَّب العقاب”. وهنا يطرح سؤالاً هاماً متى يكون من المشروع خرق القانون ؟ – إذا كان ذلك مشروعاً – وللإجابة يُقسِّم بنثام الشرور لدرجتين أولى وثانية من حيث نتائجها وأسبابها، فتلك التي من الدرجة الأولى هي التي تنتج بشكل مباشر عن الأسباب، أما تلك التي من الدرجة الثانية فتحدث عندما تحدث الأسباب من خلال المجتمع ممَّا قد يتسبَّب في الخطر. يقول بنثام : فلنأخذ على سبيل المثال حاجة الجسد البشري لإسكات الجوع، إذا تركنا المتسوِّل الذي يفتك به الجوع يسرق من بيت رجل ثري رغيف خبز فربما سيسكتُ ذلك جوعه ولكن هل يمكن مقارنة الخير أو السعادة التي اكتسبها هذا اللص لنفسه مع الشر أو الضرر الذي عانى منه الرجل الغني ؟ بالطبع لا. ولذلك ليس لأنَّها شرور من الدرجة الأولى يجب تصنيف هذا العمل كجريمة بل لما تحدثه من شر من الدرجة الثانية في المجتمع.»