كيف تغتال أحلام الإعلاميات في المجتمع السوري؟
العنف ضد الإعلاميات في سوريا
خلقت الثورة السوريّة مساحات جديدة لحرية الرأي والتعبير، ووسّعت من حضور المرأة في العمل الإعلامي، لكن دخول البلاد مرحلة النزاع المسلح شكّل تحدياً أمام الصحفيات والإعلاميات في دولة مصنفة الأخطر عالمياً بالنسبة للعمل الإعلامي.
تعاني الإعلاميات في سوريا من مختلف أنواع المخاطر كالتهجير والقتل والخطف والاعتداء الجسدي والجنسي، وتختبرن ضغوطات عديدة مبنيّة على عدم الاعتراف بقدرتهن على تحدي السلطات القمعية الاجتماعية والسياسية، إضافةً لاضطرارهن إلى مواجهة رد الفعل العام القائم على لوم الضحيّة بحال تعرضها للانتهاك ووصمها والتنمّر عليها، ومع ارتفاع وتيرة العنف الموجه ضد الإعلاميات، وصل هذا العنف إلى المنصّات الرقمية لتتحول هذه المساحات الحرة لمنصّات للتشهير والتنمر والمضايقة وإساءة المعاملة.
انتهاكات مضاعفة بحق الإعلاميات
«لقد تعرضت للتهديد من قبل “الجيش الوطني” الموالي لتركيا، بسبب عملي، إلا أنني لا أعتبر هذا التهديد خطيراً بعد أن غادرت سوريا، ولكن ما أتعرض له باستمرار منذ عام 2015 إلى اليوم، هو محاولات الابتزاز والتحرش لأنني امرأة»، هذا ما قالته “سناء” لـ(الحل نت)، وهي ناشطة إعلامية، تعمل باسم مستعار (35 عاماً).
تتعرض الإعلاميات في سوريا لوقائع عنف بنسبة أكبر من نظرائهنّ الرجال، لأن العنف الموجه ضدهن مرتبط بنوعهن الجندري، حيث ترتفع احتمالية تعرضهن للعنف الجنسي بمختلف أشكاله، والذي يستخدم كأداة لثنيهنّ عن العمل الإعلامي، ويمكن تمييز ممارسات العنف ضدهن في مجالين، يقوم الأول على العنف القائم على النوع الاجتماعي، أي بسبب كونهن نساء تطالبن بحقوق “محظورة”، ومثال عليه ما مارسته «التنظيمات الـ”الجهاديّة” كهيئة “تحرير الشام” و”داعش“»، اللتين استهدفتا الإعلاميات باعتبارهن ممثلات صريحات لحقوق المرأة، أما الثاني فتمارسه قوات الحكومة السوريّة بشكلٍ واسع، وهو قائم على استهداف الإعلاميات بسبب آرائهن السياسيّة، وكان العنف الجسدي والجنسي عندها وسيلة لانتزاع المعلومات وللإهانة ولمعاقبة المعارضات وذويهن.
تقول “هدى” (اسم مستعار- 29 عاماً- خريجة كلية الإعلام) لـ (الحل نت)، «لا أستطيع أن أكتب باسمي أو حتى باسم وهمي لأنني أخاف الاعتقال والعنف الجسدي أو الجنسي، زوجي إعلامي مثلي كنا ندرس معاً في الجامعة، وأنا أكتفي بمساعدته بجمع المعلومات وإعطائه رأيي فيما يكتب، هو رجل ولن يخسر مثل خسارتي إن تم اعتقاله لا سمح الله».
اغتيال أحلام الإعلاميات
تشكل ذكورية المجتمع السوري، والعادات والتقاليد الأبوية، أحد أكبر المشاكل التي تواجه الإعلاميات وتقف عائقاً أمام تطورهن مهنياً، كما تشكل سبباً مباشراً في كثير من المرات لتركه، عن هذا تقول الإعلامية “سناء” لـ(الحل نت)، «معظم زميلاتي تركن العمل بعد بدئه بقليل، نتيجة الضغوطات التي تعرضن لها من الذكور في أسرهن، إحدى زميلاتي في إدلب، والتي لا تزال مصرة على العمل، تتعرض للتهديد من زوجها السابق بأنه سيخبر “هيئة تحرير الشام” عن عملها إذا رفضت العودة إليه، زميلة أخرى في منطقة “درع الفرات” تضطر للعمل تحت جناح شخص آخر لحمايتها».
عند التحدث مع “يارا بدر” مديرة برنامج الإعلام والحريات في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، قالت أنه «بحسب اليونسكو ونتائج الدراسة الاستقصائية التي أجرتها مع المركز الدولي للصحفيين، ونشرت في اليوم العالمي لحرية الصحافة 2021 فإن 3 من كل 4 صحفيات تتعرضن لشكل من أشكال “العنف الافتراضي”، وهذا الواقع عالميّاً ومن ضمنه سوريا التي شهدنا كمركز سوري للإعلام وحريّة التعبير في العام المنصرم حالتين على الأقل لصحفيّات تعرّضن للتنمّر وحملات المضايقة باستغلال وسائل وأدوات المجال الافتراضي».
تكمل “يارا”، «إلاّ أنني، وبرأيّ الشخصي، لا تزال النساء السوريات العاملات في المجال الإعلامي، ضحيّة العنف الأكثر نمطيّة ألا وهو المجتمع البطريركي الذكوري، وللأسف لا تزال تعاني النساء الصحفيّات من الاستخفاف، والسلبيّة في الكثير من أوساط العمل، ومن رفض المجتمع في حالات كثيرة لعمل الخطورة فيه عاليّة، يضاف إلى هذا المنافسة التي لسنوات ربما أثّرت على تعاضد ودعم النساء الصحفيّات لبعضهن البعض، أفتخر بأنني كتبت في الشأن الثقافي لأكثر من عقد، وأستطيع القول أن هذا يتغير اليوم بفضل جهود صحفيات سوريات وعربيات كثيرات، اذكر منهنّ “زينة ارحيم” و”ديانا مقلد”، لكننا نحتاج إلى الكثير من العمل الجاد بعد، والكثير الكثير منه لكسر الصورة النمطيّة وتغيير الأحكام المُسبقة وإحقاق فرص عمل متساوية للصحفيين والصحفيات”.
مسارح جديدة لممارسة العنف ضد الإعلاميات
شكل تطور استخدام منصات التواصل الاجتماعي سلاحاً ذو حدّين بالنسبة للنساء، ففي الوقت الذي شكلت فيه المنصات الرقمية مساحات مهمة للإعلاميات، أتاحت أيضاً أشكالاً جديدة من العنف عبر الإنترنت ضد المرأة.
المقررة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة “دوبرافكا سيمونوفيتش”، قالت: أن «الصحفيات أصبحن مستهدفات بشكل متزايد باعتبارهن ممثلات مرئيات وصريحات لحقوق المرأة»، وصرحت بأنهن تتعرضن إلى العنف الرقمي لأنهن تشكلن اليوم صوتاً لحقوق المرأة ومطالب التغيير، مما يجعل من استهدافهن استهدافاً غير مباشر للقضايا التي يدافعن عنها، وكل محاولات إسكاتهن ما هي إلا محاولات لطمس بعض القضايا، خاصة تلك المتعلقة بالحريات الفردية.
تواجه الإعلاميات في سوريا أنواعاً مختلفة من العنف عبر الإنترنت، منها التهديد بالعنف والاعتداء الجنسي والاغتصاب والقتل، كما تتعرضن لحملات ممنهجة تستهدف المظهر والجنس والمهنية بهدف تشويه سمعتهن والتقليل من ثقة الناس بهن، كما تواجه الإعلاميات حملات تضليل مدروسة تستغل القصص المعادية للنساء، ومن أبرز ما تتضمنه هذه الحملات اتهام الإعلاميات بأن سلوكهنّ المهني غير قويم، وإلحاق الضرر بسمعتهن الشخصية، ونشر صور مسيئة ومتلاعب بها ومقاطع فيديو إباحية مزيفة، ما يمكن أن تواجه الإعلاميات تهديدات الخصوصية والأمان الرقمي التي تتضمن البرامج الضارة والقرصنة، غالباً ما يهدف المهاجمون إلى تقويض مصداقية الإعلاميات وإحراجهن للتوقف عن العمل.
عند سؤال الإعلامية السابقة ندى (اسم وهمي-33 عاماً-دمشق) قالت لـ(الحل نت): «رغم أنني أعمل باسم وهمي في الإعلام المكتوب فقط لتجنب المخاطر، إلا أنني تعرضت للقرصنة وتمت سرقة حسابي على الفيسبوك وبدأ المقرصن كتابة جمل مخلة بالأدب على صفحتي مما سبب لي الكثير من المشاكل وأحرجني أمام الآخرين، في ذات الفترة وصلتني عدة رسائل إلكترونية تحمل تهديدات مباشرة بأذيتي واختطاف ابنتي إن لم أتوقف عن العمل، كنت أعمل حينها على تقرير فيه بعض الأسماء المعروفة، كان الضغط كبيراً جداً عليّ ولم أتحمل المجازفة، خاصة أن زوجي فقد أخاه الأكبر في الحرب منذ سنوات، فقررت التوقف».
سن القانون إجراء غير كافي لحماية الإعلاميات
هنالك عدة قواعد قانونية خاصّة بحماية المرأة في النزاع المسلح وأخرى تحمي النساء العاملات من التميّيز المبني على النوع الاجتماعي ومن العنف والتحرش في مكان العمل، هذا وقد تضمّن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2222 حماية الإعلاميات وإدانة للانتهاكات الجسيمة والتجاوزات المرتكبة بحقهن ودعوة لأطراف النزاعات للحد منها، وإجراء تحقيقات جدية حولها، وتقديم الجناة للعدالة ومنع إفلاتهم من العقاب، وإنصاف الضحايا، ولكن القوانين وحدها لا تكفي لحماية الإعلاميات، فحتى تكتمل الغاية من وجودها لا بد من إيجاد آليات لتنفيذها على أرض الواقع، كما أن القوانين التي توضع من قبل مشرع ذكر لا بد أن تعكس أحكامها تصوراً نمطياً جنسانياً عن المرأة ولا تتعامل معها كفرد في المجتمع مساوٍ للرجل بل باعتبارها كائناً ضعيفاً يتم تحميله أعباء الشرف والكرامة وسمعة الأسرة.